مع تقدم الجيش الوطني في معركة طوفان الكرامة لتحرير طرابلس من سيطرة الميليشيات وانهاء مسلسل الفوضى فيها،تواصل حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج تعنتها ودفاعها عن هذه المليشيات التي مثلت منذ اندلاع الأزمة في العام 2011 المصدر الرئيسي للفوضى في البلاد وحجر عثرة أمام التوصل الى أي تسوية للأزمة الخانقة.

ومنذ اطلاق الجيش الليبي نحو العاصمة استنفرت حكومة الوفاق جميع امكانياتها لدعم المليشيات المسلحة التي دخلت معها في تحالفات وصفت بالمؤقتة نظرا لاختلاف مصالح هذه المليشيات وأجنداتها.لكن مع تقدم القوات الليبية ميدانيا ببدا واضحا أن حكومة السراج تسر نحو خسارة رهانها على الجماعات المسلحة التي ورغم الدعم الذي تحضى به من تركيا وقطر فانها لن تستطيع الصمود أمام جيش نظامي بات يحمل خبرة كبيرة بعد معاركه السابقة ضد التنظيمات الارهابية في شرق وجنوب البلاد.

التطورات الميدانية دفعت رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج الى اطلاق ما أسماه مبادرة سياسية لحل الأزمة السياسية في ليبيا، دعا فيها إلى عقد ملتقى جامع جديد بدعم من البعثة الأممية في محاولة لإحياء مبادرتها السابقة التي أخفقت في جمع شمل عدد من القيادات الليبية في أبريل الماضي، بعد تحرك الجيش لتحرير طرابلس في الرابع من الشهر ذاته.

مبادرة السراج التي قوبلت بترحيب أممي ومن بعض الأطراف الدولية،لم تلق صدى في الداخل الليبي حيث رفضتها أغلب الأطراف السياسية ووصفت بأنها محاولة من السراج للخروج من المأزق الذي تعيشه حكومته في ظل الهزائم والتراجع الكبير للقوات الموالية لها في محاور القتال على أطراف العاصمة الليبية.

وبدا فشل هذه المبارة الجديدة مع تأكيد رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح رفضه ومؤسسته الدخول في أي مباحثات أو مفاوضات سياسية تتعلق بمستقبل البلاد إلا بعد إتمام "تحرير العاصمة"، واعتبر أن هذا الموقف لا يعبر عن تعنّت أو إصرار على المضي قدما في الحل العسكري وإنما يعكس عدم وجود شركاء يؤمنون بالمسار السياسي والديمقراطي في الجانب الآخر.

وفي مقابلة، مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، قال صالح "نرفض التفاوض مع رئيس حكومة الوفاق (مقرها طرابلس) فايز السراج والميليشيات والقوى الداعمة له، ونرفض تعليق العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني لاستعادة العاصمة في بداية أبريل الماضي، إلا إذا استجابوا لشروطنا وهي إخلاء العاصمة من الميليشيات المسلحة، مع تسليم السلاح".

وأضاف "بعد ذلك يتم الرجوع للعمل بالدستور الليبي، بما يدعو له صراحة من إجراء انتخابات. أما أي حديث عن مباحثات سياسية مع حكومة رهينة لميليشيات مسلحة لا تؤمن بالمسار السياسي والديمقراطي فلا طائل منه".

ورجّح، المستشار القانوني البارز الذي يتولى رئاسة البرلمان منذ عام 2014، أن "تتمكن بلاده خلال مدة زمنية لا تزيد عن العام من تاريخ استعادة السيطرة على العاصمة من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية تحت إشراف قضائي محلي كامل وإشراف دولي"، ولكنه شدد على أن هذا يتطلب "وجود إرادة دولية صادقة وداعمة".

وتشير تصريحات رئيس مجلس النواب الى اصرار داخلي كبير على المضي قدما نحو تحرير العاصمة الليية كخيار أخير لحل الازمة الراهنة.وهو ما أكده "تجمع القوى الوطنية الليبية"،الذي عقد مؤتمراً انطلقت جلساته الاثنين 17 يونيو/تموز 2019 في العاصمة المصرية، حمل عنواناً عبّر عن مضمونه وأهدافه "لقاء القوى الوطنية الليبية لدعم جهود القوات المسلحة الليبية في الحرب ضد الإرهاب والمليشيات"، الهدف منه تأكيد وضع تصورات إلى ما بعد عملية طرابلس.

وشدد المجتمعون في الملتقى على الرفض التام لمبادرة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج لحل الأزمة والتي طرحها قبل يومين، معتبرين أنها "تمثل رؤية وتوجهات التيار الذي يتحكم في السراج وحكومته ويقود المعركة ضد الجيش في طرابلس، ممثلاً في جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا.

وأكد المستشار رمزي الرميح، عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر،أن "تجمع القوى الوطنية بالقاهرة يرفض بشكل قاطع مبادرة السراج، ويدعم استمرار عملية تحرير طرابلس حتى تطهير المدينة من الكتائب والمليشيات، لافتاً إلى "أن المؤتمر يناقش دور القوات المسلحة الليبية في تهيئة الأوضاع والظروف لقيام دولة مدنية"، مؤكداً "ألّا حوار مع الكتائب والمليشيات وجماعة الإخوان في ليبيا، وأن الحسم العسكري هو الحل المناسب في المرحلة الحالية".بحسب ما نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية.

ومن جهته قال رئيس المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، العجيلي البريني، إن المبادرة التي طرحها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، غير قابلة للتفعيل طبقا للمعطيات الراهنة.وأضاف في تصريحات لوكالة"سبوتنيك"،الاثنين، أن نحو 70% من القبائل الليبية يؤيدون عملية الجيش الليبي في طرابلس، وأن مدينة مصراته تقف إلى الجانب الآخر وجزء من مدينة الزاوية وكذلك الأمر بالنسبة لقبائل الطوارق والتبو في الجنوب الليبي، حيث تنقسم بين مؤيد للجيش ومناصر لقوات الوفاق.

وأضاف أن مبادرة السراج طرحت متأخرة، في حين أن الجيش يفصله عن قلب العاصمة كيلومترات معدودة، في ظل تواجد الميليشيات في قلب العاصمة، والتي تقودها مدينة مصراته المدعومة من قطر وتركيا، حسب نص قوله.وأوضح أن الاجتماعات خلال الفترة المقبلة يجب أن تركز على ما بعد عملية طرابلس، في ظل انتشار الميليشيات، وأن تضع رؤية لخارطة طريق تساهم في خروج ليبيا من المشهد الحالي.

ويبدو أن القوى الوطنية التي تمثل غالبية التيارات السياسية والمشارب الاجتماعية المتنوعة عقدت مؤتمرها في القاهرة للرد مباشرة على رفض مبادرة حكومة الوفاق التي يرى الكثير من المتابعين للشأن الليبي بأنها انتهت سياسيا منذ أن رهنت نفسها لمليشيات ذات أجندات خارجية مشبوهة ناهيك عن تورطها في تحالفات مع عناصر ارهابية ومطلوبين.

وتواجه حكومة الوفاق منذ بدء العملية العسكرية في العاصمة طرابلس، مطلع شهر أبريل الماضي، اتهامات بتحالفها مع مرتزقة أجانب واستنجادها بقيادات متطرفة لقتل الليبيين.وآخر الدلائل جاء مع اعلان "الكتيبة 140 مشاة"، التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي، إنها تمكنت من القبض على عدد من المرتزقة الأجانب من جنسيات إفريقية، أثناء قتالهم ضمن قوات حكومة الوفاق، في معركة تحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات المسلّحة والجماعات الإرهابية.

وأضافت الكتيبة في بيان مصوّر، عبر صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك"، إن هؤلاء المرتزقة، تم جلبهم للقتال إلى جانب قوات أسامة جويلي آمر المنطقة العسكرية الغربية، بالقوة لمحاربة قوات الجيش الليبي، ووقف تقدمه نحو وسط العاصمة طرابلس، وقامت بعرض صورهم.

وسبق أن تحدثت تقارير عن محاولات المليشيات المسلحة تجنيد المهاجرين غير الشرعيين للقتال ضد القوات المسلحة،وفي وقت سابق من هذا الشهر، تحدث مقاتل سوداني بعد أسره من طرف الجيش الليبي في العاصمة طرابلس، عن عملية تجنيد يتعرض لها المهاجرين غير الشرعيين، لتعزيز ودعم قوات الوفاق والقتال بصفوفها.

وفي سياق منفصل، قام آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية اللواء عبدالسلام الحاسي الإثنين برفقة آمر اللواء التاسع بجولة تفقدية لمحاور القتال بمنطقة القربولي جنوب طرابلس والمناطق المحيطة بها.وأعلنت شعبة الإعلام الحربي أن زيارة الحاسي للخطوط الامامية تهدف لدراسة تضاريس وجغرافية الأرض، ورسم الخطط العسكرية لتجنب وقوع الأضرار في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، والحفاظ على سلامة المدنيين.

ويسعى الجيش الليبي الى تفادي استهداف المدنيين وهو ما أخر حسم المعركة بحسب الكثير من القيادات العسكرية والخبراء.وتشير التطورات المتواصلة على اصرار الجيش الليبي على دخول العاصمة الليبية وانهاء نفوذ المليشيات ما يعنى بالضرورة نهاية حكومة الوفاق التي ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه المليشيات وبالتالي نهاية اتفاق الصخيرات الذي مثل في وقت سابق أملا في تحقيق تسوية شاملة في البلاد بعد سنوات من الفوضى وغياب الاستقرار.