رغم إقرار حكومة الوفاق لترتيبات أمنية تستهدف إرساء الأمن بقوة شرطة وأمن نظاميين، وإنهاء دور المليشيات المسلّحة، التي تسيطر على العاصمة الليبية منذ سنوات، فإن نفوذ هذه المليشيات مازال حاضرا بقوة في المدينة. 

وتعكس تحركات المليشيات المسلحة موقفها الغامض من حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، فظاهريًا، تتبع هذه الميليشيات إلى وزارة داخلية حكومة الوفاق، وتنفذ أوامرها وتدافع عنها من جهة، ومن جهة آخرى تمارس كل ما يصب في صالحها، دون اعتبار لقانون أو عرف أو حقوق إنسان.


** تحذيرات حكومية

وعكس بيان أصدره وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، الأربعاء،غياب الإنسجام بين المليشيات المشرفة على الترتيبات الأمنية.حيث دعا باشاغا جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية، والإدارة العامة للأمن المركزي، لعدم التدخل في شؤون المرافق السيادية للدولة، المكلفة بتأمينها وحراستها.

وجاء ذلك في كتاب وجهه باشاغا إلى رئيس جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية ومدير الإدارة العامة للأمن المركزي نشرته وزارة الداخلية الليبية عبر صفحتها على فيسبوك.

وقال باشاغا في تعميم حمل عنوان "هام جدا" انه "لوحظ في الآونة الأخيرة قيام بعض (عناصر الأمن) المكلفين بتأمين وحراسة المرافق السيادية للدولة تدخلهم في عمل تلك المرافق والتعرض للقرارات الصادرة منها والتي ليست من مهام عملهم حيث أن دورهم يقتصر على الحماية والتأمين وتوفير أفضل الظروف للقائمين بأعمال تلك المرافق لتأديتها على أكمل وجه".

وطلب باشاغا من رئيس جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية ومدير الإدارة العامة للأمن المركزي متابعة مرؤوسيهم "والتنبيه عليهم بعدم التدخل في شؤون تلك المرافق التي يقومون بحمايتها بأي شكل من الأشكال"، مؤكدا أنه "ستطبق أشد العقوبات على المخالفين وفقا للقانون".

وكانت مصلحة أمن المرافق والمنشآت أهابت بجميع المواطنين والجهات العامة والخاصة بالإبلاغ عن أي تجاوزات أو مخالفات، قد يرتكبها أعضاء الشرطة المكلفين بحراسة المصارف والتجاوزات..

وأوضحت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني أن البلاغات سيتم البث فيها ومعالجتها من قبل رئاسة المصلحة، لاتخاذ الإجراءات القانونية حيال التجاوزات. وطالبت المصلحة المواطنين الذين يتعرضون لأي تجاوزات او مخالفات بتبليغ غرفة العمليات الخاصة بالمصلحة عن طريق رقم هاتف مخصص لذلك.


** تجاوزات

وفي وقت سابق، قام آمر كتيبة ثوار طرابلس، هيثم التاجوري والقوة الأمنية المرافقة له بفتح بعض المصارف عنوة في غير أوقات الدوام الرسمية وإجباره الموظفين على توزيع السيولة النقدية على المواطنين. وتناقل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي،مجموعة من الصور ظهر خلالها التاجوري، وهو يقوم على عملية الإشراف على توزيع السيولة المخصصة لمصرف الوحدة فرع 24 ديسمبر بالعاصمة طرابلس.

وقال رئيس المرصد الليبي لحقوق الإنسان ناصر الهواري، في تصريح لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، "سيطرة المليشيات وغياب الدولة وعجزها عن الإيفاء بحاجات مواطنيها، كل يوم تؤكد حكومة السراج أنها نمر من ورق، وأن الآمر الناهي في العاصمة هي المليشيات".

وأشار إلى أن "قيام هيثم التاجورى بالإشراف على توزيع السيولة بالمصارف ماهو إلا صورة من صور سيطرة وسطوة المليشيات بطرابلس"


** تحذير سابق

وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أعربت في أغسطس الماضي،عن إدانتها الشديدة لأعمال العنف والتخويف وعرقلة عمل المؤسسات السيادية الليبية من قبل رجال المليشيات المسلحة، حيث يهاجم أفراد الكتائب العاملة تحت إشراف وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج المؤسسات السيادية ويمنعونها من أداء عملها بشكل فعال، مؤكدة أن التدخل في عمل المؤسسات السيادية وفي الثروة الوطنية الليبية أمر خطير، ويجب أن يتوقف على الفور.

ودعت بعثة الأمم، في بيان لها، حكومة الوفاق الوطني إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لمقاضاة المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية، مؤكدة أن الأمم المتحدة ستقدم تقريراً بهذا الشأن إلى المجتمع الدولي، وستعمل مع جميع السلطات المختصة للتحقيق في إمكانية فرض عقوبات ضد أولئك الذين يتدخلون أو يهددون العمليات التي تضطلع بها أية مؤسسة سيادية تعمل لصالح ليبيا والشعب الليبي.

وجاء بيان البعثة على خلفية شكاوى من المؤسسة الليبية للاستثمار والمؤسسة الوطنية للنفط أكدت فيها قيام مجموعات مسلحة بعرقلة عملها والتدخل في قراراتها لتحقيق مصالح شخصية.

وكانت المؤسسة الليبية للاستثمار، اضطرت للانتقال إلى مقر جديد بعدما هدد مسلحون مسؤولين فيها وطالبوهم بعدم الامتثال للقرارات والتعليمات الصادرة عن رئيس مجلس الإدارة، كما اتهمت المؤسسة الوطنية للنفط من جهتها بعض الجهات بالوقوف عائقًا أمام الإصلاحات التي تخدم الشعب الليبي.

وعقب ذلك بأيام هاجمت ميليشيات من مدينة ترهونة العاصمة طرابلس واستمرت المعارك لأيام، حيث نجحت الميليشيات المهاجمة في السيطرة على عدة مواقع جنوب طرابلس. وقال المهاجمون إن هدفهم تطهير العاصمة من دواعش المال العام. وتدخلت في ما بعد بعثة الأمم المتحدة ونجحت في فرض اتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى تمرير إصلاحات اقتصادية كانت ميليشيات طرابلس أكبر معرقليها.

وبالرغم من إنطلاق حكومة الوفاق في تنفيذ الترتيبات الأمنية، بهدف إرساء الأمن داخل العاصمة الليبية بقوات شرطة نظامية، وإنهاء دور الميليشيات المسلحة، فإنّ الحديث عن نهاية هذه المليشيات يبدو سابقا لأوانه، حيث يرى العديد من المراقبين أن الترتيبات الأمنية ليست سوى تلاعب بالألفاظ والمسميات تعود من خلالها المليشيات مجدداً، تحت أي مسمى رسمي جديد لفرض نفوذها وتدعيم مصالحها.