الطوارق هم تلك الأمة الموغلة في تاريخ شمال أفريقيا ووسطها ،وذلك الشعب متعدد الأفخاذ والقبائل واللحم ، الذي يستوطن جنوب الصحراء ويعيش حياة   الترحال، ومواطنه الحالية تتوزع ما بين شمال بوركينا فاسو ومالي الى جنوب ليبيا والجزائر مرورا بوسط وشمال النيجر   وشمال غرب تشاد، و ديانته الاسلام السنى ،والغالبية منهم على النهج المالكي 

ترجح دراسات الكثير من المؤرخين أن الطوارق هم أحفاد شعب الجرمنت القدماء، الذين سكنوا جنوب ليبيا وشمال كل من تشاد والنيجر ومالي   وجنوب الجزائر  " حيث أمتدت حضارتهم آلاف السنين، ولهم من الآثار الباقية الشيء الكثير في جبال تادورات وجبال تاسيلي وحبل أهقار " …. كما يرجع ا أبن خلدون أصول الطوارق الى الامازيغ البرانس ، تحديا صنهاجة ، التي يمتد نسبها الى مازيغ بن كنعان ، والبرانس  يجمعها سبعة أجذام هي ازداجة ومصمودة وصنهاجة واوريغة و اوربة وعجيسة وكتامة "1

الطوارق تميزوا عن غيرهم من الشعوب التي جاورتهم بأصطفافهم   نحو الهندام و الزي و الهيئة الواحدة التي ميزتهم عن غيرهم ، والغالبة على اولئك الرجال الملثمون الذين يجوبون الصحراء ويسبحون بجمالهم وسط الرمال " وقد عرفوا في العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة بالملثمين المتخفين وراء اللثام والأكمه ورمال الصحراء ، ويخفون أسرارهم ورائها …..... وهؤلاء الصنهاجيون الفقراء هجروا التلال وتركوا الريف وابتعدوا عن العمران لفترة طويلة قبل الفتح الإسلامي ، واستغنوا عن حياة الاستقرار بتتبع الأنعام ولحوم ولبن الابل ، فاستئنسوا بها ومعها ، ورأوا في انفرادهم هذا توحشا بالعز عن الغلبة والقهر، وكانت مراحهم و مرابعهم مفتوحة ما بين بلاد البربر الى بلاد السودان شرقا ، الى ريف الحبشة جنوبا وحتى طرابلس وبرقة شمالا ، وتميزوا عن جوارهم من تلك الامم بذلك اللثام الذي يحجب وجوههم ، فأصبح شعارا وسمة يعرفون بها ( 2

بدايات محنة الطوارق

الاستقلالية المميزة  والتفرد المعنوي لأمة الطوارق تشوهت معالمهما ،بعد موجات الاستعمار الحديث والكشوفات الأوروبية وتغلغلها وسط القارة السمراء ، وبعد انحسار الدولة الكلية المركبة  تلك التي تعتمد في قيامها على أسس تاريخية ومعطيات زمنية في ظل عصور سابقة كانت لا تعترف بالحدود الجغرافية او اللغوية أو القومية، ومن تلك الدول الكلية المركبة، الدول التي قامت على المعيار الديني الذي يتخذ من الدين وحده أساسا لقيام الدولة حيث يشكل ملامحها ويصنع نظامها السياسي وحدودها ، فتنتهي حدود هذه الدولة بنهاية مواطن وتواجد شعوب وقبائل هذه الديانة الواحدة ،وقد تتداخل هذه الحدود  مع غيرها بحسب معطيات الغزو والفتوحات ، فكان الطوارق بعد إسلامهم  يشكلون ككيان بشري رعايا وكيان ومواطنة لدولة الخلافة من أواخر عهود العباسيين والفاطميين ثم المرابطين ثم الموحدين ، ثم دولة الخلافة العثمانية ،،،،،، ويعود للطوارق الفضل في تأسيس دولة المرابطين إحدى أكبر الممالك الاسلامية التي حافظت على الكيان الإسلامي من الاندثار في الأندلس وعملت على وحدة الإسلام ونشره في شمال

 أفريقيا ، شأنها شأن ممالك الطوارق الأخرى مثل مملكة أودغست وتينكتو،  وتمبكتو، وجميع تلك الممالك كانت مركز إشعاع حضاري وثقافي إسلامي وسط القارة وشمالها (3 

   غير أن تلك المواطنة لم تكن الا رمزية ولم تتجاوز الشعور الديني والانتماء المعنوي ، حيث ظلت مناطق نفوذهم ومواطنهم  منفصلة وخالصة لهم ،ولا وجود لسلطة تمنعهم من التنقل والارتحال أو تفرض عليهم إتاوات أو جباية 

غير أنه بمجيء الدولة القطرية الدولة القزمية وليدة الاستعمار الأوروبي الحديث، و وليدة مبادئ ونتائج انتصار الدولة القومية في أوروبا ،   أصبحت أمة  الطوارق رهينة إمبراطوريات استعمارية مختلفة ، تتجاذبها بينها   في اللغة والحضارة والثقافة والنمط الاستعماري ،بالتالي بدأت التجزئة والتشظي يتغلغلان  داخل أمة الطوارق  ، ويتقاذفاتها بين مصالح هذه الامبراطويات المتصارعة  ثقافيا وفكريا، لتربط  كل امبراطورية منها مستعمرتها بكساء الدولة القومية - الدولة الوطنية دولة الحداثة دولة الوطن بمفهومه الليبرالي 

حتى استقلت الإمارات الإسلامية في شمال أفريقيا بعيدا عن سلطان الدولة المركبة الكلية أو الشاملة ( الدولة الإسلامية) وتنحو كل منها الى نمط الدولة  الوطنية أو الدولة القطرية ، وينهار الكيان الجغرافي المفتوح الممتد ،والذي لم يكن يعرف الحدود والتجزئة والكيانات السياسية المغلقة ، لتنال تلك الحواجز الصناعية الاستعمارية المعروفة بالحدود ،الصفة المعنوية والقانونية على حساب العوامل الاساسية من الانثربولوجيا والسوسيولوجيا والدين ،فتم تجاهل مقومات اللغة والتاريخ والثقافة والعقيدة  ، برسم معالم حدود جديدة بشكل مثبت قانونا  متعاهد عليه ولا يمكن تغييره. هذا التوثيق الحدودي منح  الدور كله للعامل الجغرافي والجيوسياسي متناسيا العوامل الأخرى ، فعند تقسيم حدود بين الدول الوطنية  في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء لم يعتد بمعطيات  التماثلات   والمقومات القومية، وتهديد الوحدة العضوية   للقبائل الطارقية ، التي  تناثرت وسط دول متضادة تفصل بينها حدود وجيوش 

الدولة القطرية في أوروبا هي حلقة أخيرة من نتاج الدولة القومية بعد صبغها بدولة الحداثة والعلمانية، والوطن بمفهومه الغربي   الليبرالي الحديث، لأجل إيجاد الحلول لمشاكل الأقليات والأعراق وتكييفها القانوني داخل إطار المواطنة والمساواة وسيادة القانون   ودولة الوطن   ، لإنهاء النزاعات والصراعات الاثنية والطائفية والعرقية ، لإدراكهم  أن قيام الدولة في القارة الأوروبية على أسس قومية ( بدلا من الأسس الدينية أو التوسع الاستعماري) ،هو لم يمنع كذلك  من الصراعات والحروب  بين الكيانات القومية الأوروبية ، شأنه شأن قيام الدولة على أسس دينية، الذي جر سابقا إلى   الصراع الداخلي بين القوميات المتواجدة داخل الكيان السياسي الديني الذي يجمع بين عدة شعوب من قوميات متعددة

الذي يجب الإشارة إليه هنا ، أنه عندما خلق الاستعمار الأوروبي  الدولة   الوطنية في أفريقيا فإنه لم يؤسسها على المعايير القومية او الدينية ، وإنما كان تأسيسها لها يعتمد على معايير مكانية جغرافية لوضع الحدود بين الإمبراطوريات الأوروبية المتصارعة ، فكل كيان له ادارة مستقلة عن جواره ، سمح له بأن يعلن استقلاله الذاتي وفق الحدود الجغرافية لمجال عمل تلك الادارة او الاقليم ، لأجل أن ينال الاعتراف الدولي  فيما بعد ويصبح دولة مستقلة  ، ذات سيادة فوق ذلك الاطار المكاني بمعالمه الجغرافية المشظاة ،   فظهرت النيجر ومالي وتشاد وبوكينا فاسو والجزائر وموريتانيا  وجنوب ليبيا ( فزان )، وهي الهوامش للمركز  أي الامبراطورية الفرنسية ،التي  حكمت   مستعمراتها  بالنمط  الامبراطوري اللامركزي ،الذي جعل كل منها فيما بعد نمطا مستقلا من الادارة والحكم أطلق عليه لقب الدولة " غير أن  الاستعمار الفرنسي على مدى 60 عاما ،لم يستطع أن يخضع الطوارق أو يغير من حياتهم وعاداتهم وأنماط معيشتهم ، حيث أن هناك عاملان آخران ،  أحدهما سياسي ،وآخر طبيعى أستطاعا تغيير ذلك ، وهما الدولة القطرية ( دولة الاستقلال ) ، وعامل الجفاف ، فالعامل السياسي القطري جعل الطوارق يتوزعون بين كيانات سياسية مستحدثة ، تسمى دولا لكل منها حدودها الجغرافية ونظامها السياسي الخاص، ولكل منها قوانين وتشريعات محلية وضوابط آمنية تمنع تحركاتهم وتحد من حرياتهم(4 

التهديد بطمس معالم الشخصية الطارقية وثقافتها ،والحد من التواصل المجتمعي 

    فداحة الوضع لم تتمثل في إطار التقسيم الجغرافي فحسب وانما كانت تهديد للثقافة والتاريخ الطارقي وطمس لغتهم،  التي قاربت على التلاشي بين الأجيال الجديدة الناشئة في كل دولة قطرية على حدة ، بعد أن فقدوا أهم عناصر وحدتهم التاريخية وهو عدم القدرة على التواصل المجتمعي والتضامن الجمعي العام والانتقال والترحال الحر في أراضي شعبهم المفتوحة ، ذلك الترحال الذي ميزهم تاريخيا عن غيرهم وخلق الرباط الكلي بينهم، وساهم في تعزيز وحدتهم المجتمعية   " ثم جاء العامل الطبيعي الجفاف ليحمل عبئا إضافيا على الطوارق وعلى نسيجهم الاجتماعي وطبيعة حياتهم التي ألفوها طوال قرون ….. فبدأوا في البحث عن مناطق أخرى في محيطهم الجغرافي أقل وطأة وقسوة على ما تبقى من قطعان ابلهم ومواشيهم ،التي قضى الجفاف على معظمها ، وعن وسائل عيش جديدة لم يكن الكثيرون منهم قد اعتادوا من قبل ، مما دفعهم نحو المدن والحواضر الأقرب اليهم واحيانا الى اجتياز الحدود بين الدول والاحتكاك مع المجموعات العرقية الاخرى في دولهم المستحدثة ، أو في الدول المجاورة لها ومع سلطات هذه الدول أيضا " 5 

شعب الطوارق كان كغيره من الشعوب مثل الهوسا والقرعان والامازيغ والعرب والزنوج  يحتفي بخروج المستعمر والتحرر ، غير ان ذلك قاده الى مسار أكثر صعوبة على المدى البعيد ،وهو أنهم باتوا يخضعون للتشظي والانقسام بين هذه الكيانات السياسية الجديدة ، والادهي كذك، هو أنهم سوف يصبحون رهينة  لقوانين هذه الدول وتقلباتها وحراكها السياسي ،وبالتالي سوف تفرض عليهم عوامل أكثر قسوة من التشظي ،وهي عوامل القيود المكانية والتجنيس الخاصة  بكل دولة، والتي سوف تفقدهم الكثير من الحقوق الطبيعية التي كانوا يملكونها منذ الأزل ،مثل  الحرية والانتقال بدون قيود،  والتضامن المجتمعي والتواصل مع شعوبهم وتبادل ثقافتهم وتراثهم التاريخي 

هذا التشظي السياسي القطري خلق حالة من التوتر والاضطرابات ، وأخير التمرد والتصادم العسكري مع حكومات الكيانات السياسية المتشظية، لاسيما في النيجر ومالي  ، والصراعات مع القبائل العربية و القرعانية  و الفزانية   في جنوب ليبيا ، ومع التيار العروبي في غرب تشاد 

تنازع خاصية الولاء بين الولاء للدولة القطرية والولاء للتاريخ والعرق 

الولاء العام نقصد بعموميته ،هو  ذلك المستوى  المعبر عن الانتماء الجمعي الذي  يبنى على معيارا عاما شاملا ،يقاس به ولاء الجموع  تجاه الوطن، بإجماع نسبى كبير من عموم الافراد تجاه الدولة كمركب تنظيمي قانوني- سياسي -إداري  ، وهذا الإجماع النسبي هو الذي  تتشارك فيه كل مكونات المجتمع اراديا او لا اراديا ، أي انه وصفا لذلك المنظور القيمي المكون من مشاعر جموع الأفراد  تجاه رموزهم و انظمتهم السياسية والادارية وأنماطهم المعيشية الخاصة بهم  ،بالقالب الذي يحتضنهم كجماعة واحدة  تتشارك المصير والانتماء ، أي أنه الجمع بين الشعور بالدور والممارسة ،وإحساس  الفرد بانتمائه الى هذا الوطن ودوره فيه أولا ،ثم ممارسة الفرد لهذا الدور وتجسيد الولاء ثانيا   " و مفهوم الولاء بالتنظير والممارسة يظل رغم بساطته مفهوم عميق مرتبط بعقول وقلوب الأفراد و وجدانهم الجمعي، أو الصيغة الجمعية ( منتهى الجموع ) عندما يشكل كل من الفرد ومجتمعه كل جمعي واحد ،و بوتقه واحده تنتفي فيها الحدود و الثنائيات المشاعة التي يفتعلها البعض بين القيادة والناس وبين السلطة والشعب " 6 

يتجاوز الانتماء الوطني حدود  المسمى الجغرافي والمادية المكانية ،،،،،ليشمل الروابط الاجتماعية الوطيدة المندمجة بين العائلات والعشائر والقبائل ،المتمثلة في النزعات العاطفية والمشاعر والجوارح وروابط الدم ....  التي تميل إلى كيان واحد  موحد الحدود يقطنه شعب مرتبط ببعضه البعض بأواصر من التاريخ الطويل والمصالح المشتركة ووحدة الهدف والمصير  " 7 .

 الولاء للدولة الحديثة وللكيان السياسي القطري المستحدث فهو ولاء طاريء في تاريخ  الشعب الطارقي ، والولاء العام للدولة والسلطات التي اعتادوا عليها، كان ذلك الولاء الذي  فرضته العقيدة الاسلامية وطاعة الخليفة كولى لأمر المسلمين ، بعد تفكك دولة الخلافة وبداية عصر الاستعمار وما تبعه من  ظهور الكيانات السياسية القطرية ، نمى ولاء ذو طبيعة ملزمة قسرية ، فرضته الدساتير وقوانين الدول حديثة الاستقلال ، والطوارق الذين تشتتوا قسرا بين عدة كيانات سياسية متجاورة   التزموا  بهذا النوع من الولاء بدافع الانصهار القسري ، أو بدافع القبول الناتج عن الخوف من ما تملكه الدولة من سلطات مادية اجبارية ،وهذا ماجعل الطوارق يعطون انتماء أكثر لكيانهم العرقي- الاجتماعي- الثقافي ، أكثر من الولاء لتلك الحدود السياسية التي مزقت وجودهم التاريخي وإطارهم الجغرافي  

 وهم يرون أن ولائهم لتلك الكيانات السياسية المتشظية محدودا، إذا ما قورن  بالولاء الحقيقي لتلك البقع الجغرافية الصغيرة والمعالم المكانية التي عاشوا  و تعايشوا عليها ونعموا بخيراتها ، وأمدتهم  بالغذاء والغلال والمراعي . وهو ولاء مرحلي يتغير نسبيا حسب تغير اماكن الرعي والحرث والمعيشة ،فالولاء الفعلي والحقيقي يظل للوجود العرقي الذي يبنى على أسس بنيوسيولوجية المجتمع القبلي الواحد والعرق العشائري الثابت، لذلك تجد أن الحروب   المعاصرة  التي خاضها الطوارق ضد خصومهم من قبائل وكيانات أخرى كان أكثرها حروبا اجتماعية عرقية اقليمية تبتعد عن ميزان الكل الجغرافي أو الوطن الواحد 

التضامن المجتمعي بين الطوارق في مواجهة الجماعات الاخرى داخل الدولة القطرية

 قديما كان تشكل عنصر الانتماء عند الطوارق ، بالمعايير العرقية المكانية، وتشكل كحصيلة لتطورات تاريخية اجتماعية سوسيولوجية وانثروبولوجية،  رسخت لديهم مفهوم حتمي للتضامن الاجتماعي وفق عرقية مغلقة وانثروبولوجية حدودية المكان ،والإيمان بتقديس معبودات مشتركة بينهم 

والمسلم به هو أنه عندما  اعتنق الطوارق  الدين الاسلامي صار لديهم فهما أكثر اتساعا، وهو أن الذود عن جميع أراضي المسلمين وليست الأراضي المعيشية للطوارق فقط  ، أي أن الدفاع عن  كل أراضي وديار المسلمين هي واجب روحي مقدس

 بالتالي انخرطوا في الفتوحات نحو المغرب الاقصى والاندلس بجانب العرب ،  كما توغلوا جنوبا وشرقا وغربا  ، لنشر الاسلام في افريقيا ،حيث أزال الدين الاسلامي الفوارق بين الطوارق وبين الشعوب المجاورة لهم فأصبحوا يرتبطون بمصير واحد ،ولديهم ولاء وتضامن كامل نحو الدين  ودولة العقيدة ،وأصبحوا أخوة متحابين يربطهم مصير واحد وكيان واحد وعقيدة واحدة، مع عدم التفريط بأقليمهم الترابي أو ثقافتهم المحلية  ، الدين الاسلامي خلق ثقافة روحية واحدة وجمع شعوب وأعراق وحضارات داخل بوتقة واحدة ،  في الوقت نفسه   حافظ على الموروثات الثقافية المحلية واحترم الامتدادات المكانية للشعوب، ولم يقيد الانتقال الحر للأفراد أو القبائل، فالديار الاسلامية او الأمصار، يجتمع فيها كل المسلمين من عرب وامازيغ   وافارقة  وزنوج واحباش وقرعان وطوارق وغيرهم من اجناس اخرى، فالطوارق كسائر الشعوب الإسلامية الاخرى كانوا  داخل هذا الكل الجغرافي الواحد الكبير يشعرون بالتضامن الجمعي معه والانتماء له ،لكونه حافظ داخل إطاره العام على وحدة ديار مجتمع الطوارق ولم يمنع الترابط والتواصل مع بعضهم البعض، ولم ينشيء حدود وفواصل بينهم ، فاستمرت ثقافتهم المحلية وخصوصياتهم اللغوية وتراثهم ونمط الترحال وركوب الإبل ، وجوب الصحراء الكبرى ، إلى أن حلت مصائب الطوارق بعد قدوم الاستعمار الغربي و وليدته الدولة القطرية

الطوارق بحكم العوامل السوسيولوجية والمكانية والأنثروبولوجية التي جعلت منهم دائما شعب منغلق  ومعتمد على نفسه وله اعتماده المتبادل ذاتيا  بتجانسه وتماثله وتواصله، يجد نفسه اليوم داخل إطار دول لها تنظيمات سياسية ودساتير وقوانين تختلف كل منها عن جوارها من الدول الاخرى ، بالشكل الذي يجعل كل مواطن طارقي يفقد تواصله مع محيطه الاجتماعي أو حتى  مع أقاربه الذين رمتهم الظروف والسياسة في حصة دولة أخرى ، ليتعذر عليه العبور إليهم ، الا بجواز سفر وتأشيرة وموافقات أمنية ،  وأن هذه المعضلة تجعل منهم بعيدي الانتماء عن الدولة القطرية  ولديهم قصور في  الولاء لها ، بالشكل الذي يرسخ  العزلة الاقليمية لهم أو الجهوية الاجتماعية  أو السياسية والذي ينمي " الشخصية الذاتية للمجتمعات المحلية التي تتحول عن مسارها الطبيعي إلى ذاتية انقسامية انعزالية مضادة لمفهوم الوحدة الوطنية …..........وفي اتجاه معاكس فإن التجارب العربية سواء الفكرية أو الممارسية اغفلا جوانب كثيرة من الدور التاريخي الطويل  للقبيلة الذي لعب دورا بالغ الاهمية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال مرحلة بناء الدولة الوطنية" 8

ختاما 

المجتمع القبلي أو الشعوبية الاقليمية لأمة ممتدة لأزمنة بعيدة مثل الطوارق، نمت بعناصر سيكولوجية وخصائص سوسيولوجية عضوية ، كثف من وجودها الإقليم الترابي الفسيح والمعزول والمنغلق على الدخلاء ،هذه الأمة الممتدة يتوجب استيعاب مطالبها واعتبار خصوصياتها بالنظر إلى ظروفها التاريخية والقيمية والثقافية ، و المساعدة  في نقل هذا المجتمع من البدونة الى التحضر  والتمهيد لتوفي كل الاشتراطات الضرورية لذلك تجنبا للمزيد من السلبية والتقوقع  التارقي تجاه  الدولة التي لم تفي بواجباتها ولم تقم بدورها  تجاههم وتفاديا للوقوع في بؤرة التعصب  والمعاداة 

من الصعوبة بمكان وزمان تفكيك ذلك النسيج الطبيعي الموحد   ، وذلك التنظيم القبلي القائم على أعراف وطقوس راسخة متداولة واستبداله بقوانين مستحدثة ، لتطبق على شعب واحد يعيش في كيانات سياسية متعددة ، فالدساتير التي وضعت في هذه الكيانات القطرية المستحدثة لم تراع تلك الخصوصيات المحلية الثقافية العرقية  ، وأعراف الطوارق وتقاليدهم  ولم تراعي أنماطهم الداخلية ، ووظائف وأدوار مشائخهم و زعامتهم التقليدية التي يدينون لها بالولاء والطاعة

ليس بالصعوبة على الدول الحاضنة لمجتمع الطوارق تأسيس كونفدرالية تعاهدية  ، بصورة كومنولث معترف  به فيما بينها ، من شأنه أن يمنح  للطوارق حقوقا تسهل لهم التواصل مع بعضهم البعض وممارسة قيمهم الثقافية والعرفية ،وتبادل التجارة الصحراوية بدون قيود ، شريطة التقيد بالقوانين المحلية لتلك الدول وعدم المساس بأمنها الوطني والترابي ونظمها ولوائحها  وتشريعاتها الداخلية ، بالشكل الذي لا يتعارض مع كون الطوارق مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات والتزامات و يتقيدون بالقوانين ويلتزمون النظم وقواعد السلوك الداخلي ويؤدون المهام المفروضة على سائر مواطني الدولة ، وفي الجانب الآخر لهم كيان حضاري(ليس ذو صفة سياسية )  مرتبط روحيا واجتماعيا وثقافيا تجسده وحدة ترابية ورقعة جغرافية متواصلة تمتد بين عدة دول متجاورة 

1- عبدالرحمن بن خلدون " تاريخ ابن خلدون" ج6، بيروت: دار الفكر العربي ، ص 1171 

2- تاريخ ابن خلدون المرجع السابق نفسه ،ص 241

3-  حسن أحمد محمود ،"قيام دولة المرابطين" القاهرة :دار الفكر العربي   بدون تاريخ،.ص 72

4-  عبدالله اسحاق" الطوارق شعب ظلمته السياسة ولم تنصفه الجغرافيا" صحيفة البيان ،11 نوفمبر 2007 

https://www.albayan.ae/contact-us-1   تاريخ الاسترداد 09\07\2020 

5- عبدالله اسحاق المرجع نفسه 

6 - أبن الديره " مفهوم الولاء "-مقالات صباح الخير (رأي و دراسات ) جريدة الخليج : دار الخليج : الشارقة، أغسطس 05 \ 2012

7- يونس شعبان الفنادي "مفهوم ومقومات الوحدة الوطنية "، صحيفة ليبيا المستقبل :مركز ليبيا المستقبل، للاعلام والثقافة ، 26\09\2016

8-    -سيدي أعمر شيخنا : عرض وتقديم كتاب : " الظواهر القبلية في المجتمع العربي المعاصر " موقع اسلام   https://www.islamonline.net/contactأونلاين (19 يونيو 2016