عندما يتطرق الحديث للساحة الفنية في ليبيا يتجه التفكير بشكل مباشر للبرامج الرمضانية باعتبار الموسم الرمضاني يبقى الوقت الأغنى بالبرامج الفنية المحلية في الفضائيات الليبية، وبرزت عدة اسماء للنجوم الذين تفوقوا وتميزوا بمساهماتهم التي تحتفظ بها الذاكرة، ويبقى نصيب الأسد لأولئك الذين عرفوا بخفة الدم وكانوا ضيوفاً لطفاء على المائدة التي كانت تجتمع عليها الأسرة الليبية بكامل مكوناتها، وفي هذه السانحة ألتقت بوابة افريقيا الإخبارية بأحد هذه الاسماء البارزة باستضافة أحد أبرز من قدموا برنامج الكمرا الخفية في ليبيا، و الذي ارتبط اسمه ارتباط وثيقاً بها فلا يذكر برنامج الكمرا الخفية إلا ويذكر الفنان المميز أشرف الشريف الذي ألتقيناه في القاهرة حيث يقيم حالياً، وكان الحوار معه تلقائياً تعرض فيه لعدة محطات من حياته الفنية والشخصية، فكان الحوار بالبداية التقليدية حيث عرفنا ضيفنا بنفسه قائلاً: أنا ابن أصيل لطرابلس التي ولدت وتربيت فيها، وأتشرف أني ابن المربي الفاضل فتحي الشريف أي أن اسمي الحقيقي هوأشرف فتحي الشريف، وأنا مواطن ليبي بسيط لم يكن لي أي نشاط فني ولم أتدرج في هذا المجال حتى العام 2005م عندما كان لقائي الأول مع المخرج التونسي محمد الحناشي (الذي أوجه له التحية عبر هذا اللقاء)، وكان يومها يعد لتصوير العدسة الخفية لصالح "إذاعة الجماهيرية العظمى" وخلال مناقشة تنفيذ العمل عرض علي أن اشترك في العمل فاعتذرت في البداية ولكن تم اقناعي بالفكرة وانطلقنا في العمل تحت إشراف "الحناشي" لموسمين ومن ثم اكتسبنا الخبرة وكونا فريق عمل متكامل أكملنا المسيرة من بعده، وكنت والحمد لله المشرف على العمل في بقية المواسم، وأصبحت لنا شخصيتنا الخاصة ليس في الأفكار وطريقة التعامل مع الضيف فحسب بل أيضاً كان للبرنامج هوية سمعية خاصة بموسيقى المقدمة والخاتمة التي يرجع الفضل فيها لفنان شاب لم ينال حقه من الشهرة وهو الموسيقار الشاب بكر من مدينة بنغازي، وبالمناسبة هو أفضل من يدمج بين الجملة الموسيقية الشعبية والحديثة، ولكنه لم تتاح له الفرصة في التعريف به.

الضحية يبقى البطل المطلق للكمرا الخفية

وعند سؤالنا له عن سر استمراره بنجاح في العمل في البرنامج على الرغم من الشهرة الواسعة التي اكتسبها وارتبطت بالكمرا الخفية، علل "الشريف" ذلك بأن العمل في أول ثلاث سنوات كان التصوير يتم داخل ليبيا متنقلاً بين مختلف مناطقها، ولكن في السنوات الأخيرة خرج فريق العمل للدول العربية مستغلين عدم معرفتنا، ولكن في بعض الأحيان يتم اكتشافنا وبالتالي تفشل بعض الحلقات التي لا يتم عرضها، وهنا أود أن أؤكد أن بطل العمل في الكمرا الخفية ليس الممثل بل "الضحية" لأن فكرة الحلقة تبنى عليه وعلى ردة فعله، وكنا دائماً نحاول التجديد وابتكار الأفكار الهادفة بعيداً عن الاستخفاف بالناس أو الإضحاك على حساب انسانية الغير لأن هذا الأسلوب مرفوض لدينا.

وكانت معظم الحلقات مرضية لنا وللمشاهد ولضيوف البرنامج"للضحية"، ونحن كنا نستخدم البرنامج لعلاج بعض الظواهر أو التوطئة لبعض الأعمال فمثلاً أذكر في موسم 2006ساهمنا في حملة إزالة المباني المخالفة على الاراضي الزراعية حيث كانت حلقاتنا بمثابة توعية للمواطن في قالب كوميدي، ولو عدنا لتلك الحلقات سنلاحظ تعامل المواطنين معنا فيما يخص محافظتهم وتمسكهم بأراضيهم، وكانت الحلقات قبل حملة إزالة المباني من على الأراضي الزراعية بالمخالفة.

وأضاف أنه خلال رحلة العمل تعرضنا للعديد من المواقف منها الطريف ومنها المحرج ومنها أيضاً الصعب، ولكن كل المواقف لم تصل للإيذاء لأننا كنا حريصين على احترام ضيوفنا، والآن عندما أحاول استعادة الذاكرة اتوقف عند بعض الحلقات وبعض المواقف فأذكر بالأخص حلقة الفنان السوري محمد خير جراح لأنها كانت حلقة مميزة، والفنان المرحوم حسن دكاك، والفنان نزار أبوحجر وغيرها من الحلقات التي أعتز بها، وفي ليبيا أذكر في إحدى الحلقات استوجب التصوير أن استخدم سيارة جديدة وأثناء الحوار مع الضيف يبدو أنه أُستفز أكثر من المطلوب فهاجمني بفأس مزارع "بالطة" ولأني تمكنت من الهروب من أمامه قام بتحطيم زجاج السيارة، وبعد معرفته بحقيقة البرنامج اعتذر وعرض علينا صيانة السيارة ولكننا اقنعناه بأن طبيعة الكمرا الخفية تحتمل أي خسائر تترتب على تصوير الحلقات، وأذكر أيضاً عندما كنا مع الزميل إبراهيم الأخضر نقوم بالتصوير في سوق الجزارين في الحي الإسلامي بطرابلس تعرض لخطر حقيقي عندما اضطر أن يكون في مواجهة السيارات المسرعة في الطريق العام إلا أن الله سلم، وهذا كان موقف صعب.

الإعلام الليبي اليوم أصبح ساحة تصفية حسابات

وعن الحاجة اليوم للكوميديا الهادفة وما يعرض عبر القنوات الفضائية المختلفة، قال: نحن اليوم محتاجين لإعادة النظر في الإعلام بشكل عام وليس جانب الكوميديا فقط والبداية من الأخوة الإعلاميين مهما كانت توجهاتهم يجب عليهم وضع المواطن في عين الاعتبار عند تقديمهم للبرامج ومراعاة تأثير ما يقدمونه له لأن المتلقي اليوم أصبح تحت ضغط مستمر ولد حالات احتقان وأمراض لدى المواطن البسيط، وهنا يجب أن تحتوي خارطة البرامج في مختلف القنوات على برامج منوعة وعدم الانحسار في البرامج السياسية التي أصبحت الأسهل والأكثر رواجاً لسهولة تنفيذها وقلة الامكانات اللازمة لإنجازها، ونحن في ليبيا لدينا العديد من الفنانين الكوميديين المميزين خاصة زملائنا في المنطقة الشرقية المعروفين بقدرتهم على تقديم ما يحتاجه المتلقي الليبي الذي يحتاج للابتسامة الحقيقية بدلاً عن حملات السب والشتم التي صارت تسود معظم البرامج المرئية، وهذا لا يتم إلا عندما يكون هدف القنوات خدمة الوطن والمواطن، ونحن في السابق كانت لدينا ثلاث قنوات فقط وكنا نتنافس من خلالها على تقديم الأفضل للمشاهد، وهنا أود أن أؤكد أن المجال كان مفتوحاً للجميع وحتى الرقابة التي كانت تفرض على أعمالنا كانت تصب في مصلحة المواطن بحيث لا يبث أي عمل لا يقدم المفيد، وكانت الإذاعة تقوم بالصرف وبشكل مجزي على الأعمال فكل الزملاء بلا استثناء كانت توقع معهم عقود إنتاج كبيرة بمعنى أنه كان هناك دعم وللجميع، أما الآن تجاوز عدد لقنوات الليبية 40 قناة فضائية ولكنها تفتقر للأعمال التي تخدم المشاهد وهذا يحز في النفس وأنا لا أنكر أني أعجز عن تشخيص المشكلة نظراً لوجودي خارج البلاد، ولكن من خلال المتابعة كمشاهد فإننا نجد البرامج السياسية الموجهة تسود الموقف وتعبر عن تصارع أطراف معينة وبذلك أصبحت القنوات ساحات تصفية حسابات ومعارك يؤديها أشخاص محسوبين على الإعلام.

وعند سؤالنا عن آخر نشاطاته أفاد "الشريف" بأنه عند ما قدم لمصر حاول تنفيذ فكرة جديدة مختلفة تماماً عن الكمرا الخفية فحاولت أن أسجل برنامج حواري "توك شو" وتعاون معي صديقي حسام دبنون الذي قام بإنتاج العمل الذي اخترنا له عنوان (أشرف بالليبي) وفيه أمتزجت الجدية بالكوميديا معتمدين على ضيوف مختارين مثل اللاعب الليبي المعروف "طارق التائب"، والفنانة السورية "سحر فوزي"، والفنان المصري "كريم محسن" وغيرهم وكان الحوار دائماً "بالليبي" وتم بالفعل تسجيل 10 حلقات ماتزال في انتظار البث والعرض في أي قناة فضائية ليبية ولكن يبدو أن وجودي في العمل خلق تخوف من بث البرنامج على هذه القنوات باعتباري "مهَجر"، واستشهد هنا بأنه حدث في شهر رمضان وقامت قناة ليبيا الوطنية "وريثة قناة الجماهيرية " ببث حلقة قديمة من الكمرا الخفية فقامت الدنيا ولم تقعد في إدارة القناة لا لشيء إلا لوجود أشرف الشريف في البرنامج في الوقت الذي ينادون فيه بحرية الإعلام.

وكانت لنا تجربة في نفس سياق الكمرا الخفية في برنامج "مشيها" جمعني مع الزميلة "وديان" قدمنا خلاله 15 حلقة في شهر رمضان لصالح قناة الوادي، وحسب شهادة العديد من المتابعين أن البرنامج كان ناجحا في شد المشاهد، وأنا أعتقد أن نجاح البرنامج ليس لتميزنا فيه فقط بل لأننا قدمنا فيه ما يحتاجه المتلقي، وللأسف هذا البرنامج أيضاً لم يسلم من المحاربة في ليبيا حيث اتهمونا باستغلال مشاهد الحلقة الأخيرة في تحديد مواقع تفجيرات وما شابه، وكان لي بعدها لقاء مع "البي بي سي" الأنجليزية داخل الأستوديو لكشف الحقيقة و إثبات هزلية هكذا اتهامات، وأنا استغرب أن يستكثر على المشاهد حتى برامج كوميدية، ولا أعرف من يقف وراء مثل هذه المواقف الغريبة التي لا اعتقد أنها تأتي في إطار المنافسة.

ونحن كفنانين على الرغم من اختلافاتنا وتوجهاتنا السياسية يجب أن نضع مصلحة الوطن والمشاهد في أولى اعتباراتنا لأنه محتاج لنا أكثر من أي وقت مضى، ومن هنا أدعوا كل الزملاء التجهيز لإنجاز أعمال تخدم المواطن، خاصة وهو الآن في حاجة أكثر من أي وقت لبرامج تعالج ما مر به الوطن، في الوقت الذي نجد فيه أناس ليس لهم علاقة لا من بعيد ولا من قريب بالإعلام يتسيدون المشهد ويستخدمون مصطلحات سوقية لا ترتقي لمستوى الذوق العام في الشارع مابالك بالمنابر التي تقود الرأي العام للشعوب، ونحن في السابق كانت تحذف من برامجنا مشاهد كاملة بسبب بعض المصطلحات أو الشعارات الأجنبية على الملابس.

 35 يوم من الاعتقال كنت في حاجة لها

أما عن تجربته في الاعتقال يقول: باعتباري إلى جانب عملي الفني كنت منخرط في العمل الشعبي في "المؤتمر الشعبي الأساسي شهداء المنشية" كمصعد في قطاع العدل والأمن العام وبعد بداية الأحداث في فبراير لم أنضم لأني لم اقتنع بما يجري خاصة وأن البداية كانت مبنية على أكاذيب سوقتها قناة الجزيرة القطرية بادعاء أن سلاح الجو الليبي يقصف في أحياء في طرابلس فذهبت للإذاعة واصطحبت مصور وخرجنا للأحياء التي قيل انها تعرضت للقصف ونقلنا الحقيقة كما هي، وهذا ليس من باب تلميع النظام بل من أجل إظهار الحقيقة وكشف المؤامرة والآن الناس أصبحت تقف على كل ما كنا نحذر منه منذ البداية.

ونظراً لهذا الدور أصبحت مطلوب بعد سقوط طرابلس في رمضان 2011 وبالفعل تم اعتقالي يوم 3/9 وتم نقلي لمدرسة في "فشلوم" كانت تستخدم كمعسكر وللأمانة التاريخية عوملت معاملة حسنة وبعدها تم تحويلي إلى قاعدة معيتيقه لأبقى رهن الاعتقال لمدة35 يوم شاهدت خلالها حالات الظلم وبعض الناس المتسامحة في المعتقل واعتقد أنني كنت في حاجة لهذه التجربة لأقف بنفسي على ما يقال عن حالات الاعتقال، وأذكر جيداً عندما استقبلني مجموعة من شباب المنطقة الشرقية في أول يوم رحبوا بي بشكل جيد.

صورة القذافي جلبت لي الاحترام

 وهنا سأقص لأول مرة موقف حدث معي في ذلك اليوم عندما تقدم مني أحد شباب مدينة بنغازي وطلب مني هاتفي المحمول للتفتيش وأذكر أنه كان مؤدب فطلب مني حذف أي صور عائلية خاصة فقمت بمسح بعض الصور وأذكر أني وجدت صورة "للقائد" (معمر القذافي) فلم أقم بمسحها فاستغرب لماذا لم أحذفها فقلت له بكل صراحة أنني أحبه، فما كان منه إلا أن أعاد لي المحمول دون أن يقوم هو بحذفها احتراماً لي وأنا لن أنسى مثل هذه المواقف النبيلة، ولن أنسى كذلك مواقف سلبية من بعض الذين كانوا يساومون المعتقلين من أجل الإفراج عنهم، وبعد أن أفرج عني يوم 8/10 بمجرد وصولي للبيت قدمت إلي مجموعة مسلحة أخرى من أجل اعتقالي والتحقيق من جديد، وبعدها مباشرة قررت الخروج من البلاد بالانتقال لتونس ومنها إلى مصر التي أعيش فيها الآن كأي مواطن ليبي مهجر والحمد لله أعيش بهناء ورضى عن نفسي لأنني وقفت الموقف الصحيح من الوطن والتاريخ خاصة أني لم أتسبب في أذى لأي إنسان، وإذا ما كان أحد أحس بأي إساءة مني أطلب منه الصفح والسماح، وعلى ذكر مصر التي أعتبرها الأخت الكبيرة لكل الدول العربية فاستغرب موجة العنف ضد الأجانب بشكل عام والمصريين بشكل خاص في ليبيا لأن هذا السلوك غريب على شعبنا الطيب والمضياف وكنا طوال عمرنا نرحب باشقائنا من كل الدول العربية والأفريقية، وأخوتنا المصريين على وعي بأن ما يحدث هناك مجرد أعمال مغرضة لخلق الفتن بين الشعبين الشقيقين، وهنا أدعوا أهلنا في ليبيا للوقوف ضد هذه التصرفات التي تسيء لسمعتنا وتاريخنا المشرف، وتبقى مصر امتداد طبيعي لليبيا وعمق استراتيجي لا يمكن تجاهله، واستغرب أكثر اتساع الاختلافات الداخلية بين الليبيين انفسهم بين المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية بشكل غير مسبوق حيث كانت اختلافاتنا لا تتجاوز اختلافات منافسات كرة القدم، واليوم بخلاف المكابرين أصبحت الأمور مكشوفة وعلينا مراجعة انفسنا ونبذ الخلافات جانباً و الاصطفاف في صف الوطن.

رسائل قصيرة:

  • أهم رسالة أبعث بها لوالدتي العزيزة وهي تعاني جراء الضغوطات وبعض الأمراض أطلب منها السماح، وأقول لها كل سنة و أنت بخير بمناسبة عيد الأم، وأدعوا الله لها بالشفاء العاجل.

  • الرسالة الثانية أوجهها لكل أخوتي الليبيين بمختلف اتجاهاتهم وأدعوا لهم بالهداية، ونتضرع لله لرفع هذه الغمة التي حلت بالبلاد.

  • الرسالة الثالثة للإعلاميين أقول لهم فيها أن الشعب الليبي اليوم في أشد الحاجة لوقوفكم يد واحدة بعيداً عن الأجندات والاتجاهات الضيقة ووضع مصلحة الوطن بوصلة لتصحيح اتجاهاتهم.

  • الرسالة الأخيرة أتقدم بها لكل من أخطأ في حقي وأقول لهم "مسامح"، وأطلب العفو والصفح من كل من أخطأت في حقه.

وفي الختام اتمنى من الله العلي القدير أن يحقق أمانينا في العيش في وطن عزيز وحياة كريمة يسودها الود والمحبة والتسامح بين الجميع.