ما إن أعلنت السلطات الموريتانية عن مشروع لإنشاء مدينة ساحلية جديدة حتى ثارت تساؤلات حول جدوى هذا المشروع ومستقبله في ظل تزايد مخاوف الموريتانيين من زحف مياه المحيط الأطلسي، التي باتت تغزو الكثير من مساحات اليابسة، وتهدد العاصمة نواكشوط.
ورغم هذه المخاوف، يقول مراقبون إن إنشاء مدينة شاطئية قد يتيح آفاقا وفرصا اقتصادية متعددة بفضل العوامل المرتبطة بحركة الميناء الجديد المقرر تشيده في هذه المدينة، وروافد نشاط الصيد البحري.
فقبل أيام أعلنت السلطات عن إنشاء مدينة جديدة محاذية لميناء “تانيت”، شمالي نواكشوط (يسكنها ربع سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 3.5 مليون نسمة)، الذي تجري فيه أعمال تشييد حاليا، ويبعد عن العاصمة حوالي 60 كلم شمالا، وذلك بهدف خلق حيوية اقتصادية وديمغرافية للميناء الجديد.
وسيحتوي الميناء الجديد على محطة لتحلية المياه ومحطة لتوليد الكهرباء وسوق لبيع الأسماك، وتبلغ تكلفته حوالي 50 مليون دولار أمريكي من ميزانية الحكومة الموريتانية، بحسب صحف محلية.
وقلل حماه الله جاختي، وهو خبير في الهندسة المدنية بمصلحة المخططات في وزارة الإسكان، من مخاطر مياه المحيط الأطلسي على المدينة المزمع إنشائها، قائلا لوكالة الأناضول، إن “اختيار المدينة الجديدة تم وفق شروط تحترم المواصفات العمرانية والفنية المطلوبة”.
وأضاف جاختي: “يجري العمل على وضع المخطط العمراني للمدينة الجديدة لتكون خالية من العشوائيات.. نسبة الملوحة في تربة المدينة منخفضة جدا قياسا بالمناطق الشاطئية الأخرى، وهو الشيء الذي يجعل فرص السكن والإقامة بها مستقبلا أكثر جاذبة”، وفق مراسل الأناضول.
جاختي مضى قائلا إن “فلسفة الحكومة من إنشاء مدينة شاطئية جديدة هو تخفيف الضغط السكاني على العاصمة نواكشوط وخلق فرص تجارية وفرص عمل للشباب العاطل، وقد يأخذ النمو السكاني لمشروع المدينة الجديدة قد يأخذ وقتا بسبب العقدة المتزايدة للموريتانيين من مخاطر الشواطئ”، حسب تعبيره.
وفي السنوات الأخيرة، أفادت أبحاث دولية حول البيئية في موريتانيا بأن نواكشوط باتت “هشّة” أمام التغيّرات المناخيّة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وانخفاض موقع المدينة وتقلّص الحاجز الرملي الذي يفصلها عن المحيط.
واعتبرت هذه الأبحاث أن عوامل التعرية الناجمة عن الاستغلال المفرط للرمال في أعمال البناء والإنشاءات يمثل أحد أهم العوامل المساهمة في التدهور البيئي للعاصمة.
لكن محمد ولد الطالب أعمر، مدير مؤسسة “إنماء للأعمار”، قال إن “اختيار موقع المدينة الجديدة يؤكد استمرار الأنظمة الموريتانية في انتهاج السياسيات الارتجالية في مجال العمران والتخطيط المتصل باختيار المدن”، وفق مراسل الأناضول.
وتابع أعمر، الذي تعمل مؤسسته الخاصة في مجال الأشغال العمومية، أن “كل الدراسات والبحوث في السنوات الأخيرة في المجال البيئي خلصت إلى أن الشواطئ الموريتانية قد تصبح يوما خطرا على ساكنيها”.
ومضى قائلا، في حديث مع وكالة الأناضول، إن “النظام الحالي ينتهج سياسية توسع للعاصمة نواكشوط في اتجاه المناطق الشمالية من العاصمة، مثل إنشاء مطار جديد وجامعة جديدة في ذات الاتجاه، رغم أن الدراسات الحديثة تفيد بأن هذه المناطق مهددة بالغرق في العقود المقبلة بسبب ارتفاع مد المحيط الأطلسي”.
ولا يتوقع ولد الطالب أعمر أن “تشهد المدينة المزمع إنشائها نموا في الأعوام القادمة، فالمنطقة تفتقد أصلا متطلبات التنمية، وتجارب النظام الحالي مع إنشاء المدن والأحياء السكينة غير مشجع″، على حد تقديره.
وختم بأن “السلطات العاجزة عن توفير المحفزات الضرورية للسكن، مثل النبي التحية والماء والكهرباء في الأحياء الجديدة بالعاصمة نواكشوط، لن يكون بمقدورها تلبية الاحتياجات نفسها بالنسبة لمشروع المدينة الجديدة”.