تعتبر موريتانيا من الدول التي يرتفع فيها معدل زواج الأطفال، وتذكي هذه النسبة العديد من المعتقدات والأعراف الاجتماعية والثقافية والدينية والتقليدية، فضلا عن الممارسات التي تفرضها الحاجة الاقتصادية للأسر الموريتانية.

أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية والأسرة الموريتانية الأمينة بنت أمم أن بلادها قررت بشكل رسمي وضع حد لظاهرة زواج القاصرات.

وأوضحت خلال إطلاق “حملة الاتحاد الأفريقي لمحاربة زواج الأطفال” أن هناك إجراءات اتخذت للتصدي للظاهرة المتجذرة في البلاد، خاصة في الوسط الريفي، بفعل تعدد العادات والتقاليد المغذية لها على المستويين الديني والثقافي.

وتعتبر موريتانيا من بين الدول الأفريقية العشر الأولى التي ستنطلق فيها الحملة والهادفة إلى تحديد الآثار الاجتماعية والاقتصادية لزواج الأطفال والحد من الظاهرة بشكل عام.

وكشفت إحصاءات رسمية أنه في عام 2011 تم تزويج 37 بالمئة من الفتيات الموريتانيات قبل بلوغهن سن 18 سنة، و 15 بالمئة من الفتيات قبل 15 سنة، وترتفع النسبة في الوسط الريفي حيث أن 17 بالمئة من الفتيات تزوجن قبل سنة 15 سنة، وحوالي 41 بالمئة تزوجن قبل 18 سنة.

ونبهت الوزيرة إلى أن المؤشرات تفيد بأن نسبة زواج الفتيات الصغيرات ترافقه نسب مرتفعة للحمل المبكر، المرتبط حتما بمضاعفات خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة مثل الإجهاض والنواسير الولادية حيث أن نسبة 23 بالمئة من الحمل المبكر صاحبتها مضاعفات خطيرة. وقامت وزيرة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة بجولة ببعض المحافظات أطلقت خلالها حملة للاتحاد الأفريقي لمحاربة زواج الأطفال.

وأكدت على أن حماية الطفولة ورفاهيتها تعتبران رافدا أساسيا ومنطلقا قويا للعملية التنموية برمتها، ذلك أن بناء الطفل وتنشئته تنشئة سليمة هو الشرط الضروري للتنمية البشرية والمجتمع المنسجم. وأشارت بنت أمم إلى أنه على الصعيد العالمي يجري تزويج واحدة من كل ثلاث فتيات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل قبل سن 18 عاما وواحدة من كل تسع منهن قبل بلوغ سن 15 عاما، وبينت أن التقديرات تشير إلى أن أفريقيا تأوي 30 من أصل 41 دولة تنتشر فيها ممارسة تزويج صغار الفتيات بمعدل 30 بالمئة أو أكثر، وتعتبر هذه الممارسة أشد حدة في غرب أفريقيا، حيث يتم تزويج إثنتين من أصل خمس فتيات قبل سن 18 عاما وواحدة من أصل ست بنات لدى بلوغ سن 15 عاما.

وشرعت الحكومة الموريتانية في تشكيل لجنة من مختلف القطاعات بهدف تنظيم ورشات تكوينية وأخرى للتوعية في مختلف المحافظات لصالح رجال الدين ومنظمات المجتمع المدني والآباء لشرح المخاطر الصحية والتنموية المترتبة على تزويج الأطفال.

ومن جانبه أكد عبدالله جاكيتي رئيس اللجنة الحكومية المعنية بمكافحة ظاهرة زواج الأطفال لـقناةDW الناطقة بالعربية أنه ” بدلا من تحميل الطفل مسؤولية إعالة أسرة، ينبغي أن نرسله إلى المدرسة لتكوين شخص فاعل في التنمية”.

ووضح جاكيتي قائلا: ” قررنا اختيار شعار زواج الأطفال بدلا من كلمة الزواج المبكر لتفادي الدخول في التأويلات التي كثيرا ما تحيط بكلمة الزواج المبكر، كي لا يستغلها البعض لتبرير تزويج الفتيات في سن مبكرة، وقد نجحنا في احتواء تلك الاعتراضات”.

وترى الناشطة الحقوقية آمنة منت المختار رئيسة رابطة النساء معيلات الأسر، بأن النسبة الإجمالية لزواج القاصرات تتجاوز 32 بالمئة خلال أحدث الإحصائيات المتوفرة لدى منظمتها.

وأكدت أن آخر إحصائيات أجريت بين سبتمبر 2013 ونوفمبر 2014 توصلت إلى وجود 2140 حالة زواج قاصر في نواكشوط وحدها، وهو أمر مفهوم في ظل انتشار جريمة الاغتصاب دون عقاب ونحن كثيرا ما نستقبل فتيات بعمر ست سنوات هربن من الزواج القسري، على حسب تعبيرها.

وطالبت نائبة رئيس برلمان الأطفال في محافظة البراكنة السلطات بالمضي قدما في تعزيز وصيانة حقوق الأطفال باعتبارها أمانة في أعناق الجميع. وذكرت “مجلة الأمم المتحدة في موريتانيا” التي تصدرها مكاتب وكالات الأمم المتحدة الموجودة في نواكشوط، أن العنف الجنسي ضد النساء يعد دائما موضوعا محظورا في موريتانيا و أضافت المجلة “أن هذا السبب يجعل من الصعب جمع معلومات أكيدة و تحديد مدى تفشي هذه الظاهرة”.

ويذكر أن لجنة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت مشروع قرار يدين تزويج القاصرات، ويضع لأول مرة خطوطا عريضة لخطوات محددة لمعالجة هذه القضية التي تتضرر منها 15 مليون فتاة كل عام حول العالم، وجاء مشروع القرار بعد أن اعتبرت الأمم المتحدة العام الماضي لأول مرة أن تزويج القاصرات والزواج القسري يمثلان انتهاكا لحقوق الإنسان، وقولها إن إنهاء هذه الممارسة لابد أن يكون واحدا من الأهداف المعلنة لأجندة التنمية لما بعد 2015.

ونبه مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالتعليم العالمي ورئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون في وقت سابق إلى ظاهرة زواج القاصرات في موريتانيا التي تفرض الأعراف والتقاليد فيها تزويج الفتيات في سن مبكرة خوفا من تورطهن في علاقات غير شرعية.

ولفت المسؤول الأممي في مقال نشره عن انتشار الظاهرة في العالم إلى أن أسرا أخرى تلجأ إلى تزويج بناتها بسبب الفقر، وهو ما يعد نوعا من الاتجار بالبشر إذ يتم بيع القاصرة لرجل يكبرها بعشرات السنين مقابل مبلغ مادي زهيد.

وشدد براون على أن التيارات السلفية والإسلامية في موريتانيا تسهم في الترويج لفكرة تزويج البنت القاصر، دون النظر إلى التداعيات الصحية والعقلية والاجتماعية التي تنجم عن مثل هذه الزيجات التي غالبا ما تنتهي بالطلاق، والتي بلغت نسبته في موريتانيا 72 بالمئة.

وفي سياق آخر نظمت رابطة القابلات الموريتانيات بنواكشوط حملة وطنية للتحسيس بالممارسات الضارة بالمرأة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.

وقالت رئيسة رابطة القابلات الموريتانيات فاطمة بنت مولاي أن معدل مؤشر ارتفاع وفيات الأمهات حديثات الولادة سجل ارتفاعا ملحوظا حسب آخر إحصاء وطني. وأكدت على أن العمل على القضاء على كافة أشكال الممارسات الضارة بصحة الأم والطفل واجب الجميع باعتبارها ممارسات خطيرة تؤدي في كثير من الأحيان إلى وفاة الأم أو الطفل أو الإثنين.

كما أكد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان حسن با على دعم ومساندة الصندوق لكافة الجهود المبذولة من أجل القضاء على مختلف الممارسات السيئة والضارة ضد النساء والأطفال.

*نقلا عن العرب اللندنية