ساعات قليلة تفصل التونسيين عن معرفة هوية رئيسهم القادم الذي سيكون أحد إثنين : الرئيس المؤقت المتخلي المنصف المرزوقي أو الباجي قائد السبسي زعيم حركة نداء تونس الذي يمتلك الأسبقية من حيث نسبة الأصوات الحاصل عليها في الدور الأول للإنتخابات الرئاسية
ويبدو الصراع اليوم واضحا بين طرفي نقيض بما يؤكد حالة الإنقسام التي بات عليها المجتمع التونسي منذ أربعة أعوام تلت الأطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ، فالسبسي يقدم نفسه على أنه مرشح القوى المدنية والديمقراطية والحداثية المدافعة عن هيبة وإستمرارية الدولة وطبيعة النموذج المجتمعي بخصوصياته المحلية المتوارثة وعن المصالحة الوطنية وضمان التوازن في العلاقات الخارجية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة والصديقة إضافة الى حماية الإرث الإصلاحي ،وإعتماد الوسطية في الخطاب الديني ، والسعي الى تشكيل تحالف إقليمي مدعوم دوليا لمكافحة الإرهاب ، إضافة الى الى التهد بالكشف عن المتورطين في جرائم الإغتيال التي إستهدفت قيادات سياسية وأمنية وعسكرية خلال الاعوام الثلاثة الماضية .

أما المرزوقي فيرفع شعار إستمرارية الثورة وتحقيق أهدافها وقطع الطريق أمام عودة المنظومة القديمة وبناء علاقات خارجية على أساس المباديء الثورية لا المصالح ،وضمان الحريات العامة والخاصة لجميع القوى السياسية بإختلاف مشاربها ومرجعياتها، ومواصلة العمل من أجل توسيع دائرة الربيع العربي ومواجهة مخاطرالإرهاب دون التضييق على الإسلام السياسي الذي يمارس العنف
ويتعرض الباجي قائد السبسي الى إنتقادات من قبل معارضيه الذين يتهمون حركة نداء تونس بالتطبيع المباشر مع رموز النظام السابق ويتحدثون عن تورط السبسي في العمل الحكومي خلال عهدي بورقيبة وبن علي إضافة الى أن تقدمه في السن (87 عاما ) قد يمنعه من أداء مهمته على أفضل وجه . بينما يتعرض المرزوقي الى إنتقادات بسبب علاقاته مع قوى الإسلام السياسي وإساءته لعلاقات تونس الخارجية مع عدد من الدول العربية وفشله في إدارة شؤون الدولة خلال فترة حكم الترويكا مما تسبب في إتساع دائرة الارهاب والإغتيالات والعنف السياسي إضافة الى تردي الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية . كما يؤاخذون المرزوقي على إستقباله أثناء مدة رئاسته لمتشددين إسلاميين وقيادات من روابط حماية الثورة.

دعم وإسناد
وتعرف جولة الإعادة لرئاسيات تونس اليوم إنقساما سياسيا واضحا حيث تقف أغلب الأحزاب الديمقراطية والحداثية والليبيرالية الى جانب قائد السبسي . ومن ذلك حزب الإتحاد الوطني الحر (16مقعدا في البرلمان ) وحزب آفاق تونس ( 8 مقاعد ) إضافة الى أحزاب أخرى ذات مرجعيات دستورية أو منحدرة من صلب حزب التجمع الدستوري الديمقراطي مثل حزب المبادرة والحركة الدستورية والدستوريون الأحرار والحزب الحر الدستوري ، إضافة الى حزب الحركة الوطنية ، وأحزاب يسارية منها حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي ( الشيوعي سابقا ) والحزب الاشتراكي وعدد من الأحزاب القومية والعروبية وعشرات من منظمات المجتمع المدني وعدد من الشخصيات الوطنية المستقلة إضافة دعم غير مباشر من تحالف الجبهة الشعبية اليساري ( 15 مقعدا بالبرلمان ) الذي دعا أنصاره الى قطع الطريق أمام المرزوقي وعدم التصويت له مقابل إعطائهم حرية التصويت لقائد السبسي أو الإكتفاء بالورقة البيضاء
كما يحظى السبسي بدعم النسبة الأكبر من نخب المثقفين والرياضيين والمنظمات النقابية والجمعيات النسوية ورجال الأعمال والأكاديميين . ويجد مساندة أغلبية الناخبين بمناطق الساحل والشمال ذات الكثافة السكانية العالية
بالمقابل يحظى المنصف المرزوقي بدعم الإسلاميين وخاصة أنصار حركة النهضة ( 100 ألف منخرط الى جانب خزان إنتخابي يصل الى 800 أف صوت ) ومن أنصار حزب التحرير والجماعات السلفية التي ورغم عدم إعترافها بالعملية الديمقراطية والإنتخابات إلا أنها كسرت القاعدة وإتجهت لدعم المرزوقي ، يضاف الى ذلك بعض الأحزاب غير المؤثرة حاليا ومنها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه المرزوقي والأحزاب المنشقة عنه كالتيار الديمقراطي وحركة وفاء ونسبة من اليسار الراديكالي ومن أنصار الأحزاب المهزومة في الإنتخابات البرلمانية كالحزب الجمهوري والتمتل الديمقراطي للعمل والحريات والتحالف الديمقراطي
ويحظى المرزروقي بدعم مناطق الجنوب وبعض مناطق الوسط والأحياء الشعبية الواقعة تحت تأثيرات الجماعات الإسلامية .

الرئيس القادم والتحديات
يعتقد جل المراقبين والفاعلين السياسيين في تونس أن وصول الباجي قائد السبسي الى كرسي الرئاسة في قصر قرطاج سيعطي مجالا مهما للإستقرار السياسي خصوصا لإعتبارات عدة منها أن السبسي في هذه الحالة سيكون مدعوما بأغلبية برلمانية تتوفر لحركة نداء تونس والأحزاب المتحالفة معها ، وسيوفر حالة تناغم مع الحكومة التي سيشكلها حزبه ، كما أن وصول السبسي الى الرئاسة سيجعله حركة نداء تونس تتجه نحو البحث عن توافق سياسي عام من خلال تشكيل حكومة كفاءات مدعومة بأوسع توافق بين الأحزاب
أما في حالة إنتصار المرزوقي فإن البلاد ستعرف صعوبات عدة نتيجة الخلاف بينه وبين حركة نداء تونس ذات الأغلبية في البرلمان والتي ستقود العمل الحكومة ، حيث يستطيع المرزوقي في تلك الحالة معاكسة الحكومة ودخول مواجهات مفتوحة معها إعتمادا على مميزات يمنحها له الدستور مثل المبادرة التشريعية القادرة على قطع الطريق أمام مبادرات رئيس الحكومة وحق النقض ( الفيتو ) على القوانين والقرارات والدعوة الى الإستفتاء وحل البرلمان .