يقترب عدد الفقراء في تونس من ثلاثة ملايين شخص موزعين على مختلف المدن. هذا العدد الكبير تجد الدولة صعوبة في التعامل وضعياتهم والإجراءات المتخذة في شأنهم غالبا ما تكون قاصرة ولا تلبي لهم أبسط الشروط لحياة كريمة، خاصة في المناسبات الكبرى التي تكون في الاحتياجات مضاعفة، الأمر الذي يفرض على المنظمات الأهلية لعب دور مساعد للتخفيف من معاناة أولئك الفقراء عبر توفير مساعدات ظرفية تكون مجمّعة من التبرعات والصدقات التي يقدّمها القادرون.

في رمضان في تونس كما في كل العالم الإسلامي تزيد المصاريف وترتفع الأسعار، الأمر الذي يمثل ثقلا ماليا على الفقراء، ولذلك تنشط الجمعيات الإنسانية المحلية والوطنية للمساعدة سواء عبر تقديم الأموال أو عبر توفير احتياجات الشهر من مأكل ومشرب، لكن بالإضافة إلى ذلك تشتهر العديد من المدن في تونس بتوفير موائد إفطار مجانية للمحتاجين والعابرين.

موائد الإفطار أو ما يسميها الناس موائد الرحمة، تكون عبر نصب طاولات أو أفرشة في طرقات الأحياء وتقوم العائلات أو الجمعيات بإحضار الإفطار لأعداد من المحتاجين في مشهد يعبّر عن قيمة التكافل في الشهر الكريم، وتكون العملية في جو من الترحيب الخاص لكي لا يشعر المحتاج بالحرج، حيث يشارك المنظمون الحاضرين الإفطار بشكل لا يتم التفريق بين المتطوعين والفقير وهي عادة دأب عليها التونسيون منذ عشرات السنين في رمضان.

ربما يختلف الأمر هذا العام عن الأعوام التي سبقت بسبب الظروف التي فرضتها جائحة كورونا لكن في العموم لا تغيب عن المدن التونسية هذه العادة الحميدة، التي تساهم في تقديم صورة مميزة عن قيمة التضامن مع المحتاجين والتي يظهر فيها كرم القادرين وإدراكهم لقيمة الصدقة في هذا الشهر.

مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا، دأبت على تنظيم هذه العادة منذ سنوات طويلة. في بنقردان الأمر لا يقتصر على المحتاجين فقط، لأن هناك ثقافة خاصة لدى الناس أن جيران المحتاج لا يتركونه دون توفير احتياجاته في رمضان ومن الصعب أن يوجد أحد من سكان المدينة في مائدة عامة، لكن العملية تتم لفائدة العاملين في بنقردان من المدن الأخرى أو الليبيين العابرين الذين يداهمهم وقت الإفطار إما داخلين تونس أو خارجين منها.

المشهد يكون بنصب طاولات في مدخل المدينة من الجانب الليبي، حيث تجتهد الجمعيات المحلية في توفير عشرات الموائد اليومية المكشوفة، ويتم استدعاء كل المحتاجين لها في السابق عبر الدعوات في المساجد وفي السنوات الأخير عبر الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن المتطوعين يقفون في الطرقات ويوقفون السيارات التي تمر في وقت الإفطار ويتم إجبار الجميع على النزول لأنهم يعتبرون ذلك واجبهم تجاه كل مضطر.

منطقة الكبّارية بالعاصمة تعتبر من بين المناطق التي دأبت على هذه العادة منذ سنوات. الأمر مفهوم لأنها منطقة تنتشر فيها مظاهر الفقر وذات كثافة سكّانية كبيرة، ويعتبر أحد شوارعها مميزا يأتيه الفقراء والطلبة الأفارقة جنوب الصحراء الذي يعيشون في تونس بمداخيل محدودة. وما يميّز الكبّارية أن أحد مطاعمها كسب شهرة بين الناس من خلال تطوعه لتوفير موائد مجانية في رمضان في السنوات الأولى كان لعدد محدود من الناس لكن بفضل تبرعات أضافها أهل الخير تضاعفت أعداد الموائد لتنجح في إفطار حوالي 500 شخص يوميا.

في بقية المدن الأمر مشابه، الاختلاف فقط أن المدن الكبرى يمكن أن يحضر بعض متساكنيها الفقراء على الموائد، بالإضافة إلى الأجانب المقيمين من الطلبة أو من العاملين في القطاعات الهشّة. وفي الكثير من المرات تتطوع المطاعم لتوفير هذه الوجبات وتكون العملية إما مجانية من صاحب المطعم أو بمبالغ رمزية لتوفير مصاريف العاملين في فيها الذين يكونون بدورهم من العائلات محدودة الدخل.

كما أن هناك ميزة في هذه الموائد أنها لا تكتفي بتقديم وجبة إفطار بكل مكوناتها للفقراء، بل إنها توفّر لهم أيضا وجبة السحور لليوم الموالي الأمر الذي يخفف على الألاف ثقل مصاريف الشهر، والأمر الملفت الآخر أن الفقراء أنفسهم يوفرون مساعدات مما أكرم الله عليهم خلال اليوم.