عرضت في مهرجان كان 2016 أفلام تتناول مواضيع حساسة كالجنس والموت والمرض عبر لوحات اجتماعية وقصص عائلية، أبرزها "فقط نهاية العالم" للكندي كزافييه دولان، و"سييرا نيفادا" للروماني كريستي بويو، و"الخادمة" للكوري الجنوبي بارك شان ووك.

بعد أن خيبت أفلام طال ترقبها جمهور كان، أبرزها أعمال مخرجين سبق وأن سحروا الكروازيت في دورات ماضية على غرار بيدرو ألمودوفار وأوليفيه آساياس والأخوان داردين.. اتجهت الأنظار نحو عبقري السينما الكندية كزافييه دولان (27 عاما) الذي أحرز رغم صغر سنه جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان العام 2014 عن فيلم "أمي" وكان في العام 2015 عضوا في لجنة تحكيم المسابقة الرسمية.

لكن الفيلم الأخير "فقط نهاية العالم" لم يكن بدوره في المستوى الذي عودنا عليه الشاب النابغة. استلهم دولان شريطه من مسرحية تحمل نفس العنوان كتبها جان لوك لاغارس عام 1990 بعد أن علم أنه مصاب بالإيدز. فيروي الفيلم قصة كاتب مشهور ومثلي الجنس يعود إلى عائلته بعد غياب دام أكثر من عشر سنوات ليخبرهم بأن أيامه صارت معدودة بسبب مرض خبيث. لكن دولان أغرق رسالة الوداع في جو قاتم وثقيل لا يطاق، لم تنفع الذكريات في بيت الطفولة ولا الموسيقى الصاخبة في تبديده.

رغم كاستيغ "ملكي" مكون من نجوم السينما الفرنسية ماريون كوتيار وفانسان كاسيل وغاسبار أوليال وليا سيدو وناتالي باي، بقينا قرابة ساعتين نترقب اللحظة التي ستنفجر فيها التوترات بين مختلف أفراد العائلة ... فلا شيء يحدث. نلمس جيدا كم المسكوت عنه داخل أسرة يسعى كل واحد فيها إلى انتزاع مكانته مع هيمنة عنيفة للأخ الأكبر أنطوان، ونشعر في كل مرة أن أحدهم فهم اقتراب أجل لوي لكن الشكوك تظل معلقة ولا يصارح الكاتب أحدا بالحقيقة.

أكد كزافييه من جهته خلال المؤتمر الصحفي بعد عرض "فقط نهاية العالم" أنه "ليس قلقا" من الانتقادات التي وجهت للفيلم وأنه ربما مع الوقت سيفهمه الناس ويتقبلونه بشكل أفضل واعتبر أنه "أحسن فيلم يخرجه". وإن كان طموح دولان رسم عالم داخلي لكاتب معذب، وعبره مجاز حول الوحدة واليأس، فإن رائعة المخرج الراحل باتريس شيرو "الرجل المجروح" (1983) والمقتبسة عن رواية الكاتب إيرفيه غيبار الذي توفي بمرض الإيدز ستبقى في تاريخ السينما كقطعة فريدة يصعب محاكاتها.

"بارانويا" رومانية

وحتى لا يرجع بنا الزمن إلى ثمانينات القرن الماضي، فلنقل بأن المخرج الروماني كريستي بويو "سييرا نيفادا" كان أبرع من دولان في رصد التوترات العائلية. يجتمع أفراد أسرة بعد وفاة أحدهم، فننتظر معهم قرابة ثلاث ساعات موعد غذاء لن ينعقد. فالقس الذي كان عليه أن يبارك الطعام لم يحضر. وفي الانتظار دار الحديث حول مختلف المواضيع من الكرنب الملفوف إلى اعتداءات 11 سبتمبر ومن سينما والت ديزني إلى نظريات المؤامرة مرورا بالموروث الشيوعي والخيانات الزوجية. وكانت هذه "الخلية" العائلية (وكأنها سجن) بأحداثها الحميمية وحكاياتها الصغيرة صورة عن المجتمع الروماني وعلاقته المشوبة "بالبارانويا"  سواء مع الدين أو التاريخ أو السياسة.

ويقول بويو الذي صور وكأن الكاميرا في مكان شخص مجهول يشارك في الاجتماع العائلي، أنها نظرة الغائب و"نظرة الميت"، وأشار إلى التقاليد الأرثوذكسية في رومانيا والمعتقدات حول بقاء الأرواح معلقة 40 يوما بعد الوفاة. وبهذا التلاعب بالسجل الروحي والسينمائي والروائي خلق بويو ثورة بصرية.

فرغم أن كريستي بويو يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان للمرة الأولى فقد سرق الأضواء من مواطنه كريستيان مونجيو الذي فاز بالسعفة الذهبية عام 2007 وعاد إلى السباق في هذه الدورة بفيلم "باكالوريا. ويروي "باكالوريا" تخلي أب عن كل القيم التي لقنها لابنته من أجل حلم، وهو أن يراها تدرس في جامعة إنكليزية.

من المثلية الجنسية في كوريا إلى الاختلاط العرقي في أمريكا

أما بالنسبة لحكايات المثلية الجنسية فصاغ منها بارك شان ووك، وهو أحد صانعي نهضة السينما في كوريا الجنوبية، حبكة روائية قوية وإخراجا متميزا. وكان شان ووك قد فاز بالجائزة الكبرى لمهرجان كان عام 2004. في فيلمه الجديد "الخادمة" الذي ينافس على السعفة الذهبية في هذه الدورة تدور أطوار علاقات جنسية بين مثلتي الجنس في كوريا الجنوبية بثلاثينات القرن العشرين خلال فترة الاحتلال الياباني. فتعمل الخادمة سوكي عند هيداكو اليابانية الغنية التي تعيش في قصر معزولة عن العالم وتحت مراقبة عمها المستبد. ويقول شان ووك "إنه فيلم إثارة ودراما مليئة بالتقلبات المفاجئة ...وفوق كل شيء هي قصة حب". وشدت قصة الحب الفريدة هذه رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2016 جورج ميلر إلى حد أنه مكث في القاعة خلال العرض حتى نهاية الجينيريك.

الحب والخوف كانت أيضا المكونات الأساسية لفيلم "لوفينغ" للأمريكي جيف نيكولس، لكن في حلة كلاسيكية لسينما السيرة. ففي 1958 بجنوب الولايات المتحدة كان الزواج المختلط محظورا ولم يكن ريتشارد وميلدراد لوفينغ يكترثان لذلك. جمعهما الحب هو الأبيض البشرة وهي السوداء فتزوجا في واشنطن، وعند عودتهما إلى الجنوب أوقفتهما الشرطة واعتقلا لمدة سنة مع وقف التنفيذ مع النفي 25 عاما من ولاية فيرجينيا. والقصة مستلهمة من الواقع، فبعد تسع سنوات عن تلك الحادثة اعتبرت المحكمة العليا للولايات المتحدة عبر مذكرة "لوفينغ ضد ولاية فيرجينيا" أن كل القوانين التي تمنع الاختلاط العرقي غير دستورية. هكذا فاز الحب على الأحكام الجائرة، فمن يفوز بقلب لجنة التحكيم ويحصد السعفة الذهبية في النسخة 69 لمهرجان كان؟

ـــــــــــــــــــ
نقلا عن موقع افرانس 24