يعيش شعب "السينجور" في غابة "أمبوبت" الشامخة بوادي متصدع في غرب كينيا على مدى قرون، ويتمسكون إلى الآن بالممارسات الثقافية المتوارثة أبا عن جد في غابات كانت آمنة ويبدوا أنها لن تكون كذلك رغم أن الدستور الكيني والقانون الدولي يحمي حقهم في العيش بأرض أجدادهم. فسكان المحليون واللذين يصل عددهم إلى قرابة 15 ألف ساكن يعانون من مضايقات شرطة الغابات الكينية في عمليات ترحيل قسري يستعمل فيها حرق أجزاء من الغابة أحيانا، وهي الحملة التي تباشرها هذه هيئة الغابات الحكومية بإعزاز من البنك الدولي الذي يأخذ من واشنطن مقرا رئيسيا له ويباشر مشارعه العالمية بملايير الدولارات كاستثمارات قد لا تأخذ في عين الحسبان أحيان الحياة بمناطق معينة وبأعرافها وأحقية امتلاكها منذ عدة قرون.

ورغم أن سكان المنطقة تحصلوا على أمر المحكمة العليا الكينية بوقف عمليات الإخلاء، لكن الحكومة تجاهلت الأمر متذرعة أن عليها إخلاء الغابة كي تحمي ينابيع المياه المتجهة للبلدات المجاورة. و يخشى الآن شعب "السينجور" أن الحكومة ستبيد الغابة بهدف إقامة مشاريع ربحية تشترك فيها مع البنك الدولي. وكان رجال من شرطة الغابات الكينية مدججين بالسلاح قد قاموا بحرق ألف منزل في محاولة  لإجبار السكان الأصليين على المغادرة، ووفقا لتقارير الأنباء تم حشد هذه القوات في منطقة الغابات تأهبا لعمليات الإخلاء التي أمرت بها الحكومة سعيا لتحقيق أهداف الحفاظ على الغابات والمياه كما تقول. و منذ السبعينات قامت السلطات الكينية بجهود متكررة لطردهم بالقوة من الغابة وإعادة توطينهم في مناطق أخرى.

و حث "جيمس أنايا" -خبير الأمم المتحدة المستقل و المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الشعوب الأصلية- حكومة كينيا "على ضمان احترام حقوق الإنسان للسكان الأصليين المعروفين باسم السينجور احتراما كاملا، تماشيا مع المعايير الدولية التي تحمي حقوق الشعوب الأصلية".وأعرب عن قلقه العميق إزاء تقارير تفيد بأن الشرطة تستعد لطرد السكان الأصليين قسرا من منازلهم في غابة "أمبوبت"، مضيفا "لا يجوز إعادة التوطين إلى مكان جديد دون الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة للشعوب الأصلية المعنية، وبعد الاتفاق على تعويض منصف وعادل، وحيثما أمكن، على خيار العودة".

جمعيات حقوقية تنشط لإنقاذ "السينجور"

وتقوم جمعيات محلية و نشطاء حقوقيون بالتعاون مع هيئات غير حكومية دولية وإقليمية بجمع توقيعات من خلال نشرة القضية عبر وسائط الاتصال الإفتراصية عبر مواقع التواصل بالانترنيت في محاولة للتحسيس وطرق أعلى أبواب المنظمة الأممية وكذا مسؤولي البنك العالمي والسلطات الأمريكية للعدول عن مشروح الترحيل. و يتزامن ذلك مع حلول موعد المنح هذا العام من قبل البنك العالمي الذي يتمتع بنفوذ هائل لدى الحكومة الكينية التي التزمت الصمت حتى الآن حول ممارسات الشرطة. وتعول حملة جمع التوقيعات للضغط على الحكومة المحلية أيضا لوضع حد للمسألة التي باتت تأرق سكان المنطقة.

و يمنح البنك الدولي ملايين الدولارات التي يجنيها من الضرائب لشرطة الغابات الكينية حتى يمكنه مباشرة مشاريعه بمنطقة هذا المجتمع العريق ولوا لزم الأمر إبادته اجتماعيا من خلال الطرد. و بمقابل ذلك قال "جيم يونغ كيم " رئيس البنك الدولي أنه يريد إصلاح سياسات البنك وقد دعا الحكومة الكينية لوقف الاستيلاء على الأراضي، وأن يلتزم بمعايير حقوق الإنسان في جميع منحه المستقبلية. و يقوم البنك حاليا بالتحقيق في فضيحة إخلاء "السينجور"  لكن العملية تسير ببطء شديد لن ينقذ إذا استمرت حملة السلطات الكينية سكان الغابة الأصليين. 

و لطالما ألقى البنك الدولي باللوم على العديد على الحكومات والشركات التي يمولها حين تجبر هذه المشاريع الشعوب على الخروج من أراضيها.في مشاريع كان يصفها بالرائعة وسرعان ما يتراجع عنها. فالبنك و بعد موجة احتجاج انسحب من مشاريع كادت أن تجبر ثلاثين ألف "كمبودي" على الخروج من منازلهم، كما اعترف أنه تجاهل سياسته عندما مول شركة "زيت نخيل" في "الهندوراس" متهمة بارتكاب عمليات إخلاء واغتيالات. 
كما قام الكونغرس الأمريكي مؤخرا بمطالبة البنك الدولي بوقف عمليات الإخلاء أو المخاطرة بخسارة الأموال التي تتبرع بها الولايات المتحدة للبنك، وحث المؤسسة على أخذ حقوق الإنسان على محمل الجد. وهي السانحة للمنظمات الحقوقية الدولية والمحلية لتعزيز محاولاتها لوقف الاستيلاء بالقوة على الأراضي في كينيا 

وتأمل الجمعيات المساندة لحقوق الإنسان أن تكون نهاية قضية "السينجور" كنهاية قضية شعب "الماساي" في تنزانيا بعدما أعلنت الحكومة هناك عن خططها لطرد آلاف العائلات من أراضيهم لبناء مجمع صيد، حين قام ما يقارب من مليوني عضو في جمعية "آفاز" الحقوقية بالوقوف مع مجتمع الماساي، ومارسوا  ضغوطا على مدى عام كامل إلى أن سمح رئيس الوزراء التنزاني للماساي بالبقاء في اراضيهم و أنهى معركة استمرت عشرين عاما.