تمتد ألسنة اللهب المتصاعدة من خزانات الوقود منذ أيام مهددة بقطع إمدادات الوقود نهائياً عن العاصمة الليبية طرابلس، ووقوع كارثة بيئية وإنسانية لفشل محاولات إخماد الحريق بسبب استمرار اندلاع المعارك بين كتائب مقاتلي الزنتان الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر قائد ما سمي بعملية «الكرامة»، وخصومهم من الإسلاميين ومقاتلي مصراته قرب مطار طرابلس الدولي، في وقت دخلت فيه البلاد في صراع متعدد الأبعاد محلياً وإقليمياً ودولياً. وبعد ثلاث سنوات من سيطرة المعارضة على طرابلس تبدو نبوءة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بالفوضى حين صرّح في 10 مارس 2011 قائلاً: «إذا نجحت (القاعدة) في الاستيلاء على ليبيا فإن المنطقة بأسرها، حتى إسرائيل، ستقع فريسة للفوضى»، فالفوضى اليوم تعم البلاد، ولم تتمكن الحكومة المركزية الهشة من فرض سيطرتها على مسلحي المليشيات الذين غدوا وكأنهم صناع القرار في البلاد. والمشكلة الأكبر في ليبيا تبدأ من فقدان الحدّ الأدنى للاستقرار واستحالة توقع الأحداث، فهل يمكن رسم خريطة طريق جديدة لليبيا تساعد على الخروج من دوامة الفوضى؟

منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011 أصبحت ليبيا ساحة لصراعات المليشيات المسلحة التي بسطت سيطرتها على مفاصل الدولة، حيث تنتشر المليشيات الجهوية والحزبية والدينية، ومليشيات مكونة من سجناء سابقين، وأخرى من جماعات النظام السابق، وتنتشر كذلك المافيات الدولية مثل الروسية والكولومبية والتنظيمات الإرهابية كجماعات «القاعدة» وأخواتها. وقد أعلنت جماعة «أنصار الشريعة» انضمامها إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف باسم «داعش»، وتم الإعلان الرسمي عن مبايعة الجماعة للتنظيم، والقسم بالولاء والطاعة لأمير تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي! كما أكدت الجماعة مبايعتها لتنظيم «القاعدة». بينما تحاول الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم «الإخوان المسلمين» استعادة سيطرتها بعد السقوط المدوي للجماعة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حيث تخشى تلك الأحزاب، بما فيها حزب «العدالة والبناء» التابع لـ«الإخوان المسلمين»، من فقدان سيطرتها على المجلس التشريعي، مما قد يؤدي إلى حل المليشيات التابعة لها، ولا يبدو أن نتائج الانتخابات النيابية الليبية ستفرز آلية حكم للبلاد.

وتحاول المليشيات الليبية المسلحة السيطرة على مفاصل الدولة، وهي تتنازع الأرض والنفوذ، وقد ترافق ذلك مع التدهور المتسارع في الأوضاع الأمنية في ليبيا وقد اتسعت دائرة الحرب المندلعة بين المليشيات العسكرية في طرابلس وبنغازي حيث سقط المعسكر الرئيسي للقوات الخاصة والصاعقة، أهم قاعدة عسكرية في بنغازي، في أيدي الثوار السابقين المسلحين والمنتمين لما يعرف بـ«مجلس شورى ثوار بنغازي»، وهو ائتلاف لمليشيات إسلامية و«جهادية»، فيما أعلنت جماعة «أنصار الشريعة في ليبيا» بنغازي «إمارة إسلامية»، كل ذلك فيما أصبح الوقود شحيحاً وتزايدت ساعات انقطاع الكهرباء ونهبت العديد من البنوك بأيدي جماعات مسلحة بصواريخ مضادة للدبابات قامت بنسف الخزائن الحصينة وسرقة ملايين الدنانير. كما نهبت إحدى المليشيات أيضاً مخازن الأدوية الرئيسة في طرابلس وأصبحت المستشفيات خالية من الأدوية، وانتشرت عمليات الاختطاف. والمضحك المبكي أن رئيس الوزراء عبدالله الثني لم يتمكن يوم الخميس الماضي من الذهاب من مطار معيتيقة ثاني أكبر مطار في طرابلس، للسفر إلى شرقي البلاد، بعد أن رفضت المليشيات التي تسيطر على المطار السماح له بالسفر.

وفي غياب قوات الأمن عمت الفوضى. ووسط هذا الكم الهائل من الفوضى سارعت الدول الغربية إلى إجلاء بعثاتها الدبلوماسية ورعاياها من ليبيا، فالولايات المتحدة قامت بإجلاء عدد من موظفيها في حماية طائرات حربية مقاتلة. وتباعاً أجلت البعثات الأجنبية بعثاتها الدبلوماسية ورعاياها من ليبيا. وتدفق الهاربون من نيران الاقتتال إلى دول الجوار، حيث هددت تونس بإغلاق الحدود إذا ما استمرت الحرب في ليبيا، فهل تخلى الغرب عن ليبيا بعد أن دعم سقوط القذافي؟ وهل فقد المجتمع الدولي الأمل في الحل الدبلوماسي للأزمة الليبية؟ والأهم من كل ذلك من يملك إطفاء الحرائق الليبية؟

 

- الاتحاد