ضمن كوكبة المتنافسين الجديين على بلوغ الدور الثاني لرئاسيات تونس، تبدو عبير موسي في موقع متقدم، وهو ما سبق أن أكدته نوايا التصويت المعلنة في استطلاعات الرأي التي نظمتها مؤسسات من داخل البلاد وخارجها، وأثار انزعاج أغلب القوى السياسية التي ترى في المرأة الحديدية كما يصفها أنصارها، طائرا يغرد خارج السرب.

فعبير موسي لا تعترف بالربيع العربي، وتعتبره مؤامرة على سيادة الدول ووحدة المجتمعات واستقرار  الشعوب ، وبالتالي فهي لا تعترف بالثورة التي شهدتها بلادها وأطاحت بالنظام السابق في العام 2011، وترفض الاعتراف بحركة النهضة، وتكتفي بوصفها ب«التنظيم الأخونجي»، بل ولا تقبل مصافحة أية شخصية سياسية سبق لها أن تحالفت أو تعاطفت أو تحاورت مع الإسلاميين ، كما ترفض الاعتراف بفترة الانتقال السياسي ومخرجاتها ، بما في ذلك الدستور الذي تم التصديق عليه في العام 2014 ، ولا تتوقف عن توجيه سهام نقدها اللاذع الى الحقوقيين أو الناشطين المتعاونين مع المنظمات الأجنبية، والى كل من يدور في فلك المحور القطري.

وموسى، تنحدر أسرتها من ولاية باجة (شمال)، كان والدها يعمل في سلك الأمن الوطني متنقلا بين جهات عدة في البلاد، ما جعلها تولد في مدينة جمال من ولاية المنستير (وسط شرق) في 15 مارس 1975، وتقول عن نفسها أنها تربت على مشروع دولة الاستقلال والأفكار الحداثية للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الي تم عزله عن الحكم عندما كانت لم تتجاوز الثانية عشر من عمرها.

 تحصلت موسي على الاستاذية في الحقوق وعلى شهادة الدراسات المعمقة في القانون الاقتصادي وقانون الاعمال لتشتغل محامية لدى محكمة النقض، وكانت منذ سنوات الصبا الأولى تنشط في المنظمات والجمعيات التابعة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وهو الاسم الذي أطلق في العام 1989 على الحزب الحر الدستوري الذي تأسس في صورته الأولى في العام 1920 على يد المصلح عبد العزيز الثعالبي، ثم وفي صورة تجديدية في العام 1934 على يد الزعيم الحبيب بورقيبة، ليقود لاحقا معركة الاستقلال ثم قيادة البلاد في عهدي بورقيبة وبن علي.

لم تكن عبير موسي من الوجوه البارزة في نظام بن علي، لكن في يناير 2009 تم تعيينها أمينة عامة مساعدة للتجمع الدستوري الديمقراطي ، الحزب الحاكم آنذاك، مكلفة بالمرأة، إلى جانب نشاطها الجمعياتي حيث برزت كعضو في المنتدى الوطني للمحامين التجمعيين، وكسكرتيرة عامة  للجمعية التونسية لضحايا الارهاب، وبعد الإطاحة بالنظام في يناير 2011، برزت كمحامية شرسة في رواق المحاكم للدفاع عن حزب التجمع قبل أن يصدر قرار بحله في مارس من العام ذاته، وتعرضت خلال تلك الفترة الى محاولات التعنيف والعزل من قبل التيارات الثورية الراديكالية اليمينية واليسارية، وتم وقفها عن العمل لمدة عام.

وفي 23 سبتمبر 2013 أعلن عن تأسيس حزب يحمل اسم الحركة الدستورية من قبل حامد القروي الذي شغل منصب وزير أول لسنوات عدة في عهد بن علي وكان نائب رئيس حزب التجمع الى حين حلّه، وقد تولت عبير موسي مهمة منسقة عامة للحركة، قبل ينعقد اجتماع تأسيسي في 16 أغسطس 2016 تخلى فيه القروي عن موقعه، وأطلق على الحركة اسم الحزب الدستوري وتم انتخاب موسي على رأسه.

برزت موسي بموقفها الرافض لمنظومة الربيع العربي ولما سمي بثورة الياسمين، لتجمع من حولها جانب كبيرا من الفئات القاعدية التابعة لحزب التجمع في عهد بن علي ، كما التحق بها حوالي 20 بالمائة من قواعد حزب نداء تونس الرافضين للتوافق مع حركة النهضة، واستطاعت خلال العامين الماضيين تشكيل خلايا محلية وجهوية للحزب في أغلب مناطق البلاد، وبين الجاليات التونسية في الخارج ، وأعلنت القطيعة مع كل «الأزلام» الذين ساروا في طريق التقارب مع الاسلاميين، وقام حزبها بكتابة مشروع دستور جديد للجمهورية التونسية، مشيرة الى أنّه لابّد من تغيير النظام السياسي الحالي الذي وصفته بالمشوه والهجين والذي يتسم بتشتت السلط والقائم على توافقات أدت إلى حكم اللوبيات، بنظام سياسي يضمن قوّة الدولة ويرجع للسلطة التنفيذية القدرة على اتخاذ القرارات وعلى تسيير دواليب الدولة ويضع آليات رقابة لضمان الديمقراطية ويضمن الحريات وحريّة الإعلام وتعدديته ونزاهته حسب رؤية حزبها.

ومن خلال مركز للدراسات تابع للحزب، قامت موسي بتقديم برنامج بديل للواقع الحالي في البلاد، يتضمن حلول لمختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما وجهت في مناسبات عدة دعاوى قضائية ضد حركة النهضة متهمة إياها بتلقي التمويلات القطرية والتورط في دعم الإرهاب واتهمت الحكومة والقضاء بالتستر على ذلك، ورغم أن مناوئيها يتهمونها بالشعوبية وبالدفاع عن إرث الديكتاتورية وبتهديد سياسات التوافق مع الإسلاميين، تظهر موسي كزعيمة سياسية بارزة في تونس تخوض سباق الرئاسة بروح بورقيبية لا تدين النظام السابق ورئيسه زين العابدين بن علي، وبحزب يرى المراقبون أنه الوريث الشرعي للفكر الحداثي، ولدولة الاستقلال حتى العام 2011، وهو يستعد إلى جانب الرئاسيات، لخوض الانتخابات البرلمانية في كل الدوائر بالداخل والخارج.