إفريقيا أرض الصراعات و الحروب منذ سنوات،تزداد وتيرتها و تخفت و تتغير خارطتها شمالا و جنوبا.الحروب وعدم الاستقرار تصبح أكثر تركيزًا من الناحية الجغرافية، منتشرة من أجزاء من ليبيا والساحل الإفريقي وشمال نيجيريا، عبر البحيرات الإفريقية العظمى والقرن الإفريقي. تأمين الاستقرار لأكثر مناطق العالم هشاشة يجب أن يكون واجبًا عالميًا للسياسة الخارجية، وليس هدفًا أخلاقيًا فقط، بالأخذ بعين الاعتبار أن هذه المناطق تعتبر جنات للإرهابيين والمجرمين الانتقاليين.هذا يزداد تعقيدًا بتوجه مثير للقلق نحو العنف في البلدان التي تحاول الانتقال للديمقراطية. بعض أكثر مناطق العالم مشاكلًا هي تلك التي تحاول الانتقال من السلطوية، مثل ليبيا والكونجو. تشكيل إجماع جديد على تقاسم السلطات والمصادر تحد عظيم، وفشله يؤدي إلى تجدد الصراع.في مقال له حول حروب العالم المستمرة خلال العام2015 جان ماري غيهينو يحلل سياقات الصراع و نتائجه المستقبلية ،بينها حروب إفريقيا من ليبيا شمالا إلى الكونغو جنوبا مرورا بدول الساحل ،فيما يلي ملخصا له :

السنة الماضية أظهرت بوضوح أن المجموعات الجهادية تظل تهديدًا شديدًا متناميًا؛ الدولة الإسلامية وحلفاؤها الجدد في سيناء وشمال إفريقيا، وبوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب في الصومال وكينيا، وموالو القاعدة في جنوب آسيا ووسطها والقوقاز واليمن والساحل الإفريقي، يسببون عدم الاستقرار للحكومات ويقتلون المدنيين ويجذبون المجتمعات المحلية للتطرف. ولكن تجمع هذه التنظيمات معًا لا غاية له: بينما يقولون إن طموحاتهم عالمية، فإن ازدهارهم الراديكالي المتنوع يغذي المظالم والصراعات المحلية.بالرغم من أن هذه التنظيمات الجهادية تستخدم تكتيكات إرهابية فظيعة، فإنهم أكثر من مجرد إرهابيين. هم يسعون للسيطرة على أراض. هم عادة يدمجون التكتيكات الدموية مع توعية سياسية أو اجتماعية ذكية. يقدم البعض منها نفسه على أنه بديل لدولة فاسدة وغير عادلة، موفرين الخيرات الأساسية العامة -تحديدًا الأمن والعدالة، ولو كانوا قساة مثلها عادة- عندما تفشل حكومة بفعل ذلك. قليل من الحروب التي يخضونها يقودها الجهاد العالمي. الأيديولوجية المتطرفة تأتي متأخرة، وهناك دائمًا مصادر أخرى للعنف. ولكنها أيضًا تجعل إيجاد نهاية سلمية للحروب أكثر تحديًا وصعوبة.

ليبيا والساحل الإفريقي

انتقال ليبيا انهار كذلك، والفوضى المتزايدة تنتشر عبر حدودها. الأزمة السياسية أنتجت مجلسين تشريعيين متنافسين: برلمان معترف به دوليا في طبرق، ومؤتمر وطني عام يهيمن عليه الإسلاميون في طرابلس. الحكومة الليبية لا تتمتع الآن بسلطة حقيقية: الثقة بمؤسسات الدولية، التي تبلغ أقل مستوياتها الآن، تفتت. اغتيال مسؤولين، ومحاولة انقلاب يقوده جنرال مضاد للإسلاميين قسمت البلاد، عاكسة الاستقطاب الإقليمي. التضارب على ثروة النفط والغاز، التنافس بين المليشيات والقبائل، مصالح القوى الخارجية المتنافسة، وعدم الاتفاقات على بنية دولة ما بعد القذافي كلها تهدد بتقسيم البلاد.هذه المشكلة ليست لليبيا فقط، ولكنها لجيرانها كذلك. تدفق الأسلحة والمرتزقة يفسر جزئيًا انهيار مالي في 2012، بينما سيطر متمردو الطوارق والقاعدة على الشمال، وأسقط انقلاب عسكري حكومة باماكو. عملية قادتها فرنسا ضد الجهاديين -ولكن كثيرًا منهم لا زالوا يلجأون في الصحراء أو بين المجتمعات المتنقلة. أثناء ذلك، النشاط الإرهابي تصاعد في النيجر: كما في مالي، تحاول السلطات أن تفرض سيطرتها على الصحراء الممتدة، مع الجهود التي تزداد تعقيدًا بالمتنافسين الإقليميين، تحديدًا الجزائر والمغرب. المتطرفون والمجرمون مع العلاقات الانتقالية ينتشرون عبر الساحل للهرب من العمليات الفرنسية والحصول على موطئ قدم في شمال إفريقيا، والحدود النفاذية، وسلطة الدولة الضعيفة، والقابلية الجديدة للأسلحة تعمل جميعًا لصالحهم.كل هذا الأمن الإقليمي، خلال ذلك، يتردد صداه في جنوب ليبيا اللامحكوم. محافظة فزان الجنوبية الغربية المهملة شهدت تدفقًا لمحاربي الطوارق، بما في ذلك الإسلاميين الراديكاليين، ويصبح الآن ملاذًا للمجموعات المتطرفة.قيادة ليبيا تبدو غير قادرة على جمع تفكك البلاد. التدخلات من فرنسا، وبدرجة أقل، أمريكا أوقفت تقدم الجهاديين في الساحل. ولكن أيًا من الجهود العسكرية رافقه تنمية سياسية واجتماعية اقتصادية شاملة وضرورية لتحقيق الاستقرار، لم يتحقق؛ لذلك، حتى الآن، الاستراتيجيات السياسية متأخرة كثيرًا عن العمليات العسكرية.

جنوب السودان

الشهر الماضي، نشبت خلافات كبيرة بين الحزب الحاكم والجيش تحولت إلى حرب بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير وأولئك الموالين لنائبه السابق رييك ماشر. الحاميات العسكرية انقسمت، غالبًا بعنف، إلى خطوط قبلية. الاشتباكات انتشرت بسرعة من العاصمة بينما دمر القتال مدنًا رئيسة ومستثمرات نفطية. بوجود القوات الأوغندية والمتمردين السودانيين الذين يقاتلون مع القوات الحكومية -ومع الأنباء التي تقول إن السودان تمول كلًا من الطرفين- الحرب وصلت إلى الدول المجاورة وتهدد بمزيد من عدم الاستقرار في منطقة تعاني مشاكل أساسًا. الحكومة تدين بمستقبلها المالي للدفع للحرب، تاركة البلاد على حافة الإفلاس.بعض التقديرات تقول إن الحرب خلفت ما يقارب الـ50 ألف قتيل وأكثر من مليوني نازح. المنظمات الإنسانية، حتى الآن، استطاعت تجنب المجاعة، ولكنهم يواجهون عداء واضحًا. نهاية الموسم المطري في كانون الأول قد يجلب تصاعدًا في العنف.الجهود لإنهاء الحرب لم تنجح. الهيئة الحكومية للتنمية، وهي مجموعة شبه إقليمية من أعضائها أوغندا والسودان، تتصدر جهود الوساطة، ولكن المحادثات لديها أثر قليل وليست شاملة. وقف إطلاق النار ينتهك باستمرار. لا أمريكا ولا الصين وضعتا ثقلهما الكامل وراء عملية السلام. المجموعات المسلحة تتكاثر، والكثير منها الآن تحت تحكم كير وماشار، يغذي الصراعات الجانبية التي تحصل في ظل الحرب الأهلية.كيف يمكن للعالم أن يوقف النزف؟ مجلس الأمن -تحديدًا أمريكا والصين اللتان تحافظان على علاقات قريبة مع القوى الإقليمية- تحتاج الدخول بأكثر فعالية. حظر للسلاح، إذا تمت مراقبته عن قرب، قد يزيد التأثير على كل الأطراف. الضغط الأمريكي على أوغندا، متصاحبًا مع الضغط الصيني على السودان ومدمجًا مع ضغط من قوى المنطقة الإقليمية والرئيسة على كير وماشار قد ينهي المأزق. آلية لضمان أن المخزون النفطي لا يغذي الصراع يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، بالترافق مع الضغط على خطوط دعم المعارضة. الوسطاء يجب أن يوسعوا الحوار مع المجموعات المسلحة والمتشددين عبر البلاد.جنوب السودان هي واحدة من أشد أزمات العالم دموية. بعكس سوريا وأوكرانيا، هناك أمل أكبر لعمل دولي منسق، كما أنها لن تقسم مجلس الأمن. مع هذه المنطقة المقسمة، حان الوقت للقوى الكبرى لتتحرك بقوة أكبر.

نيجيريا

نيجيريا تواجه عاصفة كاملة في 2015. أولًا: تمرد عنيف من مجموعة بوكو حرام يستمر بتدمير الشمال، خصوصًا في الشمال الأخصب. احتلت المجموعة مزيدًا من الأراضي هذا الصيف، وهجماتها منذ ذلك توجهت نحو الكاميرون وقد تتحول إلى النيجر وتشاد. الآن وصلت سنتها الخامسة، دون إشارة للانتهاء، خلف الصراع ما يقارب الـ13 ألف قتيل، و800 ألف نازح.استجابة الرئيس جودلاك جوناثان اعتمدت بشدة على المقاييس العسكرية. بينما حققت حملات الحكومة بعض الانتصارات، فإنها لم تنجح بإنهاء التمرد. في بعض الأحيان، أنشأوا مزيدًا من الأعداء للحكومة: العمليات كانت ثقيلة الوطأة وعشوائية، مع مشاركة من قوات الأمن والمليشيات المحلية في عمليات قتل خارج القانون وتعذيب. ضحايا واضحون في بعض المعارك كانوا جنودًا يرفضون القتال أو يهربون من الوحدات. أكثر من 200 فتاة في شيبوك خطفوا من المسلحين في نيسان/أبريل الماضي في هجوم كان الحدث الرئيس عالميًا، لا زالوا مفقودين، معززين إدراك حكومة للخروج عن عمقها.ثانيًا: انخفاض أسعار النفط العالمي أضعف الحكومة التي تعتمد على مبيعات النفط بأكثر من 70% من دخلها. في الشهرين الأخيرين من 2014، نيجريا خفضت سعر النفط الذي تستخدمه مرتين لتخطط ميزانيتها (واصلًا إلى 64 دولارًا للبرميل) متعهدة بعدم تعزيز المقاييس التضخمية للبلاد. عملة البلاد النايرا انخفضت قيمتها لأول مرة منذ ثلاثة شهور.ثالثًا: الانتخابات التي ستعقد في شباط/فبراير 2015 ستزيد عدم الاستقرار. الانتخابات النيجيرية حامية الوطيس دائمًا، ولكن احتمالات العنف هذه المرة مرتفعة. لأول مرة منذ عودة الحكم المدني في 1999، حزب الشعب الديمقراطي الحاكم يواجه تحديدًا حقيقيًا بتحالف معارض، مجلس التقدميين، الذي اتحد خلف مرشح رئاسي، الجنرال المتقاعد محمدو بخاري الذي سينافس الرئيس جوناثان.

الصومال

بينما أدت الهجمات المشتركة بين قوات الاتحاد الإفريقي والجيش الصومالي لانتصارات كبيرة ضد الشباب، فإن الحكومة الصومالية الفيدرالية لا زالت تكافح لتحكم فعليًا. بالرغم من الدستور الاتحادي المؤقت، الاشتباكات بين الرئيس ورئيس الوزراء تصاعدت نحو صراع كئيب في نهاية 2014 أدى للإطاحة بالأخير. الخلاف السياسي على المستوى الفيدرالي والمناطقي يهدد الآن طموح الحكومة بإجراء استفتاء على الدستور في 2016.بالرغم من وجود أراض تحت السيطرة النظرية للحكومة المركزية أكثر من أي وقت مضى منذ بداية التسعينيات، فإن الواقع هو مجموعة من المسلحين المحليين الذين يفرضون السيطرة. الأهداف المتوائمة بتشكيل الدولة والانتخابات الوطنية لا تزال بعيدة الأمد، محليًا، في لعبة صراع صفري للمتمردين، قد تزيد الصراع. في هذه البيئة، مهمة الاتحاد الإفريقي ستكافح لتحافظ على حياديتها؛ على الأقل لأن معظم جنودها يأتون من بلدان مجاورة. وبالرغم من الخسائر الإقليمية والقتل المستهدف لقائدها من طائرة أمريكية بدون طيار، لا زالت الشباب تحافظ على قدرتها على الضرب داخل وخارج البلاد، خصوصًا في كينيا، حيث تدعي أخذ دور البطل في قضية الأقلية المسلمة المهمشة.أصحاب المصلحة الصوماليين -الإقليميون والمناطقيون- يحتاجون لنقل الأولويات لتوافق تحديات البلاد. عليهم أن يركزوا على الاستقرار المحلي، بما في ذلك عبر مجالس المقاطعات والبلدات، وتأسيس مؤسسات ذات جذور اجتماعية. يجب أن تكون هناك انتخابات محلية بدل الوطنية. مخاطر المسار المتقلب الآن تهدد غضب المتبرعين من حكومة محلية لا تستطيع الاستلام، وتقوي قوة المتمردين على السيطرة على الرئاسة.

الكونغو

السنة الماضية همشت كثيرًا من الآمال التي كانت بعد التقدم في الكونغو في 2013.الإصلاحات الموعود بها من الرئيس جوزيف كابيلا، تحديدًا المرتبطة بالشق الأمني، توقفت. بينما شهد 2013 القوات الكونغوية وفرقة أمريكية خاصة، ولواء قوات التدخل، تهزم مليشيا M23 المدعومة من رواندا، فإن جهودًا لتهميش مليشيات أخرى ظهرت. القوات الكونغوية شنت عمليات ضد القوات الديمقراطية المتحالفة، ولكن قيادتها لا زالت كبيرة، ومقاتلون غير معروفين لا زالوا يرتكبون مجازر بحق الفلاحين في مناطق نفوذها.المزيد من التحدي، هو القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، بقايا قوات شبه عسكرية من الهوتو بعد مذبحة رواندا في 1994. الحكومة الكونغوية مع لواء قوات التدخل، تحديدًا من جنوب إفريقيا وتنزانيا، عاجزة عن إيقاف أعداء رواندا، القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، بالطريقة التي أوقفت بها حلفاءها M23. استراتيجية ضد القوات الديمقراطية لا يمكن بناؤها على الجانب العسكري وحده. إجراءات أنعم -استقرار بلد ثالث، خطة نزع سلاح تعتني بالمقاتلين والمجتمعات، إجراءات أمنية ضد الشبكات غير الشرعية التي تدعم القوات الديمقراطية، واتفاقية حول العملية القضائية لقادتها- تحتاج أن تدمج مع تهديد حقيقي للقوة.للآن، التهديد معدوم. أعداد مقاتلي القوات الديمقراطية القليلة يسلحون أنفسهم بطريقة تبدو أنها لن تنزع سلاحها بنفسها: مهلة الستة الشهور لهذه العملية، معززة بقوى إقليمية، كانت بوضوح تكتيكًا لكسب الوقت. بينما توقف نزع سلاح المليشيات، تصاعد آخر للعنف في المناطق الشرقية لا زال محتملًا، خصوصًا إذا انسحبت رواندا من العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.كما في نيجيريا، الانتخابات القادمة في الكونغو هي التحدي الأكبر في بيئة هشة سياسيًا. كابيلا، الذي يملك القليل من الشرعية، والذي منع دستوريا من القيام بفترة رئاسية ثالثة، قد يحاول تغير القانون أو تأجيل التصويت لإطالة مدته. أي خطة من هذه ستشعل مظاهرات معارضة. بالنظر إلى أن العنف في شرق الكونغو عرض لحكومة كينشاشا السيئة وفقدان الدولة لوظيفتها، فإن التصويت القادم سيكون محوريًا لاستقلال البلاد كما هو للمليشيات والبلدان المجاورة المتدخلة.