تعيش ليبيا على وقع انقسامات حادة منذ العام 2011، في أعقاب تدخل دولي في البلاد تسبب في إسقاط نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وأدخل البلاد في غياهب العنف الفوضى في ظل انتشار كبير للمليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية ناهيك عن تحول البلاد الى ساحة للأطماع الخارجية الساعية وراء الثروات النفطية التي جعلت من ليبيا احدى أغنى دول المنطقة.

ومنذ سنوات لم يستطع الليبيون إرساء سلطة موحدة في البلاد مع تواصل حالة الانقسام التي وقفت عائقا أمام توحيد مؤسسات الدولة.ومثلت انتخابات 2014، نقطة تصاعد الصراعات التي تحولت الى حروب أهلية وذلك بعد انقلاب تيار الإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الإخوان" على نتائج الانتخابات التي خسروها بالضربة القاضية.واتجهت الجماعة الى التعويل على مليشياتها المسلحة في محاولة للسيطرة على الدولة خدمة لمصالحها ولأجندات خارجية تدعمها.

وبالعودة الى تاريخ جماعة "الاخوان" في ليبيا، يمكن القول بأن بداية هور الجماعة كانت في نهاية الأربعينات،  عندما لجأ 3 من إخوان مصر إلى إقليم برقة بعد تورطهم في اغتيال رئيس الوزراء المصري محمد فهمي النقراشي في 28 ديسمبر 1948،  وقد وجدوا مأوى لدى الأمير إدريس في ذلك،  حيث رفض تسليمهم إلى السلطات المصرية ما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين وإغلاق الحدود بينهما.

وسعى هؤلاء لاحقاً إلى نشر فكر الإخوان في ليبيا مادفع الشرطة المصرية إلى حد إرسال عناصر شرطة سرية للقبض على الثلاثة. لم يكن السنوسي من الإخوان ولكن مؤرخين كبار يقولون بأنه كان يتصرف بالفعل من منطلق حماية المستجير واحترام الدستور الذي يمنع تسليم أي لاجئ مهما كانت صفته.

يقول الحاكم العسكري البريطاني لبرقة "دي كاندول" فى كتابه بأن نشاط الإخوان المسلمين بدأ بالظهور في ليبيا منذ عام 1949م عندما لجأ إليها ثلاثة من الإخوان المصريين هم:"عز الدين إبراهيم ومحمود يونس الشربيني وجلال الدين إبراهيم سعده"،  حيث قاموا بالتمهيد للحركة ببث الدعوة لها بين صفوف الشعب الليبي.وقد ساعدهم في ذلك بحسب الكتاب عُمر باشا الكيخيا الذي كان يعمل حينئذ رئيساً لديوان الأمير إدريس السنوسي،  واستطاعوا أن يكوّنوا أول شعبة للإخوان في ليبيا تحت اسم: هيئة الدعوة الإسلامية".

ويُكمل دي كاندول على لسان الأمير إدريس السنوسي :"لقد استجاروا بي متوسلين باسم الواجب الإسلامي،  ولم أجد بداً من إجابة طلبهم لقد أجرتهم وأمرت بإسكانهم في قصر المنار".ويرد دي كاندول "قلت للأمير إدريس بصراحة إن هذا التصرف يضعني في موقف حرج،  إذ أنني ما زلت مسئولاً عن الأمن العام والعلاقات الخارجية،  فأصر الأمير على أنه لا يملك إلا أن يجير من يلجأ إلى حماه".

بدأ الثلاثي الفار العمل في بنغازي فعمل عز الدين إبراهيم في مجال التعليم،  وعمل محمود الشربيني مع عبد الله عابد السنوسي بالتجارة،  فيما أعطى جلال سعده دروسًا خصوصية في اللغة العربية.واعتمد عز الدين على التدريس في المدارس الليلية تحت جنح الظلام،  ومن خلال العلاقات التي أقامها مع الناس،  أعطى صورة عن الإخوان ودعوتهم،  واستقطب عدداً من الشباب الليبي،  ما ساعد على هذا التنامي في الجماعة،  وفود مدرسين إخوان عملوا بدأب على هذه الدروس،  وطرح الإخوان كجماعة تهدي إلى الدين.

الإخوان وراء أول جريمة اغتيال سياسي فى ليبيا

في 5 أكتوبر 1954 استفاق الليبيون على أول عملية اغتيال سياسي في المملكة الليبية حيث قام الشريف محي الدين السنوسي بإطلاق الرصاص على ناظر الخاصية الملكية إبراهيم الشلحي المقرب من الملك وصديقه الأقرب له فأرداه قتيلاً.وعلى الفور أصدر الملك إدريس أمراً ملكياً حظر بموجبه جماعة الإخوان المسلمين من ممارسة أي نشاط سياسي وأمر باتخاذ إجراءات لمراقبة ومحاصرة قياداتها وعناصرها الليبية لوجود علاقة بين القاتل وفرع الجماعة الإخوانية في ليبيا.

تبين للنظام الملكي آنذاك أن للجماعة عقيدة فاسدة تهدف إلى التمكن من مفاصل الدولة الوليدة.وما زاد في محاصرة الإخوان،  أن النظام الملكي كان قد قرّر في العام 1952 إلغاء الأحزاب السياسية وحظر نشاطها،  ما ضيق الخناق على الجماعة ومنعها من التحرك تحت أي غطاء حزبي.

وبالرغم من حظرها،  استمرت جماعة الإخوان الليبية،  في نشاطها من خلال طباعة بعض الإصدارات وواصلت نشاطها التنظيمي "المصري – الليبي"،  ومثل ما كانت ليبيا ملجأ ومأمناً للإخوان طيلة العشرين سنة (1949م – 1969م)،  كانت بيئة سياسية حاضنة،  وكانت مركزاً للتواصل وخط دفاع أول في مواجهة ما تعرضت له الحركة وما أصابها في مصر بعد ما ارتكبته هناك من قلاقل وعنف وسفك للدماء.

وقد حاولت حكومة الرئيس جمال عبد الناصر لاحقاً في فترات مُتقطعة كثيرة،  مُطالبة الحكومة الليبية تسليمها عناصر من جماعة الإخوان،  وفي كل مرة يُعرض فيها الأمر على الملك إدريس،  كان يرفض الطلب ويُحيل المسئولين في الحكومتين الليبية والمصرية إلى الحظر الدستوري الليبي الذي يمنع تسليم اللاجئين السياسيين.


** العمل السري للجماعة

مع بداية الستينيات وفى ظل صعود نجم القيادي الإخواني سيد قطب فى مصر، ركزت شخصياتٌ بارزة من جماعة الإخوان في ليبيا على عملية البحث في إمكانيّة إنشاء تنظيمٍ يجمع أكبر عدد من الأشخاص المقتنعين بأفكارهم حتى انتهت المشاورات والاتّصالات إلى عقد سلسلة من الاجتماعات السرية في شقة محمد رمضان هويسة،  القيادي الإخواني البارز في منطقة زاوية الدّهماني في طرابلس وذلك بحسب بحث نشرته سنة 2014 بوابة الحركات الاسلامية المهتمة بشؤون الجماعة. 

انتمى هويسة إلى الإخوان منذ كان طالبًا في الثانوية بمدينة الزاوية، كان شديد الحماسة للجماعة،  فلم يخفِ انتماءه إليها، خاصة عندما كان يدرس بجامعة بنغازي،  وانتهت سلسلة الاجتماعات تلك، إلى الاتّفاق على تأسيس تنظيم للإخوان في طرابلس وتولى فتح الله محمد أحواص رئاسة التنظيم ومحمد رمضان هويسة مسئولًا للعلاقات الخارجيّة،  ومحمود محمّد النّاكوع لشئون التّنظيم، وعمرو خليفة النّامي عن النّشاط الجامعيّ،  ومختار ناصف للشّؤون المالية.

في الوقت نفسه كان إخوان بنغازي الذين انطلقت منهم جماعة الإخوان،  لهم تنظيم مقابل لتنظيم طرابلس،  ومن قيادات بنغازي: عبد الكريم الجهاني،  إدريس ماضي،  مصطفى الجهاني،  محمد الصلابي،  صالح الغول وآخرون. قام الطرفان بتبادل العلاقات فيما بينهما عن طريق أحد الأعضاء،  ونقل الأخبار والأنشطة أيضا في سرية تامة،  وذلك في إطار الحرية التامة التي تركها الملك إدريس لهم،  حيث بدأوا في إلقاء الخطب ونشر أفكارهم،  وكذا نشر الثقافة في صورة توعية عن التنظيم الإخواني.

وبدأت الجماعة ممارسة عملها دون إصدار أي مواثيق أو بيانات أو محاضر اجتماعات فيما كانت تتم الاجتماعات بسرية تامة وتنشر فكرها فى المدارس والجامعات فيما تواصلت بالتزامن مع ذلك  المشاورات والاتصالات وفق العمل السري الذي اتخذته الجماعة. 


** الصدام مع السلطة

عقب إسقاط النظام الملكي وإعلان قيام الجمهورية الليبية تولى الملازم معمر القذافي زمام الحكم وأعلن عن تأسيس مجلس قيادة الثورة الذي اتخذ موقفاً عدائيًا جماعياً من الإخوان المسلمين واعتبرهم تنظيماً مستورداً ومتطرفاً وقلب لهم تخطيطاتهم رأسًا على عقب،  على الرغم من مشاركتهم في الوزارات المختلفة التي شُكلت حتى العام 1973 ولكن في العام نفسه ُقبض على قادة الإخوان وسرعان ما ظهروا تليفزيونيا وأعلنوا عن حل الجماعة.

عقب ذلك عاد الإخوان المسلمين إلى التنظيم السري مرة أخرى بينما كان نظرائهم فى مصر لا يتوقفون عن النشاط العنيف والصدام مع الدّولة هنا وهناك فى عهدي الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات الذي وصل إلى الحكم بعد سنة واحدة من سقوط النظام الملكي فى ليبيا التي كان نظامها الجديد لا يرغب فى منح الإخوان أي سانحة تمكنهم من زعزعة أمن الدولة أو نظام الحكم أو الوصول إلى السلاح أو المنابر ومفاصل القوة كما حدث فى مصر ومن هنا جاء القرار إستباقياً بمنعهم وقطع الطريق أمامهم منعاً لتكرار السيناريو المصري.

وفي عام 1980،  عاد الطلاب الليبيون الذين كانوا يدرسون في الخارج ومعهم فكر الإخوان،  وأعادوا بناء الجماعة،  وظلوا يعملون سرا وأعادوا تشكيل وبناء التنظيم وفي عام 1991 أجريت انتخابات لاختيار مجلس للشورى،  ومن بين أعضائه،  يختار المجلس المراقب العام. وعمل الإخوان على جمع بعض الأموال لمساعدة الفقراء،  وشنت السلطات الأمنية اعتقالات واسعة في عام 1995،  شملت عدة تنظيمات.

وظل تنظيم الاخوان يعمل بسرية الى حين اكتشافه في يونيو 1998، حين اعتقل أكثر من مائة وخمسين من قياداتهم اعتبار أن النظام الليبي يحظر قيام تنظيمات سياسية.وفي 16 فبراير من العام 2002 أصدرت محكمة الشعب الخاصة التي شُكلت لمحاكمتهم حكمها بالإعدام على المراقب العام للإخوان المسلمين في ليبيا عبد القادر عز الدين ونائب المراقب العام سالم أبو حنك فيما حُكم على ثلاثة وسبعين متهما منهم أعضاء من مجلس الشورى بالسجن المؤبد ولكنهم هربوا إلى الخارج.

** وهمية المراجعات

تواصلت القطيعة السياسية مع النظام حتى أواخر العام 1999 حين بدأت أولى إرهاصات الحوار مع مندوب ليبيا في الأمم المتحدة و ذلك من خلال برنامج الذي كان يلتقي بالجالية الليبية، وهنالك حدث اللقاء ابتداءً، ثم وبعد تعثر دام لسنوات توطدت العلاقة بين نجل العقيد القذافي سيف الإسلام والقيادي الاخواني علي الصلابي الذي تم تعينه  عضوا بمجلس أمانة مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية  عام 2003 ، لتنطلق مرحلة جديدة من العلاقات بين الإخوان والنظام بطريقة غير مباشرة من خلال نجل الزعيم الليبي.

وتمكن الصلابي من إقناع قادة الجماعة الاخوانية بجدوى العمل مع سيف الإسلام ودعم مشروعه،  ليعلن قادة الإخوان في أواخر العام 2009 بينهم قادة الإخوان المسلمين السابقين داخل ليبيا،  وقيادات الجماعة الليبية المقاتلة،  "تأييدهم لمشروع سيف الإسلام القذافي،  المعروف بمشروع "ليبيا الغد"،  ودعمهم له..

وأكد الصلابي في تصريحات صحفية نشرت أنذاك،  "أن جميع قادة الإخوان السابقين داخل البلاد،  ممن قابلهم،  وعلى رأسهم المراقب العام السابق للإخوان الدكتور عبد الله عز الدين،  والذي كان محكوما عليه بالإعدام،  والدكتور عبد الله شامية (محكوما بالمؤبد)،  والدكتور عبد اللطيف كرموس (مؤبد) وغيرهم،  يؤيدون مشروع "ليبيا الغد"،  ويدعمونه بقوة،  ويعلنون استعدادهم للمشاركة في إنجاحه مع بقية أبناء وطنهم. وذكر الصلابي أن قادة الإخوان أبلغوه بأنهم ممتنون لجهود الدكتور سيف الإسلام،  التي بذلها لطي ملفهم،  بدءا من إخراجهم من المعتقلات رغم الأحكام العالية التي تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد في حق أغلبهم،  وانتهاء بجهوده في إرجاعهم للجامعات ووظائفهم وتعويضهم.

وعقب ذلك حاول الصلابي استمالة القيادات الجهادية من اجل "دعم مشروع سيف الإسلام القذافي" وقد وجد في قادة الجماعة الليبية المقاتلة ضالته، لتنطلق المفاوضات السرية مع قادة الجماعة في السجون برعاية مؤسسة القذافي للتنمية وثلاثة أجهزة أمنية ليبية هي الاستخبارات العسكرية والأمن الخارجي والأمن الداخلي.وبدأ النظام في إعادة ترتيب علاقته بهذه الجماعات تحت غطاء مشروع "المراجعات".

و قد شارك في صياغة هذه المراجعات القيادي السابق في الجماعة نعمان بن عثمان رئيس مؤسسة كوليام لمكافحة التطرف في بريطانيا و قيادات الجماعة في السجون بينهم مفتيها سامي الساعدي وأميرها عبد الحكيم بالحاج المكني بأبي عيد الله الصادق ، ليخرج قادة الجماعة في الشاشات الفضائية في مؤتمر صحافي رفقة المفتي الحالي الصادق الغرياني وعلي الصلابي وبمباركة الاخواني يوسف القرضاوي معلنين بأن "معمر القذافي ولي أمر شرعي لا يجوز الخروج عليه ، وأن الخروج على ولاة الأمر بالسلاح أمر محرم شرعا"، وانطلقت بعدها السلطات الليبية في إخلاء السجون من معتقلي التيار الإسلامي بطيفيه "الاخواني" و"الجهادي".

** سقوط الأقنعة

لكن هذه المراجعات سرعان ما اتضح أنها مجرد مناورة استخدمتها الجماعات الإسلامية ،  "الإخوان" و"الجماعة الليبية المقاتلة"،  لإخراج عناصرها من السجون،  فهذه الجماعات سرعان ما عادت إلى السلاح ومحاربة الدولة مع اندلاع أحداث فبراير 2011،  لتؤكد أن ما كتب من مراجعات جمعت في كتاب من 600 صفحة لم تكن سوى خداع ومراوغة،  ضمن مشروع تآمري لإسقاط الدولة الليبية ونشر الفوضى.

وظهرت الجماعات الإسلامية المتشددة، تحت الغطاء الجوي للناتو كأحد العناصر الأفضل كفاءة قتالية في الصراع.وذهب إخوان ليبيا لتنفيذ الأجندة القطرية التي كانت مدعومة من قبل أجهزة مخابرات أجنبية،  والتي تنص على التحالف مع تنظيم القاعدة من خلال الجماعة المقاتلة،  وقد كان أول ما رصده المراقبون أن الجماعة انقلبت ضد سيف الإسلام القذافي الذي عقد معها صفقة سياسية ضمن مشروع ليبيا الغد،  كما أنها اتجهت للتحالف مع القوى الخارجية على حساب المصلحة الوطنية.

وتمكّن تيار الاسلام السياسي من جميع مفاصل البلاد،  فمدينة بنغازي ثاني كبرى المدن الليبية والمدينة التي انطلقت منها شرارة الأحداث،  كانت قد تحوّلت مع سقوط نظام العقيد معمّر القذّافي إلى ثكنة كبيرة للجماعات الجهاديّة،  وساحة دامية لتصفية العسكريين والصحافيين والناشطين الحقوقيين،  بينما انتشرت الميلشيات المحسوبة على الإسلاميين في مختلف مدن البلاد تحت مسميات الدروع بغطاء رسمي من المؤتمر الوطني العام الذي تمكّن التيار الإسلامي من السيطرة عليه بفعل قانون العزل السياسي الذي أقرّ تحت قوّة السلاح وحصار الميليشيات لمقر المؤتمر.

وشكلت جماعة الإخوان في 5 مارس 2012،  حزبًا سياسيًا باسم "العدالة والبناء"،  وذلك بعد ستة عقود كانوا يعملون خلالها في سرية تامة،  أثناء نظام الزعيم الراحل معمر القذافي،  وقد تم إنشاؤه في ظل غياب القوانين بطرح عملية رسمية لإنشاء الأحزاب السياسية،  وقد مثّلت الجماعة في أكثر من 18 مدينة في جميع أنحاء البلاد. واختاروا محمد صوان رئيسًا للحزب،  وهو مواطن من مدينة مصراته، ونجحت جماعة الإخوان بليبيا،  في التمكين من المؤسسات السيادية في الدولة،  بداية من الحكومة،  ومرورًا بمصرف ليبيا المركزي،  وباقي مراكز المال الأخرى.

وفى محاولة من الإخوان لإفشال حكومة على زيدان،  التي شُكلت عقب حل المجلس الانتقالي الليبي،  أعلن حزب العدالة والبناء الإسلامي،  الذراع السياسية للجماعة بليبيا،  سحب وزرائه من الحكومة الليبية،  وحاول الإخوان لأكثر من مرة أن يدفعوا حكومة زيدان إلى الاستقالة سواء من بوابة المؤتمر الوطني،  أو من خلال الضغوط الميدانية وتحريك أذرعهم العسكرية وميليشياتهم.

وسرعان ما أطاح إخوان ليبيا برئيس الوزراء، بعد خطفه والتنكيل به وكان القرار من المؤتمر الوطني العام الواجهة الحقيقية لجماعة الإخوان وهو سحب الثقة من رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان،  حيث تمكن من الفرار إلى ألمانيا قبل أن يصدر قرار من النيابة العامة بالقبض عليه. وفي أول تصريحات له بعد هروبه،  اتهم علي زيدان جماعة الإخوان في ليبيا بأنها وراء قرار سحب الثقة من حكومته وعرقلة عمله.

المشهد في ليبيا سرعان ما اختلف عما كان عليه في 2012، فعلى الصعيد السياسي خسر الإسلاميون انتخابات العام 2014 بالضربة القاضية،  رغم الإمكانات المرصودة لهم إعلاميا وماليا وأمنيا،  ما دفع بهم إلى الانقلاب على النتيجة من خلال الحرب الأهلية المعلنة من قبل مليشيات "فجر ليبيا"،  والتي أدت إلى ترحيل البرلمان إلى مدينة طبرق في شرق البلاد.

وعلى الصعيد العسكري،  فقد كانت ليبيا على موعد مع أول تحرك حقيقى لسد الفراغ الأمنى وإنهاء حالة عدم الاستقرار فى البلاد،  حيث أطلق الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر عمليته العسكرية في مايو 2014،  والتي كانت بداية الحرب على الإرهاب.وخلال السنوات التي أعقبت ذلك نجحت القوات الليبية في تحرير عدة مناطق والقضاء على أبرز معاقل الإرهاب في شرق وجنوب ليبيا علاوة على طرد الميليشيات من الهلال النفطي.

ومع دخول البلاد في موجة جديدة من الانقسامات التي طالت لأكثر من عامين،  جاء اتفاق الصخيرات الذي مثّل مرحلة أخرى مصحوبة بتطورات كبيرة صلب تيار الإسلام السياسي،  فبقدر ما وفّر لهذه الجماعات مساحة للمناورة وجزءا من المشاركة في المشهد بقدر ما فرض عليها اكراهات أخرى لعل أبرزها تثبيت البرلمان كجسم تشريعي شرعي وتثبيته ولو بشكل غير مباشر للجيش الليبي وقائده المشير خليفة حفتر كجزء هام وربّما رئيسي في المعادلة الليبية وهو ما سيزيد الوضع تعقيدا بالنسية لهم مع انتصارات الجيش في بنغازي ودرنة وسيطرته على الهلال النفطي ثمّ تقدّمه في الجنوب نحو آبار النفط الكبرى في البلاد،  وبالتالي إحكام سيطرته التامة على العصب الإقتصادي العام.

الجماعة التي تحمل أجندات قطرية وتركية لم تتردد في مناصبة الجيش الليبي العداء وحاولت مواجهته عبر دعم الجماعات الإرهابية في بنغازي ودرنة لكنها لم تنجح في مرادها، عقب ذلك سارعت لمحاولة عرقلة تقدمه في الجنوب ووصل الأمر بعضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته،  القيادي في جماعة الإخوان المسلمين فرع ليبيا،  محمد مرغم، في يوليو 2018 للمطالبة عبر قناة "التناصح" التي يديرها مفتي الإخوان في ليبيا،  الصادق الغرياني،   بتدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي،  بقيادة المشير خليفة حفتر.

واعتبر الجيش الليبي أن جماعة الإخوان المسلمين هي أكبر تهديد لليبيا. كما وصفت حكومة طبرق أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الليبية بمن فيهم زعيم حزب العدالة والبناء محمد صوان بأنهم إرهابيون. وفي يناير 2019  دعا 20 عضواً في البرلمان الليبي إلى حظر وتجريم جماعة الإخوان المسلمين.وأشار البرلمانيون إلى أن "دعم جماعة الإخوان المسلمين للإرهاب واضح منذ البداية سواء في بنغازي أو درنة مادياً وسياسياً وإعلامياً،  كما أنها تعارض أي حل سياسي ينهي حالة الانقسام الحاصل في البلاد وعرقلة مسيرة بناء الدولة ومؤسساتها".

وشهدت المدن الليبية تحركات ضد جماعة الاخوان، حيث تظاهر عشرات الليبيين بميدان الجزائر، في يناير 2019 وسط العاصمة الليبية طرابلس،  ضد ما وصفوه بسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل الدولة.ورفع المتظاهرون لافتات ترفض تغلغل "الإخوان" في مؤسسات الدولة،  إضافة إلى تحميلهم مسؤولية ما سمّوه بالفتنة والاقتتال في البلاد.وأشار المتجمهرون في شعاراتهم إلى بدء العد التنازلي لحكم "الإخوان" في البلاد.

وفي مايو/أيار الماضي، صوت البرلمان الليبي بـ 70 نائباً على حظر الجماعة واعتبارها جماعة إرهابية،  وهي خطوة تمهد لملاحقة أعضاء الجماعة قانونا.وقال الناطق الرسمي باسم مجلس النواب الليبي عبدالله بلحيق في تصريح صحفي لوكالة "سبوتنيك" الروسية،  إن "مجلس النواب الليبي صوت على تجريم جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها كجماعة إرهابية".

** معركة طرابلس تفضح أجندات "الإخوان"

مثلت العملية العسكري التي أطلقها الجيش الليبي في الرابع من أبريل/نيسان 2019 لتحرير العاصمة الليبية من سيطرة المليشيات، دليلا واضحا على ارتباط جماعة "الاخوان" بأجندات خارجية حيث سارعت لعقد تحالفات جديدة مع التنظيمات الارهابية والعناصر الاجرامية لحماية آخر معاقلها في غرب البلاد، واعتمدت على الدعم القطري والتركي الذي برز بصفة واضحة مع شحنات السلاح المختلفة التي تتدفق إلى الجماعات الإرهابية في ليبيا قادمة من تركيا وبأموال قطرية بهدف استمرار الفوضى في ليبيا،  وتمكين الجماعات الإرهابية وثيقة الصلة بالتنظيم الدولي لجماعة "الإخوان" من السيطرة على البلاد.

وطيلة الأشهر الستة الماضية تكشف حجم التدخل التركي والقطري في ليبيا، وتصاعدت وتيرة الدعم للمليشيات من خلال شحنات السلاح التي تصل الى طرابلس ومصراتة، فيما تكررت تصريحات المسؤولين القطريين والأتراك المنددة بالعملية العسكرية للجيش الليبي ووصل الأمر بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى شن هجمات حادة على القائد العام للجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر حيث وصفه في احدى تصريحاته بـ"القرصان"، فيما وصف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حفتر بأنه "لا يمتلك حسا إنسانيا ويستهدف الشعب الليبي بلا رحمة".

وتحتضن تركيا وقطر أهم قيادات الجماعات المتطرفة في ليبيا الذين يرتبطون معها بعلاقات كبيرة،  وأبرز المطلوبين من قبل القضاء الليبي بتهم التورط في جرائم عنف وإرهاب والإضرار بالأمن القومي الداخلي،  الي السابق في تنظيم القاعدة عبد الحكيم بلحاج،  كما تؤوي عددا من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين كانت لهم أدوار كبيرة في قيادة الحرب  على ليبيا منذ العام 2011،  على غرار علي الصلابي،  إلى جانب عناصر من مجلس شورى بنغازي المصنف تنظيما إرهابيا.

ورغم شحنات السلاح والدعم الكبير الذي تتلقاه المليشيات من قطر وتركيا فان ذلك لم يمنع الجيش الليبي من تحقيق انتصارات ميدانية متكررة بسيطرته على عدة مواقع إستراتيجية، كما تمكن من القضاء على العديد من القيادات الهامة في صفوف المليشيات والتنظيمات الإرهابية، وهو ما دفع بالمحور التركي-القطري إلى الدخول المباشر في المعارك في محاولة لعرقلة تقدم القوات المسلحة.

وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري،  في تصريحات صحفية،  إن هناك قوات تركية على الأرض في ليبيا،  تقاتل مع الجماعات الإرهابية ضد قوات الجيش في معركة طرابلس.وأوضح المسماري،  في حديث مع سكاي نيوز عربية،  "أن ضباطا أتراكا يقودون المعارك على الأرض لصالح الميليشيات الإرهابية في ليبيا".وأضاف: "قدمنا أدلة عدة على التدخل التركي والقطري في معركة طرابلس ضد الجماعات المتطرفة،  وعلى المجتمع الدولي أن يقول كلمته".

وجاء اعلان المسماري بالتزامن مع دعوة القيادي في جماعة الإخوان المسلمين،  العضو المؤسس في حزب العدالة والبناء عبدالرزاق العرادي، لتوقيع اتفاق دفاع مشترك مع تركيا.ووجه العرادي وفي منشور له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، نداءً عاجلاً لرئيس الرئاسي فائز السراج يطالب فيه بأن يغادر نيويورك إلى أنقرة لتوقيع اتفاقية دفاع مع الجمهورية التركية ،  قائلاً: "غادر نيويورك إلى أنقرة ووقع اتفاقية دفاع مع الجمهورية التركية تحت ضوء الشمس وبالفم المليان للدفاع عن العاصمة .. مواطنيك يقصفون في وضح النهار لا حجة لك بعد اليوم".على حد زعمه.

من جهته، لم يتوانى القيادي الاخواني علي الصلابي في تصريحات صحفية لـ "وكالة أنباء تركيا"،  في لقاء بمعرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي بنسخته الخامسة، في الإشادة بالموقف التركي من مختلف القضايا التي تهم العرب والمسلمين،  قائلا: "إن الخطاب التركي يتميز أنه خطاب إنساني ينحاز للقضايا الإنسانية العادلة".على حد تعبيره.

وكشفت معركة طرابلس مدى ارتباط جماعة "الإخوان" ومليشيات تيار الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها بالأجندات التركية والقطرية.كما ترتبط جماعة "الإخوان" بعلاقات مع طهران التي تسعى لمد نفوذها في العديد من الدول العربية. 

وطفت على السطح في وقت سابق التحركات الإيرانية في ليبيا وذلك في أعقاب حجز سفينة أسلحة في ميناء مصراتة أكدت تقارير إعلامية أنها جاءت بهدف دعم المليشيات الموالية لجماعة الإخوان في حربها ضد الجيش الليبي.

وباتت كل مخططات المجموعات المنتمية إلى الإسلام السياسي في ليبيا وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه التنظيمات لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة.

ويرى مراقبون أن جماعة الاخوان أن الدعم القطري والتركي لأذرعها في ليبيا لن يجدي نفعا في ظل إصرار القوات المسلحة على بسط سيطرتها على كامل الأراضي الليبية وإنهاء نفوذ المليشيات المتطرفة فيها بما يضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد وإعادة الأمن والاستقرار للشعب الليبي بعد سنوات من الفوضى والعنف الذي حول البلاد الى ساحة للتدخلات الخارجية.