شكلت البيعة التي قدمها أبو بكر شيكاو زعيم جماعة بوكو حرام الدموية في نيجيريا إلى زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي،بوصفه خليفة للمسلمين على حد وصفه.نقطة فارقة في تعاظم نفوذ داعش في القارة الإفريقية،و كأنه يريد أن يطوق الشمال الإفريقي جنوبا كي يسهل سقوطه في أيدي التنظيم. في مقالة نشرها في مجلة "الفورين بوليس الأمريكية" يشير الباحث دافيد جارتنشتاين- روس إلى ما أسماه بـــ" "لعبة الثقة" الطويلة التي تلعبها الدولة الإسلامية في إفريقيا.

فعلى المدى الطويل، قد لا يترتب على قرار بوكو حرام بالتعهد بالولاء للدولة الإسلامية (IS) – وما تبعه من قبول الدولة الإسلامية (IS) لذاك التعهد – فارقٌ كبير بالنسبة للجماعة الإفريقية المسلحة، إلا أن الأمر مختلفٌ بالنسبة للدولة الإسلامية (IS). فبعد مضي شهورٍ من ادعاءاته المبالغة بخصوص توسعه في إفريقيا، أصبح لدى التنظيم الجهادي العالمي الآن شبكةٌ حقيقية وفعّالة في القارة، وسوف تسعى هذه الشبكة أن تصبح بمثابة مغناطيسٍ قوي لاستقطاب الجماعات الجهادية الأخرى.

ولا شك أن إعلان الولاء هذا، أو البيعة، أمرٌ بالغ السوء: إذ أنه يوسِّع نطاق قوة التنظيم الجهادي الأكثر شرًا في العالم. ورغم أن هناك أثرًا إيجابيًا غير مباشر للتعهد الذي أعلنته جماعة بوكو حرام - وهو أنه يخلخل الاستراتيجية التي رسمتها بعناية زعيمتها السابقة، القاعدة، أهم منافسي الدولة الإسلامية (IS) على قيادة حركة الجهاد العالمي - فإن ذلك البريق المخادع لا يشتت السحب.

لقد اعتادت الدولة الإسلامة (IS)، على الأقل منذ نوفمبر الماضي، على المبالغة في إعلان نفوذها في إفريقيا. حتى أن وكالات أنباءٍ بارزة، مثل سي إن إن وأسوشييتد بريس، أعلنت أنها قد أحكمت سيطرتها على مدينة درنة، شمالي ليبيا، وقت أن كانت، في واقع الأمر، واحدةً من عدة أطرافٍ مسلحةٍ هناك. وفي هذه الأثناء، اعتادت المنظمات الجهادية المحلية، المتعاطفة مع التنظيم، على نشر دعايا مضللة تهدف لإظهار حجم التأييد الذي تلقاه الدولة الإسلامية (IS)على نحوٍ أضخم مما كان عليه فعليًا. وعلى سبيل المثال، أصدر أعضاءٌ بـ‘كتيبة عقبة بن نافع’، أحد التنظيمات الجهادية بتونس، بيانًا مؤيدًا للدولة الإسلامية (IS) في سبتمبر 2014، دفع وكالات الأنباء إلى أن تورد، على نحوٍ غير دقيق، أن التنظيم التونسي أعلن ولاءه للدولة الإسلامية (IS). وبتعبيرٍ آخر، أدارت الدولة الإسلامية (IS) ما يمكن أن يُطلق عليه "لعبة ثقة" في إفريقيا، من خلال الترويج لانتصاراتٍ لم تحرزها، والمبالغة الشديدة في تلك التي أحرزتها.

وعلى هذا النحو، استطاعت الدولة الإسلامية (IS) استقطاب بوكو حرام، إذ يبدو أن الهجوم الأخير الذي شنته إحدى التنظيمات الليبية التابعة للدولة الإسلامية (IS) على سرت لم يكن سوى امتدادٍ للعبة الثقة تلك. وبدلًا من الاستيلاء (وإحكام السيطرة) على المدينة، بدا أن هدف الدولة الإسلامية (IS) كان، فقط، تحفيز بوكو حرام خلال استعراضٍ للقوة يرمي، على مايبدو، لإقناع قادتها بأنها [الدولة الإسلامية] تدير عمليةً هائلة القوة في إفريقيا. من المحتمل، إذن، أن الهجوم على سرت لم يعد كونه اللمسة الأخيرة التي كللت بها الدولة الإسلامية (IS) جهودها لإقناع بوكو حرام بالانضمام إلى صفوفها، وقد أثبت الأمر جدواه هذه المرة.

كان من الممكن (واللازم) أن تُكشف حقيقة مبالغات الدولة الإسلامية (IS) منذ فترةٍ طويلة مضت. ولكن، مع الأسف، لم يعد الأمر الآن كما كان ذي قبل، بعدما أعلنت بوكو حرام ولاءها ببتنظيم. وإذا ما قام عددٌ كافٍ من الناس بالشراء في ‘لعبة الثقة’ التي تلعبها الدولة الإسلامية (IS) مدعيةً أن لها قدمًا راسخةً بالقارة الإفريقية، سيتحول التصور إلى حقيقة.

وبصرف النظر عن المساعدات التي تقدمها الدولة الإسلامية (IS) لبوكو حرام في جهودها الدعائية، يظل مدى التنسيق الفعلي بين التنظيمين غير واضح. من المحتمل أن تكون الدولة الإسلامية (IS) قد قامت بإرسال منفذي عملياتٍ لصقل قوة بوكو حرام العسكرية. أو أنها تخطط لتعزيز التنسيق بين الجماعة الجهادية النيجيرية ومراكزها [الدولة الإسلامية] الأخرى في أفريقيا. ربما يكتشف العالم الأمر، فقط، عندما يكون الوقت متأخرًا.

وعلى النقيض من ذلك، قد ينتهي الحال ببوكو حرام إلى ‘ندم المشتري الخاسر’ بعد خروجها عن مدار القاعدة، التي استفادت من مهارات وإمكانات التنظيمات الإقليمية التابعة لها مثل ‘القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي’ و‘حركة الشباب المجاهدين’ بالصومال. ويبدو أن الدولة الإسلامية (IS) أيضًا تواجه صعوباتٍ ماليةً في سوريا والعراق، بسبب مواصلة الغارات الجوية الأمريكية تدمير قدرات التنظيم على تكرير النفط. وقد يعوق هذا قدرة الدولة الإسلامية (IS) على الوفاء بالثمن المستحق، أيًا كان ما وعدت به، لبيعة بوكو حرام – وهو الضمان المالي الذي تعهدت، على الأرجح، به، فقد قدّمت الدولة الإسلامية (IS) أموالًا للمجموعات الجهادية الأخرى كي تلتحق بصفوفها فيما مضى.

ولكن، على الرغم من أن التعهد قد يكون له أثرٌ على بوكو حرام، تظل أهميته الاستراتيجية الكبرى فيما يقدمه للدولة الإسلامية (IS). فقد قام مؤيدو الدولة الإسلامية (IS)المنخرطون في مجموعاتٍ إقليمية مثل ‘عقبة بن نافع’ – النشيطة على الحدود التونسية الجزائرية – بإصدار بيانات تهدف إلى تضخيم التأييد المتصور للدولة الإسلامية (IS) بالإشارة، كذبًا، لإعلان ولائهم للتنظيم. فعلى سبيل المثال: أعلن البيان الذي نشره أعضاء جناح القيروان بجماعة ‘عقبة بن نافع’ في سبتمبر 2014، مدعين أنهم يتحدثون باسم التنظيم بأسره، أن ‘عقبة بن نافع’ سوف "تظهر تأييدها ودعمها ومساعدتها لدولة الخلافة الإسلامية،" وناشدوا "صفوف المجاهدين" أن تتوحد "في كل البقاع." ومن الواضح أن البيان قد سلك طريقًا يختلف عما ترغب فيه قيادات ‘عقبة بن نافع’، التي أعلنت لاحقًا أن تنظيمهم يعمل تحت مظلة ‘القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي’.

قبل أسابيعٍ قليلة، لم يكن أولئك، الذين يصدرون هذا النوع من البيانات المخالفة لآراء قيادتهم، أكثر من شبابٍ متطرفٍ وغاضبٍ، وكان من الممكن أن يتخلوا عن ولائهم للدولة الإسلامية (IS) مع الوقت. أما اليوم، فهناك فرصةٌ أكبر لأن ينشقوا عن جماعاتهم الأولى ويشكلوا شظايا مؤيدة للدولة الإسلامية (IS). ويرجع سبب هذا إلى أن الدولة الإسلامية (IS) أصبح لديها بنيةٌ تحتية في إفريقيا، من ِشأنها تقليل تكاليف اتخاذ هذا السبيل بعدما لم يعد خيارًا فرديًا.

ولم يتضح، بعد، كيف سيتغير سلوك جماعاتٍ، مثل عقبة بن نافع، كنتيجةٍ لذلك – فبنهاية المطاف، تعد بوكو حرام إضافة جديدة وهامة لشبكة الدولة الإسلامية (IS) في إفريقيا – ولكن لا شك أن تبجح الأدعياء المغرورين بين صفوف تلك الجماعات قد أصبح، على نحوٍ مفاجئ، بمثابة تهديدٍ داخلي. وعلى الناحية الأخرى، يمكن للشظايا المؤيدة للدولة الإسلامية (IS) المنبثقة عن الجماعات الجهادية الإقليمية أن تعزز قوة الدولة الإسلامية (IS) بخلقها شبكة أشد بأسًا، قد تشعل، في المدى القصير، شرارة العنف وما يعقبها من وحشيةٍ وزعزعةٍ للاستقرار.

ومع ذلك، قد يكون هناك جانبٌ مشرقٌ، وإن كان طفيفًا، للأمر. فبجعله انشقاق المجموعات الشظيّة المؤيدة للدولة الإسلامية (IS) أكثر جاذبية، قد يضعف القرار الذي اتخذته بوكو حرام بإعلان ولائها للدولة الإسلامية النهج طويل المدى والمتروي الذي تبنته القاعدة للانتشار عبر القارة، فكلا التنظيمين يتبنيان نهجين مختلفين، بشكلٍ ما، في جعل وجودهما ملموسًا. تريد الدولة الإسلامية (IS) أن يؤمن العالم أنها موجودةٌ في كل مكان، وأنها طرفٌ رئيسي حتى في المناطق التي لا يعدو وجودها فيها كونه هامشيًا. وعلى النقيض، تريد القاعدة أن يعتقد العالم أنها ليست موجودةً في أي مكان. ففي أعقاب انشقاق الدولة الإسلامية (IS) عن القاعدة، أعلنتا كلٌ من كتيبة عقبة بن نافع وإمارة القوقاز، أحد التنظيمات الجهادية بروسيا، أنهما تابعتان للقاعدة، وهو الادعاء الذي رفض العديد من المحللين الغربيين تصديقه حتى اللحظة التي أعلن فيها التنظيمان نفسيهما عن ذلك. ورغم أن الأدلة الحالية تشير إلى أن تنظيم ‘أنصار الشريعة’ بتونس أحد التنظيمات غير المعلنة التابعة للقاعدة، لم يفح التنظيم أبدًا عن ذلك علانيةً.

ويرجع السبب في تباين النهجين إلى خبرات التنظيمين المختلفة. فالدولة الإسلامية (IS) قد توسعت بسرعة ولم تتعرض لانتكاساتٍ عديدة على خلفية عالم الفوضى الذي خلفه الربيع العربي. لذلك، فإنها تفضل الإعلان عن وجودها في كل مكانٍ، من الجزائر حتى إندونيسيا، مغتنمةً الفرصة للانتشار غير المحدود. وعلى النقيض، وجدت القاعدة نفسها، على مدار خمسة عشر عامًا، مطاردةً ومحاصرةً بآليات مكافحة الإرهاب، مثل حملات الطيران الأمريكي. لذلك، رأت أن العمل تحت راياتٍ مختلفة وبعيدة عن اسم القاعدة والتوسع الهاديء لامبراطوريتها هو الطريق الأمثل لخلق وجودٍ جهاديٍ دائمٍ حول العالم.

ومع ذلك، فإن تكتيكات الدولة الإسلامية (IS) المتسرعة لم تؤدِ، فيما مضى، إلى تشويشٍ ملحوظ على النهج الأكثر ترويًا الذي تتبناه القاعدة، حتى بعدما استقطبت الدولة الإسلامية (IS) التنظيم الجهادي المتمركز في سيناء (أنصار بيت المقدس). ولكن الأمر اختلف بالتحاق بوكو حرام المؤخر بشبكة الدولة الإسلامية (IS)، وقد تجد القاعدة نفسها مضطرةً على التخلي عن ميزة استراتيجيتها التنافسية، ربما بجعل وجودها أكثر إفصاحًا، أو بمحاولاتٍ متسرعة لتنفيذ هجماتٍ أشد خطورة وأضعف تخطيطًا في سعيٍ لتأمين (والحفاظ على) شبكتها.

وبصرف النظر عن هذا البريق اللامع، تظل مبايعة بوكو حرام للدولة الإسلامية سحابةً حقيقية. هل من الممكن أن تصبح أكثر وحشيةً؟ لا يبدو ذلك مرجحًا. ولكن المرجح أن تعلن تنظيمات جهادية أخرى انضواءها تحت راية الدولة الإسلامية (IS) وأن تنبثق شظايا مؤيدة للتنظيم، متبنيةً علامته التجارية للشر. وربما تكون الطرق المتهورة التي تتخذها الدولة الإسلامية (IS) في سعيها للانتشار مزعزعةً للاستقرار، لا سيما إذا أفضى الحال بمنافسةٍ مع القاعدة. ولا شك أن الدولة الإسلامية (IS) ستستمر في إيجاد طرقٍ أكثر جدة لإيلام وإذلال ضحاياها، فهذا التنظيم الجهادي الشاذ، الذي يعمل بدأبٍ على أن يكون أكثر وحشيةً، يشوّه الصورة التسويقية للتطرف. وتكفي حقيقة أن مقالٍ، نُشر في ‘فورين أفيرز’، يحذر صراحةً من أن هزيمة القاعدة قد تصبح أمرًا سيئًا لأن ذلك سيعني كسب المزيد من الأرض بواسطة الدولة الإسلامية (IS)الأكثر تطرفًا، كي تخبرك بكل ما تحتاج معرفته.

ومن المعروف أن أسامة بن لادن أراد أن يعيد تصنيف القاعدة قبل وفاته، معتقدًا أن التهور والوحشية التي أصبحت معروفةً بهما – لا سيما بسبب الأفعال التي اقترفها التنظيم السالف على الدولة الإسلامية (IS)، القاعدة في العراق – قد تسببا في أن تخسر تأييدها في العالم الإسلامي. وربما لم يتبق للقاعدة طريق أفضل من تغيير الصورة الذهنية المعروفة عنها بأن تميّز نفسها عن العنف المفرط للدولة الإسلامية (IS).وحقيقة أن الدولة الإسلامية (IS) الآن أصبحت أمرًا واقعًا في عالمٍ، بدأ فيه الباحثون الغربيون أنفسهم يشيرون إلى القاعدة باعتبارها تنظيمًا معتدلًا نسبيًا، مثيرةً للقلق. وقد لا تعدو نيجريا كونها أول مثالٍ حيٍ يثبت خطورة الوضع.