نظرات واجمة تخترق الفضاء الواسع المحيط بها، وسكون مطبق على الطفلة “أمينة” وأختها الصغيرة بينما تنتظران دورهما للدخول إلى عيادة الطبيب.. كانتا تفترشان الأرض، وأجسادهما النحيلة بدت متناقضة تماما مع قطع القماش الفضفاض الذي كان يغطّيهما في مخيم لاجئي افريقيا الوسطى شرقي الكاميرون، ملاذهما الأخير بعد رحلة شاقة وطويلة انطلقت من بلدتهما الأصلية في افريقيا الوسطى “بوسامبيلي” (شمال شرق)، لتبلغا الكاميرون في مارس/ آذار المنقضي، وقد تحوّلت أجسادهما النحيلة إلى هياكل عظمية بسبب سوء التغذية والجوع.
بنبرات مهزوزة وغير واثقة، بدأت أمينة تروي رحلتها مع الألم والتشرّد، مذ غرقت بلادها (افريقيا الوسطى) في أوحال النزاعات الطائفية التي لا تنتهي.. وباستغراقها في الحديث، اتّسمت كلماتها باتّزان وثقة أكبر.. قالت للأناضول “لقي والداي حتفهما منذ بداية الحرب (الأزمة)، فلقد جاءت عناصر من أنتي بالاكا (ميليشيات مسيحية)، وذبحتهما، ما اضطرّني وأختي للهرب.. في الخارج، كان الكثير من الأشخاص بصدد الفرار، فانضممنا إليهم.. ثمّ كان علينا المشي على الأقدام وسط الغابة لأيام وليالي، قبل أن نصل إلى الكاميرون”.
وحين توجّه مراسل الأناضول إلى الفتاة الصغيرة بالسؤال عن سنّها، لم تتمكّن من فهمه، ذلك أنّها لا تتحدّث سوى الـ “سانغو”، وهي إحدى اللهجات المحلية المستخدمة في افريقيا الوسطى. وحين أعاد السؤال عليها بهذه اللهجة، ردّت بأنّها لا تعرف سنّها، قبل أن تتوقّف فجأة عن الحديث، لتمتدّ نظراتها وتتوقّف على أختها الأصغر سنا منها.. “عائشة”، كان ذلك اسمها.. كانت نحيلة إلى درجة يخيّل للناظر إليها أنّها تعاني من مرض ما.. كانت في حوالي السابعة أو الثامنة من عمرها، ورغم أنّها كانت ترتدي بعض الثياب البالية، إلاّ أنّ ضلوعها كانت مرتسمة من تحت ردائها، لتشي بما تعانيه الصغيرة من ضعف في البنية..
“مرضت أختي منذ هروبنا من المنزل.. لم يكن لدينا ما نأكله، ومنذ ذلك الحين بدأت تفقد وزنها شيئا فشيئا، إلى درجة أصبحت معها عاجزة عن المشي”، هكذا أضافت “أمينة” ونظراتها مسمّرة على جسد أختها النحيل.
تعاني عائشة من سوء تغذية حادّ، وهي في ذلك لا تختلف كثير عن غيرها من لاجئي افريقيا الوسطى في مخيّم “تيمانغولو” شرقي الكاميرون، قالكثير منهم، بل السواد الأعظم من الأطفال يعاني من هذا المرض.
رئيس مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمنطقة شرقي الكاميرون “بيغي بينتشي آ مانينغ” قال، في تعقيب عن الموضوع للأناضول “أكبر تدفّق للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية جدّ في شهر مارس/ آذار من هذه السنة، وذلك عقب المواجهات المندلعة في افريقيا الوسطى بين سيليكا (ميليشيات مسلمة) وأنتي بالاكا.. لقد كان على البعض منهم المشي لمدة أسابيع طويلة قبل الوصول إلى هنا.. اللاجئون وصلوا في حالة صحية سيئة للغاية، ولقد قمنا بتشكيل آلية لمواجهة مختلف هذه الحالات على الفور”.
ووفقا لمعطيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإنّ “97 % من جملة لاجئي افريقيا الوسطى بمخيم “تيمانغولو” شرقي الكاميرون (والبالغ عددهم 6 آلاف إلى غاية شهر أغسطس/ آب 2014، بحسب المصدر نفسه)، هم من المسلمين، و57 % منهم هم أطفال”.
أكثر من نصف عدد الأطفال يبلغون المخيم وهم في حالة سيئة من سوء التغذية، ليتمّ التكفّل بهم طبيا، وهو ما جعل حالة الكثيرين منهم تتحسّن بمرور الوقت بصفة تدريجية.
“مانينغ” أضاف قائلا “يتم الكشف عن حالات سوء التغذية بمجرّد عبور النقاط الحدودية،  وحالات سوء التغذية الحاد مع مضاعفات تنقل في الحال بواسطة سيارة إسعاف إلى مستشفى المنطقة”.