ساكن قرطاج الجديد، يعرف جيّدا خبايا القصر، لكنّه يعرف أيضا أن قرطاج 2015 هو غير قرطاج في العهدين السابقيْن. لا يفتي مكتب الرئيس في كلّ شيء، و لا يقرر ما يشاء من قرارات و إجراءات، لكن مع ذلك انتظارات المواطنين كبيرة من الرئيس الجديد الباجي قائد السبسي.

الملفات المطروحة أمام الرئيس الجديد كثيرة، منها ما يتطلب حلولا عاجلة، ومنها ما سيأخذ وقتا لإصلاح كل الأخطاء التي ارتكبت في السنوات الماضية. الأمر يتعلق بملفات حارقة سواء امام الحكومة الجديدة، وكذلك أمام الرئيس الجديد الذي عليه أن يبلور في الأيام القليلة القادمة خطة واضحة لطمأنة التونسيين و لبعث رسالة أمل لديهم.

الملف الأمني

الأحداث التي اعقبت الإعلان عن نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية برهنت أن، الوضع الأمني يعدّ الملف الأكثر إلحاحا بالنسبة للرئيس، خاصة أن الأحداث تؤكد وجود إصرار من بعض الأطراف على تقسيم التونسيين و تهديد الوحدة الوطنية وبما أن الرئيس أقسم على ضمان وحدة الوطن، فإنّ الملف الأول الذي عليه أن يهتم به هو الملف الأمني باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة. الجهاز الأمني و العسكري قد استطاع في الأشهر الأخيرة أن يحقق إنجازات مهمة، في أرض المعركة ضد الجماعات المتطرفة، واستطاعت أن تنجح في تقليم أظافر الإرهاب في تونس، و تشن حملات كبرى ضد التهريب الذي يعدّ " إرهابا اقتصاديا" ينخر الدولة و يقضي على المؤسسات الاقتصادية الوطنية. الرئيس الجديد عليه أن يبني على هذه المكتسبات و أن يدعم إنجازات الجيش و الأمن في محارة الإرهاب و التهريب و الجريمة المنظمة. فهيبة الدولة أساسها تعزيز الأمن الذي سيفتح الطريق أمام بقية الإنجازات الاقتصادية و الاجتماعية. سيكون على الرئيس الجديد النظر و بسرعة في النقائص التي يشكو منها جهازي الأمن و الجيش، و تذليل كل الصعوبات التي تعترض طريق عملهما، منها ما هو تشريعي، ومنها ما هو مادي، ومنها ماهو بشري. سيكون على الرئيس التنسيق مع حكومته من أجل إعادة الأمن وفرض هيبة الدولة.

ترميم

الرئيس الجديد، الأستاذ الباجي قائد السبسي، يدرك أن عليه التحرك سريعا، في مجال العلاقات الخارجية من أجل ترميم العلاقات التي أفسدها سلفه المنصف المرزوقي. العلاقات مع الدول العربية و كذلك مع الدول الأوروبية و سائر دول العالم و خاصة العمق الإفريقي تحتاج إلى جهد كبير من الباجي قائد السبسي الخبير في العلاقات الدولية. رئيس الدولة تلقى عدة إشارات إيجابية من بلدان العالم، وعليه الرد سريعا ولو بزيارات مجاملة، من أجل ترميم ما تبقى منها، في انتظار إعادة رسم تلك العلاقات على أسس تقاليد الديبلوماسية التونسية العريقة. رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، و التي تحدث فيها عن دعم العلاقات بين البلدين وصولا إلى مرتبة الشراكة الكاملة، هي رسالة تقارب واضحة لا نعتقد أن الباجي قائد السبسي سيغفلها و هو الذي يعتبر تونس والجزائر امتدادا طبيعي و تاريخي لبعضهما البعض. الدول الأوروبية و أمريكا، التزمت بدفع التجربة الديمقراطية التونسية و اعترفت بنزاهة الانتخابات، ويمكن القول إنها منبهرة بالمعجزة السياسية التونسية التي تعتبر استثناء في الربيع العربي. وهذه المكاسب السياسية هي رأس مال رمزي على الرئيس الجديد أن يحسن استغلاله، ويوظفه لصالح تونس.

فقراء

الرئيس الجديد الذي ستكون الحكومة الجديدة مؤلفة من شخصيات سياسية من حزب نداء تونس أو من كفاءات قريبة من حزب النداء، ستكون معنية بإرسال رسالة طمأنة للتونسيين و للطبقات الفقيرة التي أرهقتها سنوات حكم الترويكا و الرئيس المرزوقي. الملف الاجتماعي لا يقل أهمية عن الملفين الأمني و العلاقات الخارجية، و المطلوب من الرئيس الجديد ومن حكومته بالتحديد أن تقدم مساعدات عاجلة لأولئك العاجزين عن تأمين الحد الأدنى من قوتهم اليومي. وقد فعلها السبسي ووزير الشؤون الاجتماعية في ذلك الوقت السيد محمد الناصر و ذلك بمضاعفة المنحة التي تسندها الدولة للعائلات المعوزة. وقدم منحة محترمة لكل أسلاك الوظيفة العمومية، وهي الزيادة الوحيدة في الأجور التي منحت للموظفين في القطاع العام، بقطع النظر طبعا عن الاتفاقيات الخصوصية. لكن عندما يتحدث حسين العباسي عن أن الموظفين لم يحصلوا على زيادات منذ ثلاث سنوات فهو يتحدث عن تلك الزيادة التي أقرتها حكومة الباجي قائد السبسي وتم صرفها في حكومة الترويكا الأولى. إجراءات من هذا النوع ستحقق استقرار اجتماعيا مطلوبا، يساهم في دفع التونسيين إلى النظر إلى الملفات الهامة و الإصلاحات الكبرى.