ساهم تجاهل الدول الأوروبية للأزمة الليبية وتداعياتها السلبية على المنطقة في تحويل هذا البلد إلى بوابة عبور للمهاجرين السريّين نحوها، وتثير السياسة الأوروبية في التعامل مع ظاهرة الهجرة السرية جدلا واسعا، حيث ينعكس التصدي لهذه الظاهرة على الحقوق الدولية للمهاجرين أنفسهم، باعتبار أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثالثة عشرة يؤكد حرية التنقل.

ففي سبتمبر الماضي، أفادت المنظمة الدولية للهجرة، بأن 78.372 ألف لاجئ وصلوا إلى أوروبا عبر البحر منذ بداية العام، فيما لقي 1728 حتفهم في البحر أثناء محاولتهم الفرار في مراكب متهالك. وأضافت المنظمة أن 20.859 ألف مهاجر وصلوا إلى إيطاليا هذا العام، وكانت نقطة انطلاقتهم من ليبيا، وهو عدد أقل من الفترة نفسها العام الماضي بنحو 79.7 في المائة، مشيرة إلى أن ذلك العدد هو الأقل منذ 2014، كما أنه أقل من الوافدين الذين سجلتهم السلطات الإيطالية خلال أشهر فردية على مدار السنوات الخمس الماضية.

ومنذ مطلع عام 2017، أعادت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 30 ألف شخص من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية.  وترى البعثة الأممية لدى ليبيا، أنه نظراً للظروف المنطوية على سوء المعاملة في الاحتجاز التعسفي والاحتجاز إلى أجل غير مسمى وغياب البدائل للاحتجاز، فإنه لا يمكن في بعض الحالات، وصف قرارات العودة بأنها طوعية بالكامل، وأنها قد تكون بالإكراه.

في نفس الإطار،قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته في شهر يناير إن سياسات الاتحاد الأوروبي تُسهم في حلقة من الانتهاكات الخطيرة ضد المهاجرين في ليبيا. كما يُسهم دعم الاتحاد الأوروبي وإيطاليا لـ "خفر السواحل الليبي" بشكل كبير في اعتراض المهاجرين وطالبي اللجوء، واحتجازهم التعسفي والمسيء فيما بعد في ليبيا.

قالت جوديث سندرلاند، المديرة المشاركة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: "المهاجرون وطالبو اللجوء المحتجزون في ليبيا، بمن فيهم الأطفال، عالقون في كابوس، وما تفعله حكومات الاتحاد الأوروبي يُديم الاحتجاز بدل إخراج الناس من الانتهاكات. الجهود الضئيلة، التي لا تعدو كونها ورقة توت، لتحسين ظروف المحتجزين وإطلاق سراحهم، لا تُعفي الاتحاد من مسؤوليته في المقام الأول في تمكين نظام احتجاز وحشي".

وكان حرس الحدود الإيطاليون ينسقون في السنوات الماضية عمليات الإنقاذ، على أن ينقل المهاجرون عادة إلى الشواطىء الإيطالية. لكن ومنذ حزيران/يونيو الماضي تغيرت سياسة الحكومة الإيطالية،حيث أعلن وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني،الذي يتزعم حركة رابطة الشمال اليمينية،أن موانئ إيطاليا لن توفر بعد اليوم أنشطة إمداد لسفن المنظمات غير الحكومية التي تنقذ مهاجرين عبر البحر. وحضيت السياسة الإيطالية الجديدة المتشددة التي ينتهجها رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بشأن الهجرة،بإشادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وذلك خلال لقائهما بالبيت الأبيض،الإثنين 30 يوليو 2018.

مؤخرا،أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي أن فرنسا ستمنح 6 زوارق لحرس السواحل الليبي. سيستخدم حرس السواحل القوارب لاعتراض المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط إلى بر الأمان، وإذا أمسكوا بهم، سيحتجزونهم في ظروف تعسفية ومسيئة، إلى أجل غير مسمى.

في هذا الإطار،دعت هيومن رايتس واتس فرنسا إلى  تعليق تسليم قواربها إلى أن تُنهي السلطات الليبية الاحتجاز التعسفي وإساءة المعاملة بحق المهاجرين. وبدلا من تأجيج حلقة مستمرة من سوء المعاملة، يتعيّن على فرنسا العمل مع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي لمواصلة عمليات الإنقاذ في البحر والسماح بالنزول في ميناء آمن، بما أن الأشخاص المستضعفين سيستمرون في الفرار من ويلات ليبيا.