بات ملف القوات الأجنبية والمرتزقة على رأس الأولويات في ليبيا، انطلاقا من ضغوط إقليمية ودولية لإجلاء المسلحين الأجانب، بما يسمح بفرض سيادة الدولة وبسط نفوذها على كل أراضيها، وتمارس واشنطن والإتحاد الأوروبي ضغوطا متزايدة في هذا الاتجاه، غير أن موقف الأوروبيين يبدو الأكثر حزما وإصرارا على ذلك في ظل توافقات أعضاء الاتحاد، وربطهم تقديم الدعم للسلطات الليبية الجديدة بغلق ملف المرتزقة نهائيا.

وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إن هناك شرطا واحدا مسبقا لعودة بناء البلاد، وهو ضرورة مغادرة جميع المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية للبلاد. وأضاف «سندعم بناء ليبيا، ولكن شريطة مغادرة المرتزقة للبلاد» وهو موقف تتبناه بالأساس فرنسا وإلمانيا واليونان والتحقت به إيطاليا، التي أوضح وزير دفاعها لورينزو غويريني، في جلسة استماع مشتركة مع لجنتي الدفاع بمجلسي النواب والشيوخ، اول أمس الخميس أن “عملية سياسية حساسة تجري في ليبيا، تطورت على خلفية وقف إطلاق نار هش يهدده وجود مرتزقة أجانب ورجال مليشيات”.

وخلال الأسبوع الماضي، استقبلت طرابلس رؤساء حكومات ووزراء خارجية من إيطاليا واليونان ومالطا وفرنسا وآلمانيا، كانت كلمة السر الجامعة بينهم هي دعم سيادة الدولة الليبية على أراضيها وإخراج المرتزقة وتنظيم الانتخابات في موعدها المحدد للرابع والعشرين من ديسمبر الماضي، بما يشير الى وحدة الموقف الأوروبي الذي تتبناه كذلك دول الجوار الليبي وخاصة مصر والسودان والجزائر وتونس

الضغط الأوروبي يتزامن مع ضغط أمريكي ، فواشنطن أصبحت أكثر اهتماما بالملف الليبي منذ تولي الإدارة الجديدة مهامها ، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن كان حاسما في دعوته خلال اتصال مع رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، الى "ضرورة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة" ، كما أن التنسيق الأمريكي الأوروبي في الموقف من الوضع في ليبيا أصبح أكثر وضوح ، ولاسيما من خلال البيان الخماسي المشترك الصادر عن  الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، والداعي إلى انسحاب «كل المرتزقة والمقاتلين الأجانب» من ليبيا، والذي رأي فيه المراقبون قرارا غربيا حازما لا يستثني إمكانية فرض عقوبات على الأطراف التي يمكن أن تعطل مسارات الحل السياسي في البلاد

وفي رسالة الى وزير الخارجية بلينكن ، طالب ثمانية من أعضاء الكونغرس الأميركي ، من بينهم  رئيس، اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومكافحة الإرهاب العالمي، تيد دويتش، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، جريجوري دبليو ميكس، إدارة الرئيس جو بايدن ب« ممارسة كافة النفوذ اللازم لإقناع أو إجبار المرتزقة الأجانب على مغادرة الأراضي الليبية، وفقا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار» الموقع في جنيف يوم 23 أكتوبر 2020، و«استخدام دبلوماسية ثنائية ومتعددة الأطراف صارمة تضمن احترام القوى الخارجية – بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة وشركائها – حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة» على ليبيا.

التوافق الأوروبي الأمريكي انعكس على مجلس الأمن الذي دعا في إعلان تبناه بالإجماع ، مارس الماضي ، إلى “انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون مزيد من التأخير”، وهو ما يسر مهمة البعثة الأممية للتحرك في هذا الاتجاه ، من خلال مبعوثها يان كوبيش الذي تحدث في مناسبات عدة عن ضرورة الإسراع بإجلاء المرتزقة عن الاراضي الليبية ، مشيرا الى  إن "انسحابهم من ليبيا سيساهم بشكل كبير في استعادة وحدة البلاد وسيادتها وتضميد الجراح العميقة التي سببتها سنوات عديدة من الصراع الداخلي والصراع النشط والتدخل الأجنبي".

ووفق بيانات الأمم المتحدة ، لا يزال هناك زهاء 20 ألف جندي ومرتزقة في ليبيا نهاية عام 2020 ولم تتم حتى الان ملاحظة أي حركة انسحاب، ورغم ما قيل عن بدء سحب أعداد من المرتزقة إلا أن شيء على الأرض يؤكد ذلك ، في ظل استمرار دفاع قوى الإسلام السياسي وبعض الزعماء الجهويين وأمراء الحرب في غرب البلاد عن التدخل التركي واعتباره شرعيا بالاعتماد على مذكرات تفاهم عقدتها حكومة فائز السراج مع أنقرة ، وهو ما شدد عليه رئيس مجلس الدولة الاستشاري والقيادي في حزب « العدالة والبناء » الذراع السياسي لجماعة الإخوان خالد المشري

يعتبر ملف المرتزقة أحد أبرز الملفات التي تواجه السلطات الجديدة، إن لم يكن الأخطر على الإطلاق، وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة اعتبر في كلمته أمام نواب البرلمان الليبي أن "المرتزقة خنجر في ظهر ليبيا، ولابد من العمل على إخراجهم ومغادرتهم، وهو أمر يتطلب الحكمة والاتفاق مع الدول التي أرسلتهم".

وهذا الموقف أكدت عليه وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بدعوتها إلى انسحاب "فوري" لكافة المرتزقة من البلاد بالقول: "نؤكد على خروج كافة المرتزقة وبشكل فوري من بلادنا".

كما طالب القائد العام للجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، حكومة الوحدة الوطنية بـ"العمل بكل قوة لإخراج المرتزقة ودعم القوات المسلحة والأجهزة الشرطية لتولي مهامها"، وأكد، أنه لن يسمح لأحد بالمساس بالبلاد أو التلاعب بمصيرها، مشددا على ضرورة فرض القانون والأمن وهيبة الدولة في الأراضي الليبية.

ووفق أغلب المراقبين فإن، قضية إخراج المرتزقة والمسلحين الأجانب، تحتاج الى التزام دولي واضح، كما شدد على ذلك مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش اللواء خالد المحجوب الذي أوضح أن "ترحيل المرتزقة من البلاد قرار ليس في يد اللجنة العسكرية 5+5 أو الدولة الليبية فقط، وإنما يتم تنفيذه وإنهاؤه بدعم من المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكذلك الدول التي أرسلتهم"،

لكن نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، ورغم اعترافه بأن إخراج المسلحين الأجانب من البلاد يعد مطلبا شعبيا، إلا أنه ربط ذلك بتوحيد الجيش الليبي، مشيرا الى أنه وفي تلك الحالة لن تكون هناك حاجة لهؤلاء المسلحين

يحتاج الحسم في ملف المرتزقة الى قرار دولي حازم ولكن كذلك الى إعادة جسور الثقة بين مختلف أطراف النزاع في الداخل الليبي، حتى لا يجد البعض مبررا للاستقواء بالمسلحين الأجانب والمرتزقة على أبناء وطنهم، أو باعتماد مغالبة مغشوشة على أساس الولاء لهذا الطرف أو ذاك بدل تكريس سيادة الدولة وتوحيد مؤسساتها.