لم يكن بروز التيار السلفي في تونس إلى السطح، نتيجة مباشرة لأحداث الثورة (يناير/كانون ثاني 2011) وإنما إفراز لفترة السلطوية السابقة، التي اتخذت من سياسة “تجفيف منابع التدين” خيارا لها.
أجواء الحرية في مرحلة ما بعد الثورة، ساهمت بشكل واضح في توفير مناخ خصب، لانتشار الظاهرة السلفية بأشكالها التقليدية والسياسية والجهادية.
إلا أن التيار الجهادي، نال اهتماما أوسع، نظرا لتورط أعضائه في اعتداءات على أنشطة فنية وقيامهم بأعمال عنف، أبرزها اغتيال قياديين يساريين، وهو ما أدى إلى تعطيل العملية السياسية في تونس، وكاد ذلك يقضي على التجربة الديمقراطية الوليدة في مهدها.
ويمكن التمييز بين 4 روافد للتيار السلفي الجهادي في تونس بعد الثورة:
* الرافد الأول: هم من كانوا في السجون التونسية، والذين اعتقلوا قبل الثورة لنشاطهم الجهادي، أو لانتماءاتهم الفكرية لتيار السلفية الجهادية.
* الرافد الثاني: هم من كانوا خارج تونس في جبهات القتال بالعراق وأفغانستان والشيشان وعدد من الجبهات الأخرى، وجلهم كان ينتمي لتنظيم القاعدة، وهؤلاء هم نواة التيار السلفي الجهادي.
* الرافد الثالث: هم رفقاء المساجين، الذين دخلوا السجن في إطار قضايا جنائية وتم استقطابهم داخل السجون.
* الرافد الرابع: هم الشباب الذي تم استقطابهم بعد الثورة، ويمكن القول أنهم الأقل سنا ويمثلون قاعدة هذا التيار أو الجيل الجديد من الجهاديين.
خلال عام 2011، برزت نقاشات داخل هذا التيار الوليد، كانت حول الالتزام بإطار تنظيمي من عدمه، هذا النقاش أفرز أول انقسام بين من كان يرون أنه ليس هناك جدوى وراء الالتزام بذلك، و كان على رأسهم أحد أهم مرجعيات السلفية الجهادية، الخطيب الإدريسي.
في المقابل رأى عدد آخر ضرورة وجود إطار لهذا التيار، وكان على رأس هؤلاء، سيف الله بن حسين الملقب بأبي عياض.
نقطة الخلاف بين الجانبين، كانت حول اختيار ساعة الصفر لانطلاق الجهاد على أرض تونس، فالإدريسي كان يرى أنها لم تحن بعد، في حين يرى أبو عياض أنها حانت ومن الضروري الاستعداد لها من خلال بناء تنظيم يشرف على العمل الجهادي.
ومنذ ذلك الحين، بدأ أبو عياض في تأسيس تنظيم “أنصار الشريعة” وبنائه، تاركا وراءه من خالفه في الرأي.
تطور نشاط أنصار الشريعة وتورط في العنف واستجلاب السلاح لتونس في إطار “الإعداد”، إلى أن تم اعتباره تنظيما إرهابيا من قبل حكومة “الترويكا” التي كانت تقودها حركت النهضة في أغسطس/آب 2013.
دخل التنظيم مرحلة أخرى بانتهاجه العمل السري، بشكل كامل، وفي هذه الأثناء، وقع الانقسام داخل التيار السلفي الجهادي على المستوى المركزي بين تنظيم “داعش” بقيادة أبي بكر البغدادي الذي أعلن الخلافة، وبالتالي طالب بالبيعة له، وجبهة النصرة التي مازالت تبايع تنظيم القاعدة وعلى رأسها أيمن الظواهري.
هذا الانقسام ألقى بظلاله على تنظيم “أنصار الشريعة” في تونس، الذي انقسم بدوره بين من بايع البغدادي ومن بايع الظواهري.
ومؤخراً، يصعب القول أن السلفية الجهادية لها حاضنة شعبية في تونس، فتصنيفها من قبل الحكومة التونسية كتنظيم إرهابي، أفقدها أي زخم وامتداد شعبي.
جل الفاعلين في هذه التنظيمات الآن خارج تونس، وتعتبر سوريا وجهتهم الأولى، حيث أفادت تقارير إعلامية أن قرابة 5 آلاف تونسي يقاتلون في سوريا، وهم منقسمون بين جبهة النصرة وتنظيم “داعش”.
ويعد أبو بكر الحكيم (أبو مقاتل) المتهم باغتيال شكري بلعيد، من أبرز الوجوه التي تقاتل في سوريا تحت راية داعش، وسبق وأن ظهر في تسجيل فيديو وتبنى اغتيال بلعيد والبراهمي ودعا إلى الالتحاق بداعش.
المكان الثاني الذي يقصده جهاديو تونس، هو ليبيا، حيث يتواجد عدد من القيادات لما كان يعرف بأنصار الشريعة، ومنهم “أبو عياض” الذي تفيد مصادر أنه مازال من مبايعي القاعدة، في حين بايع أحمد الرويسي تنظيم “داعش”.
وتفيد مصادر أمنية، أن عدد من الذين يقاتلون الآن في مدينة سرت الليبية تحت راية “داعش” ضد قوات فجر ليبيا هم من جهاديو تونس، وتقدر أعدادهم بين العشرات والمئات.
لكن عددا من الجهاديين، لا يزالون في تونس، وهم ينشطون في خلايا جهادية بمناطق جبلية نائية، مثل جبال الشعانبي، ويهجمون بين الفينة والأخرى، قوات الأمن، وأشهرها ما يعرف بكتيبة عقبة بن نافع، والتي تفيد عدد من المعطيات أنها تابعة لتنظيم القاعدة، ويقدر أعداد المنتسبين لها بالعشرات.
وقد تكون عملية “باردو” الأخيرة والتي راح ضحيتها 23 قتيلا من بيهم 20 سائحا، قد زادت في الانقسام، بين التيارين، إذ يمكن القول أنها العملية الأولى التي يتم يتبناها تنظيم “داعش” من خلال عدد من المواقع وحسابات على موقع “تويتر” المحسوبة عليه.
وفي نفس الوقت، تم نشر تسجيل صوتي بتبني العملية لأنس الفقيه، القيادي السابق لأنصار الشريعة في المهدية، والمطلوب للأمن التونسي حاليا، ويفهم من خلال الشريط، أنه مازال يبايع تنظيم القاعدة.
وبهذا تكون عملية باردو، هي العملية الأولى التي يتبناها تنظيم “داعش” وتنظيم القاعدة في نفس الوقت، الأمر الذي يبين التنافس والانقسام بين الجانبين.
وحسب وزارة الداخلية، فإن الخلية التي نفذت هجوم “باردو” لها علاقة بكتيبة عقبة بن نافع التي مازالت محسوبة على القاعدة، الأمر الذي يرجح أن تكون القاعدة هي من تقف وراء الهجوم.
وإلى جانب التيار الجهادي، يوجد في الساحة التونسية عدد من المكونات السلفية الأخرى، لعل من أهمها حزب جبهة الإصلاح الإسلامية التونسية، المرخص له في مارس/آذار 2012.
ويرى عدد من الباحثين أن تجربة جبهة الإصلاح، هي أقرب ما تكون إلى تجربة السلفية الدستورية في الكويت، التي تعترف بالدولة وأطرها وتساهم في الحياة السياسية.
كما توجد السلفية العلمية، وهي مرتبطة بالسلفية في المملكة العربية السعودية، وهي معنية بالعمل الدعوي وتصحيح العقائد ومقاومة البدع حسب أدبياتهم، ومن أبرز رموزها في تونس، الشيخ بشير بن حسن.