أين النخبة ؟ لماذا لا تعلب النخب دورها المنوط بها، ألم تعد مجتماعتنا في حاجة الى نحبها الفكرية والثقافية، ألم تعد هناك حاجة للفكر من أجل الاصلاح والتنمية والتوعية ووقف "ألة " العنف التي أضحت تحصد كل شئ ولا تقدم بدائل؟

 نعيش عالما تتولد فيه الخلافات والصراعات ويوأد فيه حق الاختلاف، تساءل حول الافق والأفاق الممكنة لإعادة الامور إلى نصابها، لاشك ان للفكر دور وللمفكرين مهمة، من أجل التغيير.

 أسئلة وغيرها حملناها إلى المفكر المغربي حميد لشهب أستاذ علم النفس الإكلينيكي بالنمسا، والذي يلخص غياب المفكرين والنخب بالقول: "لم يعد هناك مفكرون "أحرار" باستطاعتهم التأثير المباشر في واقع مجتمعاتهم، على الرغم من حظورهم المستمر، وإطلالاتهم القليلة"، نص الحوار:

- لاشك أن للنخبة دورا مهما في قيادة الشعوب نحو الافضل، لكن أين هي النخبة ولماذا تغيب مغربيا ومغاربيا وعربيا؟

- أود في بداية جوابي التنبيه إلى أنه من الضروري فهم مصطلح النخبة في بعده العام وتحويله إلى جمع: نُخب، على اعتبار أن الأمر يتعلق بنخب في ميادين مختلفة. بهذا المعنى أنبه أيضا إلى أن النخب الفاعلة حاليا هي نخب اقتصادية وسياسية وإعلامية وعسكرية في المقام الأول، لأنها هي التي تتحكم بالفعل في زمام الأمور. ونسجل بحسرة محدودية النخب الفكرية والثقافية في الوقت الراهن، ليس فقط في العالم العربي الإسلامي، بل على الصعيد الكوني. لم يعد هناك مفكرون "أحرارا" باستطاعتهم التأثير المباشر في واقع مجتمعاتهم، على الرغم من حظورهم المستمر، وإطلالاتهم القليلة.

نُخب تقود نُخب الفكر

لغياب النخبة المثقفة مغربيا ومغاربيا وعربيا أسباب كثيرة أجملها في كونها مُقادة من طرف نُخب أخرى، وبالخصوص الإدارية والسياسية والمخبارتية. ففي مجتمعات لا تؤمن سياساتها لا بفكر ولا بثقافة ولا بضرورتهما للمجتمعات، بل تعمل ما في وسعها لتقليم أظافرها وتقزيمها والحفاظ عليها كديكور لا أقل ولا أكثر، أصبحت النخبة المفكرة والمتفلسفة عبارة عن موظفي دول، تتحكم في مصدر رزقها ورقابتها. وفي مثل هذه الظروف يغيب كل تأثير لهذه النخبة، وبالخصوص عندما تُقحم للتهريج لسياسة هذه الدولة ضد تلك، عندما تستعير حمى التناطح بين الحكام. أجازف بأطروحة ألخصها في التأكيد بأننا للأسف الشديد لم تعد لنا نخب ثقافية وفكرية، بل فقط موظفوا دول، يتقاضون أجر شهري كموظفين حكوميين، إما للصمت أو إن حدث أن تكلموا أو كتبوا لمؤازرة السياسيات المتبعة لبلدانهم. وبهذا غاب الحس النقدي والبعد القومي عند أغلبية "مفكرينا".

...غياب مساهمة النخبة مطروح

- في ظل الصعوبات التي تعرفها منطقتنا المغاربية: انتشار الوباء، التباعد السياسي، تحطم أحلام انشاء المغرب العربي الكبير، انتشار "الإرهاب" والعنف يظل سؤال النخبة مطروحا؟.

- قد أعدل الطرح قليلا وأقول: "يظل غياب مساهمة النخبة مطروحا"، وهذا أمر وارد ولا غبار عليه، سببه الرئيس يتمثل في السياسات المتبعة البعيدة كل البعد عن أحد المبادئ المهمة للممارسة الديمقراطية، أي إشراك المواطن في كل قرار سياسي مصيري لبلده ومنطقته. هذا الغياب الديمقراطي يُخول للدول الإستفراد بالسلطة واتخاذ قرارات لا تكون بالضرورة في صالح شعوبها. تقاد الحروب بين الحكام العرب، سواء كلامية أو عسكرية، باسم شعوبها، وتحت ذريعة خدمة مصالح هذه الشعوب، وتتفرج هذه الأخيرة بلامبالات فضيعة في الكوارث التي تعصف بالمنطقة جراء نزوات نخبها السياسية والعسكرية.

...تكامل النخب هو "المفتاح السحري"

- هذا يجرنا إلى التساؤل عن الدور الذي يمكن ان تلعبه النخبة في حل المشاكل التي تعرفها المنطقة.

- إذا تحدثنا هنا بطريقة مثالية، وبدئنا في توزيع أوراق المسؤولية على مختلف نخب منطقتنا، فلا مفر من ربط كل هذه النخب ببعضها، لأن الواقع الفعلي الحالي يفرض علينا فرادى وجماعات أن نشتغل معا، لأن تكامل النخب هو "المفتاح السحري" للكثير من الصعوبات التي نعيش. فالنخبة السياسية مثلا، ولا أعني هنا نخب الأحزاب السياسية، بل من تنتخبهم الشعوب مباشرة في مؤسساتها البرلمانية، وتفرز حكومات، مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالرجوع المستمر للقاعدة (الشعوب)، وليس انتزاع الشرعية للحديث باسمها والإتفاق على قرارات لا تخدمها لا من بعيد ولا من قريب. بمعنى أن النظام البرلماني النيابي المعمول به، والذي يُفرز نخبة تسير، عليه مد اليد إلى نخب أخرى مُغمسة في هموم الشعب، والمنظمة فيما يُسمى "قوى المجتمع المدني". وتكامل النخب يعني أيضا التنسيق بينها، وهذا أمر لا يتم فقط في دهاليز اتخاذ القرارات السياسية، بل أيضا مباشرة في الميدان، حيث يعيش الناس.

....مفكرون يرفضون الإنسياق كخرفان فداء لسياسات حكومات غير الحكيمة

- بغض النظر عن القرارات والمواقف السياسية ذات الصبغة المتحولة هل يمكن للنخبة المغاربية ان تلعب دورا في احياء والحفاظ على تلاحم الشعوب وتقاربها وتضامنها؟

- إذا أخذنا الخلاف المفتعل بين الجزائر والمغرب، ودون الرغبة في أخذ موقف في هذا الإطار، فإننا نلاحظ بارتياح شديد مواقف نبيلة للغالبية العظمى للشعبين معا. وهي مواقف تعززها مواقف مفكرين أجلاء من الجانبين أيضا، الذين يرفضون الإنسياق كخرفان فداء لسياسات حكومتهما غير الحكيمة حاليا، وهذا أبسط توصيف لها. نفس الشيء نلاحظه في تونس الشقيقة، التي يظهر بأن ثعبان حكم الفرد الواحد قد أطل برأسه من جديد فيها، بما يُنتجه من مشاكل داخل المجتمع التونسي المسالم والمناضل من أجل حقوقه. أصوات الشعب التونسي، ممثلا بجمعيات المجتمع المدني، هي التي تمثل حاليا إرادة الشعب التونسي، والأغلبية الساحقة لنخب المجتمع المدني تطالب بالعودة إلى المسلسل الديمقراطي وتطويره بعيدا عن التناحرات السياسية بين أصحاب القرار في تونس وتلهفهم على الإستفراد بالسلطة.

نعم هناك حركية، ولو متواضعة للنخب المغاربية، المؤطرة للمجتمع المدني، تحاول المساهمة في حل العالق من المشاكل، والمزمن منها، في محاولة إلى الرجوع إلى مشروع بناء مغرب عربي قوي.

الشعوب المغاربية  ترقص على نفس الإيقاع و فن الأذواق متحد

- كيف لنا ان نحرك في الشعوب مبادرات تكون قادرة للتقارب السياسي بين الانظمة؟

- المشكل ليس في الشعوب، تكفي أغنية أسماء سليم أو لطفي بوشناق أو مريم حسن أو نعمان لحلو أو الزهوانية للبرهنة على أن شعوب موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ترقص على نفس الإيقاع وتتغنى بنفس الألحان. يكفي طبق كسكس للتأكيد على أن فن الأذواق متحد وعام بين هذه الشعوب. لا داعي للتذكير أيضا بعلاقات المصاهرة بين هذه الشعوب، التي تشكل فعلا تنوعا ثقافيا وبشريا واقتصادا واستراتيجيا مهما. المشكل مرة أخرى في النخب السياسية الحاكمة، التي تأخذ قراراتها في معزل عن شعوبها. لو أن البرلمانات في هذه الدول كانت تمثل فعلا شعوبها، لكانت خصصت جلسات منتظمة للتعبير عن إرادة الشعوب المغاربية في الإتحاد السياسي والإقتصادي والدفاع المشترك على حدودها واقتصادها ومصالحها. لكن للأسف أن برلمانيو دول المغرب العربي الكبير سابحون في تبرير سياسات بلدانهم فيما يخص شروط بناء هذا المغرب العربي الكبير. وبهذا المعنى فإن شعوبنا مسكينة ومغلوب على أمرها، وتتلذذ في لعب دور الضحية هذا، عوض تنظيم مظاهرات بانتظام مرات عديدة في السنة للمطالبة بإتمام مشروع المغرب العربي. المبادرة الأعظم حاليا هي مثل هذه المظاهرات، لأن بناء الوعي بقضية مشروعة وإيجابية هو الطريق السيار لتحقيق هذه القضية على أرض الواقع. من هنا، فإن أم قضايا شعوب تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا هي بالضبط بناء وحدة لهم.

- كلمة أخيرة

- موضوع الحوار يُعتبر مشروعا قائما بذاته ويستحق التعمق في مناقشته أكثر على نطاق واسع وباستمرار، لأن هدفه شريف وطموحاته تخدم في المقام الأول الإنسان المغاربي، المطالب هو أيضا بالمساهمة بدلوه لضمان إعادة بناء جديد لوعي المطالبة بتحقيقي فكرة المغرب العربي.