الفكر المضاد للنزعة الانفصالية عن المجتمع
احميدة النيفر هو أحد مؤسسي الحركة الإسلامية في تونس  بداية السبعينات قبل أن يغادر هذه الجماعة بسبب تعارض مواقفه وأفكاره مع أيديولوجيا التنظيم الذي حمل فيما بعد اسم "حركة النهضة".هو أحد منظري اليسار الإسلامي أو ما يسمى بالإسلاميين التقدميين. وقد ألّف عدّة كتب اهتمت بالفكر الإسلامي منها ''الإنسان والقرآن وجها لوجه''، كما طرح أفكاره في مجلة 15-21 التي كان أحد مؤسسيها.

في لقاء ببرنامج ''بورتريه باي موزاييك''، الأحد 29 نوفمبر 2020،  تحدّث المفكر التونسي احميدة النيفر عن انخراطه في التيار القومي عندما كان طالبا في سوريا وكيف انخرط لاحقا في التيار الإسلامي ونشأة الإتجاه الإسلامي الذي كان أحد مؤسسيه مع راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو. وتطرق إلى علاقة الإسلاميين ببورقيبة وبن علي وموقفه من الواقع السياسي الراهن وتقييمه لتجربة الإسلاميين في الحكم.

في باريس حيث نال شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة السوربون عام 1970، إلتقى احميدة النيفر براشد الغنوشي الذي انتمى في وقت ما إلى الإتجاه القومي أثناء تواجده في سوريا،  ونشأت بينهما نقاشات  في الفلسفة والبعد الواحد للإنسان والثورة الصينية والفكر الفوضوي. ومهّدت تلك النقاشات في وقت لاحق إلى تأسيس الجماعة الإسلامية في 1972.

وفق احميدة النيفر إنّ منطلق تأسيس هذه الجماعة ارتكز على ثلاثة مبادئ أساسية وهي الحق في التعبير عن الآراء في بلاد يستأثر بها الحزب الواحد بالرأي، وأسباب استبعاد البعد الهوياتي من المشروع الوطني وثالثها أهمية الإنتظام الحركي. وأكّد النيفر أنّ السلطة في ذلك الوقت لم تكن هدفا ''ولو هدفا بعيدا''، مضيفا قوله '' نحن كنّا نبحث عن اسماع صوتنا والرغبة في السلطة جاءت في مرحلة لاحقة''

وبخصوص علاقة بورقيبة بالإسلاميين  يعتقد أنّ محاربة الإسلاميين من طرف بورقيبة لم تكن بسبب توجههم الإسلامي بل لأنهم عرضوا الإسلام خارج مجال الدولة، بينما الإسلام لدى بورقيبة هو مجال من مجالات الدولة.

أما في حكم بن علي، فقد تم التعامل مع الإسلاميين من نفس منظور بورقيبة، غير أن الفرق يمكن وفق النيفر في أن  ''بن علي أخذ من بورقيبة فكرة سيطرة الدولة على كل المجالات، ولكنه  على خلاف بورقيبة لم يكن له مشروع فكري، ومارس نفس السياسة بطرق أعنف".

وفي حديثه عن أسباب خروجه من الحركة الإسلامية قال إنّ ذلك جاء بعد ادراكه أنّ الدين  عند الجماعة (الإتجاه الإسلامي) هو دين الجماعة وليس المجتمع،  والانفصال  عن هذا المجتمع  يعبر عن نزعة طائفية.

ومن ضمن المواضيع التي تطرق إليها، دستور 2014 الذي اعتبره يمثّل  درسا لكلّ الشعوب العربية، مضيفا أنّ تعددية المجتمع لا يجب أن تكون تعددية صدامية. وقال النيفر في السياق نفسه إنّه يجب فرز الناس بناء على هويتهم الديمقراطية وليس بناء على خلفيتهم الهوياتية، ومدى اسهام مختلف الأطراف بمختلف توجهاتهم الفكرية في الحرية والعدالة والتنمية. وأكّد أن الإسلاميين يعيشون في داخلهم  حراكا، معتبرا أنّه يتعيّن عليهم  أن يصبحوا ديمقراطيين وداخل الحداثة واستيعاب التعدد وإلاّ فإنّهم سيندثرون، حسب تصريحه.

ويعتقد أنّ الإسلاميين في حاجة إلى إدراك يجعل منهم عنصرا فاعلا بعيدا عن ''فكر الجماعة''. وهم مدعوون إلى العمل المدني، حتى يساهموا في إنقاذ تونس. كما يرى النيفر بأنّ على القوميين والحداثيين أن يدركوا أنّ الثمانينات انتهت ويجب تقديم اجابات تنسجم مع الواقع.

احميدة النيفر وهابارماس

تعليقا على هذا اللقاء يرى الباحث وأستاذ السوسيولوجيا عبد الستار رجب وهو من أطر حركة النهضة، أن الحوار مع د. حميدة النيفر يحتاج إلى اعداد جيّد وتكوين ثقافي ومعرفي وتاريخي واسع وعميق.

 وفي تديونة على حسابه بالفايسبوك، كتب: "استمعت واستمتعت بالحديث الذي أدلى به المفكر د. حميدة النيفر في برنامج (Portrait) الذي يديره الاعلامي إلياس الغربي على إذاعة موزاييك منتصف هذا اليوم.. كم تمنيت أن يطول حديثه ويمتدّ زمن البرنامج.. تحدّث البروفيسور حميدة عن التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي المعاصر لتونس بمفردات مختلفة ونوعية وبمضمون لم نتعوّد الاستماع إليه بتلك الطريقة.. استيعاب وعمق واتزان وأفق يجعلك ترى ما يدفع بمسار الإصلاح السياسي والتجديد الاجتماعي أمرا ممكنا ومتاحا ومن دون كلفة.. يذكّرني المفكر حميدة بخطابه من حيث الدور الحضاري بما قام به هابرماس من احتضان ومرافقة للتغيرات التي حصلت في أوروبا الشرقية في تسعينات القرن العشرين.. المفكر حميدة النيفر مثال للمفكر الإسلامي الذي انغرس في بيئته الوطنية فأثمر فكرا وطنيا أصيلا .. لم يأخذ حظّه كما يجب وهذا مسؤولية الإعلام ودوائر نشر الثقافة والفكر .. كنت ولا أزال أقول أنّ تظافر جهود أمثال المفكر حميدة النيفر واجب وطني خاصة في هذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي التي تمرّ بها البلاد".