يتوجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هذا الأسبوع إلى الرباط والجزائر لإعادة عقد الحوار الاستراتيجي الذي تم إرجاؤه في تشرين الثاني/نوفمبر عندما اضطر الوزير إلى السفر إلى جنيف لإجراء مفاوضات عاجلة بشأن إيران. وفي حين أن المواضيع الأوسع التي سيتم مناقشتها لا تزال كما هي، إلا أن بعض التطورات المحددة في الموقف الدبلوماسي للبلدين ستشكل أيضاً أساساً للمحادثات.

يمثل المغرب والجزائر أهمية إستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة ويرجع ذلك بشكل كبير إلى قدرتهما على استئصال النفوذ المتنامي لـ "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي". هذا وتتواصل الإجراءات المتخذة ضد هذه الجماعة المتطرفة في جيوب كلا البلدين وكذلك في المساحات غير الخاضعة للسيطرة في منطقة الساحل الشاسعة. بيد، غالباً ما يعبر البلدان ذاتهما عن سخطهما عندما تركز الولايات المتحدة على إدارة الأزمات بدلاً من المصالح طويلة الأجل لتحالفاتها ذات الصلة. وقد تأسس "الحوار الاستراتيجي" في أواخر 2012 - بداية مع المغرب وفي وقت لاحق مع الجزائر - باعتباره فرصة لإعادة تأكيد الالتزامات الحالية، والسماح بإبداء اهتمام دبلوماسي رفيع المستوى بالمنطقة، ومواءمة السياسات، وربما التقدم في النهاية نحو شراكات أكثر أهمية.

والمغرب - الذي سيشارك فيه كيري في ترأس الحوار مع وزير الخارجية صلاح الدين مزوار - يبدو مهماً للولايات المتحدة من عدة جوانب. وبعيداً عن دعمه في عمليات مكافحة الإرهاب، فإن المغرب مستقر نسبياً كما أن عدد المتطرفين المحليين في البلاد على ما يبدو أقل مما هو عليه في دول المنطقة الأخرى. كما أنه يدعم تحالفه مع الولايات المتحدة من خلال الانخراط في تبادلات ثقافية وتعليمية.

ومنذ إرجاء حوار تشرين الثاني/نوفمبر، عمل المغرب على تعزيز وضعه في دول الساحل الواقعة إلى جنوبه. ففي شباط/فبراير، على سبيل المثال، سافر الملك محمد السادس إلى مالي وغينيا والجابون وساحل العاج للإشراف على اتفاقات التعاون الاقتصادي والتنمية والتجارة ومكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية. ويأتي تواصل المغرب الخارجي في وقت تعاني فيه دول شمال أفريقيا المجاورة من اضطرابات - وهي دول سعت في السابق إلى بناء نفوذ دبلوماسي في القارة. ورغم أن النفوذ الدبلوماسي للجزائر سوف يظل قوياً على الأرجح، إلا أن الجمود الداخلي في تونس، وليبيا - التي على وشك أن تصبح دولة فاشلة - كلها عوامل تمنح المغرب فرصة للصعود. وفي ظل وضع تونس المهتز - التي كانت في يوم من الأيام منافس المغرب من حيث الاستقرار والحداثة - يستطيع المغرب أن يبعث بمؤشرات حول وضعه "الاستثنائي" إلى الولايات المتحدة.

وربما يكون من باب المفارقة أن المغرب استفاد من اضطرابات جيرانه، حيث جذب المستثمرين والسياح الذين كانوا يستثمرون عادة في أجزاء أخرى من المنطقة ويقومون بزيارتها. وقد عززت تلك التطورات من سعي الرباط لكي تصبح رائداً إقليمياً، مع إبداء اهتمام جديد بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وهذه اليد الممدودة قد تساعد المغرب في الحصول على دعم لمزاعمه القديمة بشأن الصحراء الغربية - وذلك من حلفائه في الساحل وشركائه الغربيين على حد سواء. إن تزايد النفوذ في القارة الأفريقية يحمل في طياته كذلك وعداً بتزايد الفرص التجارية، وربما الوصول إلى الموارد الطبيعية، في وقت تراجعت فيه التجارة وجهود التكامل فيما بين دول المغرب العربي.

يجب النظر أيضاً إلى تكثيف المغرب لتواجده في الساحل في سياق إقصائه السابق من المبادرات متعددة الأطراف مثل "لجنة أركان العمليات المشتركة"، التي يقع مقرها في الجزائر والتي تشمل كذلك مالي والنيجر وموريتانيا. والنقطة الأخرى التي تجدر الإشارة إليها هي عدم عضوية المغرب في الاتحاد الأفريقي، على الرغم من أن المغرب اختار الانسحاب من هذه الهيئة. ومع ذلك، فإن الفكرة بأن أمن الساحل لا يهم المغرب - وهي حجة غالباً ما كانت تدفع بها الجزائر التي تشمل أراضيها الجنوبية جزءاً من الساحل - تم إضعافها من خلال "إعلان الرباط" بقيادة المغرب في أيلول/سبتمبر، والذي أقر إنشاء منشأة تدريب مشتركة لأمن الحدود. وقد نالت هذه الجهود الثناء من جماعات مستاءة ومتحمسة لتشويه سمعة الجزائر بسبب أدائها في اضطرابات مالي، وعمليات مكافحة الإرهاب، بل ودورها الإقليمي بشكل عام. وعلاوة على ذلك، ألمح الإعلان إلى إعادة مواءمة نفوذ الساحل بما يصب في صالح المغرب.

 

وفي الجزائر، سوف يشارك كيري في رئاسة الحوار مع وزير الخارجية رمضان العمامرة. وسيكون من بين مواضيع النقاش الجوهرية على الأرجح تنويع اقتصاد الجزائر، في ضوء تراجع إنتاج النفط في البلاد، وهو اتجاه له تداعيات هامة على  التجارة بين الولايات المتحدة والجزائر وعلى قدرة الجزائر على توزيع الإيرادات وإرضاء شعب يزداد جنوحه للهياج. وتضغط الولايات المتحدة منذ فترة من أجل أن تنوع الجزائر من قطاعاتها التصنيعية والتصديرية، فضلاً عن فتح أسواقها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجزائر، شأنها شأن المغرب، تتولى تنظيم مبادرات اقتصادية في منطقة الساحل.

والبند الآخر الذي يمكن إدراجه على جدول الأعمال هو قيمة الجزائر كشريك في مكافحة الإرهاب. ففي العام الماضي، منح الجزائريون فرنسا حقوقاً غير مسبوقة للطيران في أجوائها في بداية عملية "القط النمر" - وهو التدخل المستمر في شمال مالي بهدف مجابهة انتهاكات المقاتلين الإسلاميين في الأجزاء الوسطى والجنوبية الأكثر كثافة بالسكان في البلاد. وقد سعت الجزائر كذلك إلى تسهيل المحادثات بين الحكومة المالية والطوارق بشأن منح استقلالية أكبر للطوارق في منطقة شمال مالي المتنازع عليها والمعروفة باسم أزواد. وغني عن القول أن الجزائر تسعى دائماً إلى تجنب طلب مساعدة المغرب في مثل هذه المبادرات.

وفي مالي ومنطقة الساحل بشكل عام، كانت الجزائر ذو الطابع العسكري المتزايد تسعى إلى مكافحة الإرهاب من خلال القوة الخشنة. ويتناقض هذا النهج مع اسلوب المغرب في استخدام القوة الناعمة، ويشمل ذلك تصدير نموذج الفقه الديني الرسمي الذي تقوده البلاد والمساجد التي تتولى الدولة تمويلها وإدارتها ونموذج المرشدات الدينيات. لكن الجزائر نفسها بدأت مؤخراً بعض ممارسات القوة الناعمة. ويتبع كل من المغرب والجزائر بصفة أساسية مدرسة الفقه المالكي الإسلامية، وعقب المبادرة التي بدأها المغاربة في أيلول/سبتمبر، اتخذت الجزائر خطوات نحو تصدير نموذجها الديني الذي تديره الحكومة إلى مالي. ومن ثم يبدو أن نهج الجزائر السابق القائم على "استئصال الإرهاب ومواصلة استئصاله" على حدودها قابلاً للتعديل.

بيد أن المغرب الذي وسّع نطاق جهوده للتدريب الديني إلى تونس وليبيا، لا يزال يبدو سائداً في المنافسة على كسب النفوذ في مالي. ويمكن أن يرجع الفضل، جزئياً، إلى التصور المألوف بأن الجزائر ترى مالي كدولة تابعة إلى الدعاية الحكومية المغربية. كما يعتبر المغاربة أكثر "قبولاً" من الجزائريين، وهذه نقطة نفوذ أخرى.

الاعتبارات المستقبلية

1. يمكن تعزيز قبضة الجزائر إذا لم تنجح مساعي القوة الناعمة التي ينتهجها المغرب وتدعمها الولايات المتحدة بقوة مع مرور الوقت. لم نر بعد ما إذا كانت مساعي المغرب لتدريب الأئمة الماليين وغيرهم سوف تكلل بالنجاح، لا سيما في المناطق التي تأصلت فيها ديناميات المتطرفين بقوة على الصعيد المحلي، وأصبحت تأخذ في بعض الأحيان طابعاً قبلياً، ومن ثم ليس دينياً وإنما جنائياً. وفي الواقع أن الفارق الرئيسي بين نهج البلدين في التعامل مع "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي" هو أن المغرب ينظر إلى «القاعدة» باعتبارها جماعة أيديولوجية بينما يراها الجزائر تنظيم إجرامي. وكلا النهجين يمثل أهمية، كما أن الأسئلة بشأن موقف المغرب لها ما يبررها. وقد يكون المغاربة قادرون على استئصال المشاركة وأعمال التجنيد المحدودة، لكن التعامل مع القيادة وروابطها بالجماعات الإجرامية، يشكل تحدياً آخر. إن عدم قدرة المغرب على تطهير حدوده من العناصر الإسلامية المتطرفة قد وفّر مادة خصبة للمشككين. وأي ضعف متصور في موقف المغرب ربما يعزز من موقف الجزائر باعتبارها "الخيار الأفضل" لشراكة مكافحة الإرهاب في المغرب العربي. وفي غضون ذلك، فإن النهج الثنائي يوفر ميزة استراتيجية للولايات المتحدة في مكافحة "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي"، وينبغي على واشنطن مواصلة العمل بشكل منفصل مع كل بلد.

2. ربما كان الأداء الهزيل للجزائر أثناء أزمة رهائن سوناطراك عام 2012 حادثاً معزولاً. لقد قال البعض إن هذا الحادث الذي استولت فيه مجموعة من المقاتلين التابعين لـ "تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي" على منشأة غاز في عين أميناس، التي تعرض فيها عشرات الرهائن إلى القتل، أظهر أن الجزائر ضعفت كشريك في مكافحة الإرهاب. لكن منذ ذلك الحادث ضاعفت الجزائر جهودها لحماية بنيتها التحتية النفطية وحماية العمال الأجانب. وفي غضون ذلك أُعيد افتتاح منشأة سوناطراك رسمياً.

 

3. ينبغي أن تظل إدارة أوباما على وعي بالسخط المتنامي في الجزائر. كسبت مؤخراً بعض الحركات التي تستهدف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة - مثل "حركة بركات" و جبهة "رفض" - الكثير من الزخم. وعلى مدار الأسابيع القليلة القادمة، يرجح أن يكون رجال الدولة الجزائريون منشغلين بالشؤون السياسية الداخلية المرتبطة بانتخابات 17 نيسان/أبريل. وفي حين يخطط الوزير كيري لمناقشة مسألة "تعزيز المجتمع المدني" مع الحكومة الجزائرية، إلا أنه من غير المرجح أن يمارس ضغوطاً قوية لتطبيق إصلاحات سياسية قبل الانتخابات المقبلة. وعلى الرغم من أنه ينبغي على واشنطن أن تراقب حركات المعارضة، إلا أنه يجب عليها أن تتذكر أن بوتفليقة لا يزال يتمتع بدعم كبير على المستوى الوطني - وأن المزايا الاقتصادية والخبرة في مكافحة الإرهاب التي تقدمها القيادة الحالية هي رائعة جداً بما لا يبرر الإخلال بشكل كبير بالوضع الراهن.

4. لا تزال التحديات أمام الإدارة الأمريكية قائمة فيما يتعلق بالصحراء الغربية. يبقى التوازن الصعب في إثبات التعاطف بشأن الجوانب الإنسانية للوضع مع دعم حل تفاوضي يأخذ في الاعتبار المصالح الإقليمية للمغرب. ويستطيع الوزير كيري أن يضع بصمته الشخصية على العملية الجديدة التي أيدها الرئيس أوباما لدى استضافته الملك محمد السادس في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وكان الهدف من اللقاء ذاته هو تعزيز العلاقات الثنائية عقب قرار مجلس الأمن الصادر في 2013 والقاضي بإدراج فقرة لمراقبة حقوق الإنسان في قرار التجديد لـ "بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية". وقد ذهلت المغرب من الإجراء الذي ساندته الولايات المتحدة، ونشبت إثر ذلك أزمة ثنائية متكاملة الأركان. وفي 24 آذار/مارس فقط، أدلت الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر بشهادتها أمام لجنة خاصة في الكونغرس الأمريكي بشأن الانتهاكات المغربية لحقوق الإنسان ضد المنشقين الصحراويين وضغطت من أجل توسيع مراقبة حقوق الإنسان بموجب تفويض "بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية". يتعيّن على كيري التطرق إلى هذا الأمر بحذر: ففي الوقت الذي تكون فيه الأصوات الداعية إلى إحداث تحول سياسي مشروعة وتستحق إفراد مساحة لها، تحتاج الإدارة الأمريكية إلى مواصلة العمل والتعاون مع المغاربة الذين لا يزالون يشعرون بالغضب جراء أزمة العام الماضي.

*ڤيش سكثيفيل هي زميلة الجيل القادم في معهد واشنطن.