ارتفع نسق الاتصالات والمشاورات بين مختلف الفرقاء السياسيين لبلورة “تفاهمات اللحظة الأخيرة” التي من شأنها إبعاد البلاد عن حافة الهاوية التي اقتربت منها كثيرا خلال الأيام الثلاثة الماضية التي اتسمت بنفخ متزايد في نار الفتنة التي غذتها تصريحات ومواقف غير مسؤولة عكست تمسكا بالبقاء في السلطة حتى لو أدى ذلك إلى الدفع بالبلاد نحو المجهول.
ومع تصاعد هذه الاتصالات عشية تنصيب البرلمان التونسي الجديد، كثفت حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي من مناوراتها السياسية، ومن الرسائل “المُشفرة” التي بعثت بها في أكثر من اتجاه دون أن تُغفل “مغازلة” حركة نداء تونس برئاسة الباجي قائد السبسي المرشح للدورة الثانية من الاستحقاق الرئاسي.

ويعقد البرلمان التونسي الجديد المنبثق عن انتخابات 26 أكتوبر الماضي، غدا الثلاثاء أولى جلساته برئاسة أكبر النواب وبمساعدة أصغرهم أو أصغرهن سنا، ويتضمن جدول الأعمال أداء النواب قسم اليمين، وانتخاب رئيس البرلمان الجديد ونائبين اثنين له عبر التصويت السري وبالأغلبية المطلقة.

ويرى مراقبون أن تحركات حركة النهضة، تندرج في سياق تحسين شروط تفاوضها مع حركة نداء تونس برئاسة الباجي قائد السبسي، والبحث عن تفاهمات قد تُخرجها من المأزق الذي وقعت فيه بخداعها وازدواجية خطابها الذي كاد يُدخل البلاد في المحظور.

وترغب هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في الضغط باتجاه منحها رئاسة البرلمان الجديد، ولا تتردد في المساومة على هذا المنصب من خلال التلويح بإمكانية التخلي عن دعم مرشحها للرئاسة منصف المرزوقي، وفسح المجال أمام الباجي قائد السبسي للوصول إلى قصر قرطاج.

كما تريد حركة النهضة الإسلامية إشراكها في الحكومة الجديدة، والدخول في تحالف مع حركة نداء تونس، وهي تضغط في هذا الاتجاه من خلال تسريبات إعلامية حينا، ومواقف مهادنة حينا آخر، وذلك بهدف إرباك المشهد، والإيحاء بأن المعادلة السياسية التي أنتجتها انتخابات 26 أكتوبر قد تتغير عناصرها على ضوء الدورة الثانية للاستحقاق الرئاسي.

ودفعت هذه التطورات التي لم تتخلص بعد من الضباب الكثيف المحيط بها، بعض الأوساط إلى التعبير عن خشيتها من إمكانية التوصل إلى تفاهمات أو مساومات في اللحظة الأخيرة قد تعيد المشهد السياسي إلى مربع المُحاصصة الحزبية الذي عانت منه البلاد خلال حكم الترويكا بقيادة النهضة.

غير أن المتابعين للتحركات السياسية، يستبعدون مثل هذا الأمر لاعتبارات أبرزها أن هامش المناورة لدى نداء تونس أوسع بكثير من هامش حركة النهضة، ويُنتظر أن يتوسع بعد دخول حزب سليم الرياحي إلى مربع الحراك القريب من حركة نداء تونس.

ويُنظر إلى الكتلة النيابية لحزب سليم الرياحي على أنها ستكون رمانة الميزان التي ستُفقد حركة النهضة القدرة على المناورة، وذلك دون احتساب كتلة الائتلاف اليساري “الجبهة الشعبية” التي لن تكون أبدا في صف النهضة الإسلامية، مما يعني أن العد العكسي لأفول دور حركة الغنوشي قد انطلق، وسيتسارع نسقه مع انتهاء الدورة الثانية للاستحقاق الرئاسي لصالح السبسي.

وقال الناشط السياسي منذر ثابت لـ”العرب”، إن الحديث عن إمكانية إبرام السبسي لصفقة مع حركة الغنوشي لتشكيل تحالف حكومي، لا يستقيم، وليس في محله، ذلك أن “المناورات الأخيرة للنهضة قطعت سُبل التواصل، وهزت منسوب الثقة الضئيل الذي ظهر خلال المرحلة الانتقالية”.

ولكنه حذر في المقابل من أن هناك جناحا داخل النهضة “يدفع في اتجاه المواجهة، ويُمارس ضغطا لحسم اتجاهات السيرورة السياسية نحو لحظة ثانية وجدت قناة الجزيرة القطرية لها عنوان “الثورة الثانية”.

واعتبر في تصريحه لـ”العرب” أن ما جرى في الجنوب التونسي خلال اليومين الماضيين “ليس بعيدا عن هكذا سيناريو كارثي”، على حد قوله، وذلك في إشارة إلى التحركات الخطيرة التي قام بها الراغبون في الاصطياد في المياه الآسنة لدفع البلاد إلى حافة الهاوية.

ولم تكن تلك التحركات التي غذتها مواقف وتصريحات أنصار حركة النهضة ومرشحها المرزوقي معزولة عن السياق العام لمعركة التحالفات التي مازالت تنتظر تفاهمات حافة الهاوية، وهي بذلك ليست مفاجئة، ذلك أن القراءة المتأنية لدلالاتها تعكس التطورات المرتقبة ذات الصلة بالأجندة المحورية، أي مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة.

عن « العرب » الدولية