لكل دولة من بقاع المعمورة معالم سياحية تعد مراكز جذب للزوار، سواء أكانت تاريخية لم تفقد بريقها على مر العقود، أو حديثة كما هو الحال في الدول التي ليس لها مثل هذه المعالم، فخلقت لها نماذج عصرية يحج لها الزوار من أصقاع الأرض من أجل الوقوف على عتباتها وترسيخ لحظات مرورهم في المكان. وبين التاريخ والعصرنة، كيف هو حال معالمنا؟ أين يمكن للجزائري قبل الأجنبي أن يلتقط صورة للذكرى؟ سؤال حملناه معنا في جولة في عاصمتنا التي ليس خفيا أنها لا تجذب أحدا حتى سكانها.

 لا يمكن زيارة باريس دون التوقف أمام برج إيفل، أكثر الأماكن استقطابا للزوار في العالم، ويستحيل زيارة أمريكا دون أن تعرج على تمثال الحرية، والأمر سيان لسور الصين وتاج محل الهند، ولا يمكن أن نعد جميع المعالم في العالم.

وما يجمع هذه الأماكن أينما كانت أنها تستقطب ملايين الزوار عبر العالم، لأن القائمين على السياحة في هذه الدول استثمروا في هذه المعالم لتحافظ دائما على بريقها وسحرها، حتى وإن مضت عقود أو حتى عصور على بنائها، فتخضعها لصيانة دورية، والاهتمام نفسه تحظى به المساحات المحيطة بها. وحتى المعالم الحديثة نجحت في أن تكون عنصر جذب بامتياز، فـ”دبي مول في الإمارات العربية المتحدة” مثلا بلغ عدد زوّاره سنة 2013 نحو 75 مليون زائر سنوياً، ما يعادل العدد الإجمالي لزوّار برج “إيفل” الفرنسي وساحة “التايمز” في نيويورك ومنتجع “والت ديزني” الأمريكي. وهو بالتأكيد رقم خيالي، دون أن ننسى أنه يدرّ ملايين إن لم نقل ملايير الدولارات على البلاد.
وفي الجزائر، بعيدا عن الطبيعة العذراء التي حبانا بها الخالق، طبعا لسنا وحدنا في هذا، معالمنا ليست إلا هيكلا بلا روح، على قلّتها، فقدت جاذبيتها حتى عند الجزائريين فما بالك بالأجانب، ولم تهتد الحكومات المتعاقبة إلى التفكير في مجاراة جيراننا على الأقل، وإنشاء أخرى حديثة مثلما فكرت في مشاريع سكنية مليونية لم تجد طريقها لساكنيها.

مقام الشهيد المهجور

لا يمكن الحديث عن المعالم السياحية في العاصمة دون التوقف عند مقام الشهيد الذي كان، قبل بداية التسعينيات، أهم نقطة جذب للعاصميين والوافدين على العاصمة، فالمعلم المتربع على مساحة واسعة في أعالي المدنية، يمكن مشاهدته من أي نقطة من شوارع العاصمة، وهو المعلم الوحيد الذي لم نرثه عن المارين على مرافئنا. 

الصرح كان يتوفر على كل عناصر الجذب، فهو فضاء تجاري لأشهر الماركات العالمية، مهيأ أيضا للتسلية والراحة والترفيه، لما يضمه من قاعات سينما، مقاهٍ ومطاعم، قرية الحرفيين للترويج للصناعات التقليدية ومساحات شاسعة، كما أنه يسمح لزائره بأخذ نظرة شاملة وصورة بانورامية عن العاصمة، وحده المكان يتيحها لك.  لكن بعد أكثر من ثلاثة عقود من إنشاء “المقام” أو “المونيمو” كما يسميه العاصميون، فقد المكان سحره وتحول إلى صرح بائس مهجور لم يعد يجذب إليه إلا القلة القليلة من الفضوليين والعشاق الباحثين عن أماكن خلوة بعيدة عن أعين الرقيب، وأصبح المكان موحشا توقفت عقاربه سنة 1982، تاريخ إنشائه، لم يتم تحديثه، طاله الإهمال وليس فيه ما يجذب الزائر ويدفعه للتنقل إلى أعالي المدنية من أجل رشفة شاي. فمن ذا الذي يجازف بالمرور مترجلا على غابة الأقواس دون أن ترهبه وحشة المكان، أما المحلات فلم تعد تنفرد بعرض الماركات العالمية، وحتى القادمون من خارج العاصمة لا تغريهم زيارة “المقام” والتقاط صور بجوار النصب التذكاري المخلد لذكرى الشهيد، حتى أنه قد يتحوّل إلى موضع سخرية “شكون مازال يتصور فالمقام”، على رأي أحد الشباب العاصميين.

البريد المركزي.. مكان للمواعيد

بعيدا عن أعالي المدنية وفي قلب العاصمة في شارع العربي بن مهيدي، يعدّ مبنى البريد المركزي الذي هندسه الفرنسيون وزخرفته أنامل سوفية، من بين أكثر الأماكن استقطابا للجزائريين، ليس لأنه مبنى تاريخي يقصده الزوار لتأمل جمال هندسته واقتناص صورة بجواره، لكن لسحب أموالهم وبرمجة المواعيد والتسكع على سلالم المبنى الذي كادت تلتهمه النيران مرتين.
لكن لم يكن هذا هو الحال في الماضي، فالكثير منا يحتفظ في ألبوم العائلة بصور بجوار المبنى، فلماذا لم يعد الأمر كذلك اليوم؟ سؤال لم نجد له إجابة.
أما القصبة العتيقة، فلا شيء يشجع على زيارتها، لا أزقتها التي غرقت في القمامة، ولا بيوتها التي تنتظر التفاتة لترميمها من قبل أهل الاختصاص بعد أن أصبحت مقبرة لساكنيها، فمسلسل الانهيارات متواصل مع كل هبة ريح تأخذ معها قطعة من تاريخنا. والأمر أن عمليات الترميم أوكلت لغير أهل الاختصاص، فهم مقاولون لا يعرفون شيئا عنها ويتعاملون مع بناياتها وكأنهم يُشيّدون فيلا من الإسمنت والخرسانة، على رأي ساكنيها، في الوقت الذي كان يمكن استثمار المكان وتحويله إلى مركز جذب سياحي. ولا داعي لفتح هذا الحديث الذي يعدّ مادة دسمة لمسؤولينا الذين لطالما أطنبوا فيه، مطلقين وعودا “وهمية”. ونختم حديثنا هذا دون المقارنة بين قصبة الجزائر وبين قصبة الجارة تونس، لأن الكلام سيكون ذا شجون.

الحامة لحفظ ماء الوجه

الحدائق ومراكز التسلية تعد أيضا من بين أكثر الأماكن جذبا للسياح في العالم، والمقام هنا لا يسع لأن نعد عائدات نسخة “ديزني لاند” باريس حتى لا نقول الأصلية في أمريكا، ولنترك المقارنة تقف فقط في حدود “قرطاج لاند” التونسية.. لكن ماذا عن حدائقنا؟ هل مازالت تغرينا بقضاء يوم ممتع وترسيخ تواجدنا فيها للتباهي بين الأصدقاء أننا قصدنا حديقة تسلية وركبا السفينة وعربات “الجبل الروسي”.
بالتأكيد، لن نجازف بالتقاط صور أمام “الأطلال” إن لم نكن نريد حصد السخرية، فـ’’لاغروويت” أصبحت هيكلا أتى الصدأ على أعمدته ونبتت فيه الأعشاب، ولم تبق منه إلا قطع حديدية شوهت المنظر العام.. ولم يحفظ لنا ماء الوجه إلا حديقة التجارب في الحامة التي فتحت أبوابها بعد عمليات إعادة تهيئة فقط امتدت لسنوات.

ولا تزال الحديقة تستقطب الزوار من الجنسين ومن جميع الفئات العمرية، وهؤلاء لا يجدون حرجا طبعا في التقاط صور في الحديقة التي هندسها الفرنسيون، فسحرها لا يمكن أن لا تتوقف أمامه العدسة لتحفظ الذكريات.المضحك المبكي في كل ما ذكرنا، أننا لم نقم بإنشاء معالم جديدة، لكننا لم نحافظ حتى على ما ورثناه ولم نستثمر في طبيعتنا العذراء.. ولا أمل يلوح في الأفق، ففيما لا يشجع شيء على زيارة مرتفعات الشريعة والاستمتاع بثلوجها الطبيعية، عرف ساكنو الصحراء هناك في الخليج كيف يحاكوا جبال الألب واستنطاق الرمال لتتحول إلى جليد في قلب الصحراء.

*عن جريدة "الخبر الجزائرية "