تتصاعد حدة التجاذبات السياسية مع اقتراب موعد الاستفتاء المقرر إجراؤه في 25 يوليو/ تموز الجاري على مشروع الدستور الجديد والذي سيعقبه إجراء انتخابات برلمانية جديدة في ديسمبر/كانون الأول،وارساء استقرار سياسي قادر على ادارة البلاد بعد سنوات من الأزمات والصراعات السياسية التي أضرت بشكل كبير بالبلاد.

الى ذلك،جدّد الرئيس التونسي قيس سعيد، الثلاثاء، تأكيده على ضرورة احترام القانون وحياد كل مؤسسات البلاد خلال الاستفتاء المرتقب.وأشاد سعيد خلال اجتماعه،بقصر قرطاج، مع وزير داخليته توفيق شرف الدين،بالجهود التي تبذلها وزارة الداخلية التونسية استعدادا للموعد التاريخي يوم 25 يوليو/ تموز الجاري.

ووفقا لبيان الرئاسة التونسية فإن اللقاء استعرض الاختراقات التي طالت الأيام الماضية الموقع الإلكتروني المتعلق بتسجيل الناخبين والناخبات وتغيير مراكز الاقتراع الخاصة بالاستفاء على الدستور التونسي الجديد، مشيرا إلى أن ذلك "محاولة يائسة كالتي حصلت بمناسبة الاستشارة الوطنية لإدخال الفوضى والإرباك يوم الاستفتاء".

وأكد البيان، أنه: "تم فتح تحقيق قضائي في الواقعة، كاشفا عن أن :" 1700 هجوم إلكتروني أو اختراق، تم رصدها حتى الآن و سماع أقوال 7 أشخاص من قبل الجهات الأمنية المختصة في انتظار سماع كل من سيكشف عنه البحث والتحريات خلال الأيام المقبلة".

يأتي ذلك، في وقت تصاعدت فيه حدة التجاذبات السياسية،حيث اعتبر اتحاد الشغل التونسي أن التعديلات التي أدخلها الرئيس قيس سعيد على الصيغة الأولى من الدستور المعروض على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز الجاري،لم تراع التحفظات التي رفعها الاتحاد.وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، سامي الطاهري، في تصريح لإذاعة "موزاييك" المحلية،الثلاثاء، إن "التعديلات التي أجراها رئيس الجمهورية قيس سعيد على مشروع الدستور لم تراع جوهر اعتراضات وتحفظات المنظمة النقابية.

وأوضح الطاهري أن "اتحاد الشغل يعتبر أن مشروع الدستور لا يضمن التوازن بين السلطات، وينص على أن الرئيس فوق المحاسبة والمساءلة والمراقبة ويكرس سلطة فردية"".وأكد أن الاتحاد متمسك بموقفه من الاستفتاء المعلن عنه إثر انعقاد هيئته الإدارية الأسبوع الماضي، بحضور خبراء في القانون الدستوري، والذي نص على ترك حرية المشاركة في الاستفتاء لقواعده وحرية التصويت بنعم أو لا.

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل،قد أصدر مجموعة من الملاحظات بعد نشر النسخة المعدلة للدستور، معتبرًا أن "التوطئة لا تليق بدستور تونس ووضعت خصيصا لتبرير إجراءات 25 يوليو/تموز التي اتخذها سعيد، وتحقيق رغبة شخصية في كتابة تاريخ جديد".

واعتبر اتحاد الشغل أن "مشروع الدستور لم يأخذ بعين الاعتبار إرادة واختيارات المشاركين في الحوار الاستشاري ولا بمشروع اللجنة الاستشارية المكلفة بالصياغة، وانفرد واضعه بالرأي واستبد بالاختيار، عكس ما صرحت به التوطئة".وأشار الاتحاد إلى وجود إخلال بمبدأي الفصل والتوازن بين السلطات في مشروع الدستور الجديد، معتبرًا أنه "مكن رئيس الجمهورية من التحكم في جميع السلطات ووضع بين يديه جميع الصلاحيات وجعله فوق كل محاسبة ومراقبة، وحصنه من كل مساءلة سياسية أو جزائية".

ويستمر مسلسل الشد والجذب بين الرئيس ومعارضيه حيث أعلنت أحزاب معارضة لمسار الاستفتاء على الدستور الجديد،الثلاثاء، التقدم بدعوى قضائية ضد رئيسة الحكومة ووزرائها، وضد هيئة الانتخابات.وقالت أحزاب ما يسمى "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء"،أنها قامت ب "إيداع عريضتين في شكل إعلام بجرائم لدى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، ممضاة من الأمناء العامين لأحزاب العمال والتيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل والقطب"، بحسب بيان للأحزاب مجتمعة.

وكانت "الحملة الوطنية لاسقاط الاستفتاء" أعلنت قبل أسبوع أنها ستتقدم يدعوى قضائية ضد رئيسة الحكومة وهيئة الانتخابات.ودعت الحملة إلى مقاطعة الاستفتاء المقرر يوم الـ25 من يوليو/تموز الجاري، وعدم المشاركة بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان التصويت بـ"لا"، باعتبار أن ذلك فيه إضفاء للمشروعية على المسار المرفوض منذ البداية، وفق تعبيرها.

من جهة أخرى، أعلنت منظمة "أنا يقظ"،يوم الإثنين، رفع دعوى قضائية ضد كل من رئيس الجمهورية قيس سعيّد والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ممثلة بشخص رئيسها وممثّلها القانوني فاروق بوعسكر بتهمة "خرق أحكام القانون الأساس المتعلق بالانتخابات والاستفتاء والفساد الإداري".وأوضحت المنظمة في بيان صادر عنها نشرته بصفحتها على موقع "فيسبوك" أن الدعوى تأتي أيضًا بتهم تتعلق بـ"سوء استخدام السلطة أو النفوذ أو الوظيفة للحصول على منفعة شخصيّة إضافة إلى سوء التصرف في الأموال العامة وتبديدها واستغلال النفوذ وتجاوز السلطة وسوء استعمالها".

وعلاوة على الهجمات والانتقادات والضغوط المسلطة عليها من معارضي الاستفتاء،وجدت هيئة الانتخابات التي تشرف على تنظيم الاستفتاء نفسها في موقف صعب خاصة بعد الخلافات التي هزتها مؤخرا،حيث أعلن عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، سامي بن سلامة، أنه رفض حضور اجتماع للهيئة، مؤكداً أن تلك الدعوة غير قانونية بالأساس، وفق تعبيره.

وطلب أعضاء الهيئة من رئيس الجمهورية إعفاء بن سلامة من مهامه، لكن الأخير ردَّ في تدوينة على "فيسبوك"، قائلًا: "رفضت الحضور في اجتماع.. الدعوة إليه من أصلها غير قانونية وسخيفة".وأضاف بن سلامة أن "هناك مرشحين لعضوية هيئات فرعية مشكوك في استقلاليتهم، اتفقنا على تنحيتهم في المجلس السابق للهيئة، يوم الأول من يوليو، ومع ذلك وجدتهم في القائمة النهائية، وعندما اعترضت تم تجاهل اعتراضي".

وفي المقابل، جددت الأحزاب التونسية المساندة لمسار 25 يوليو، دعمها لمشروع الدستور الجديد، وأعلنت حركة الشعب، توجهها نحو التصويت لفائدة النسخة المعدلة من الدستور الجديد في استفتاء الخامس والعشرين من يوليو الحالي،ورأى حزب التيار الشعبي فرأى أن التعديلات الدستورية التي أدخلها سعيد على النسخة الأولى من مشروع الدستور "تفند مزاعم خصومه حول انفراده بالرأي.

من جانبه، دعا "ائتلاف صمود" المدني، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إلى فتح المجال للمشاركين في الحملة، لإعادة النظر في مواقفهم على ضوء التنقيحات الأخيرة التي أدخلها سعيد على مشروع الدستور.فيما رأى حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، أن التنقيحات التي طالت مضامين النص الأصلي، تعد خرقا جسيما ينجر عليه المساس بروزنامة الاستفتاء المعلن عنها، مطالبا هيئة الانتخابات بإلغاء هذه الروزنامة.

يذكر ان الرئيس التونسي قيس سعيد،أعلن عن النسخة المعدلة لمشروع الدستور في الجريدة الرسمية، الجمعة الماضي، وتحدّث سعيد عن أخطاء في نسخة مشروع الدستور الجديد الصادرة في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي، وعليه أصدر النسخة الجديدة التي تضمنت تعديلا شمل عدة فصول، ما زاد من حدة الانتقادات والاتهامات.

إلا أن الرئيس شدد على أن زمن الاستبداد ولّى بلا رجعة، مؤكداً أنه لن يعود لا بنص الدستور ولا بأي حكم تشريعي آخر.ورأى في كلمة له، أن الشعب التونسي سيحمي الديمقراطية ولن يسمح بعودة البلاد إلى الوراء.وأضاف أن الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء لا تراجع عنه، معتبرا أن من يدعي الخوف من الديكتاتورية هم أنفسهم من عاثوا فسادا، مشدداً على أن بعض الانتقادات التي طالت مشروع الدستور مسيسة ومعروفة المصدر، وفق تعبيره.

وطيلة السنوات العشر الماضية،عاشت تونس فترات من عدم الاستقرار السياسي،والأزمات على كل الأصعدة بسبب الأحزاب الحاكمة وصراعاتها.واعتبر الباحث في الشؤون الجيوسياسية رافع الطبيب،في تصريح لإذاعة "شمس اف ام" المحلية،إن الدستور يقطع مع المنظومة السابقة، مثمنا التأكيد على مسألة السيادة التونسية.واعتبر المتحدث التنصيص على إحداث مجالس للجهات والأقاليم نقطة إيجابية، مبينا أن مشروع الدستور جعل المواطن في قلب العملية السياسية.