مصطفى بن جعفر طبيب وسياسي تونسي وأمين عام حزب "التكتل"و رئيس المجلس الوطني التأسيسي في حكم الترويكا من مواليد العاصمة بتاريخ 8 ديسمبر 1940.

درس بن جعفر بالمدرسة الصادقية. ثم تابع دراسته العليا بكلية الطب بفرنسا في اختصاص الأشعة. وانتمى خلال الفترة الجامعية إلى الاتحاد العام لطلبة تونس. كما انتمى في مرحلة الخمسينات إلى
الحزب الحر الدستوري الجديد لينشق عنه سنة 1978 ويعلن بعد ذلك عن تأسيس حركة الديمقراطيين الإشتراكيين.
ولكن بعد المنعرج الخطير الذي سلكته حركة الديمقراطيين الاشتراكيين برئاسة محمد مواعدة سنة 1991 أعلن بن جعفر معارضته للتوجه الجديد فتم رفته من الحركة ليقوم في عام 1994 بتأسيس حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات. انضم إلى الرابطة التونسية وشغل خطة نائب رئيس لها، وساهم في تأسيس المجلس الوطني للحريات. قدم ترشحه للانتخابات الرئاسية سنة 2009 وتم رفض ترشحه على خلفية أنه غير منتخب كأمين عام لحزبه.

بعد سقوط بن علي رفض مصطفى بن جعفر المشاركة في حكومة محمد الغنوشي التي اقترحت عليه حقيبة الصحة العمومية. تم انتخابه أثناء حكم الترويكا لرئاسة المجلس التأسيسي منذ 22 نوفمبر 2011 ب 145 صوتا مقابل 68 صوتا لمنافسته مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري.

أعلن طبيب الأشعة ترشحه للانتخابات الرئاسية في تونس بتاريخ 14 سبتمبر الفارط، متعهدا كغيره من المترشحين لمنصب الرئيس بتفعيل جملة من الوعود الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية التي تترواح في خطوطها الكبرى بين التصدي للإرهاب وتكريس التنمية والتشغيل والعدالة الاجتماعية وصون الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور.

ما يحسب لبن جعفر أو صاحب "مطرقة التأسيسي" هو تجربته السياسية الكبيرة قبل وبعد 14 جانفي 2011 . وكذلك معايشته عن قرب لكل تجاويف وتعرجات فترة حكم الترويكا.وأيضا محايثته لكل مجريات صياغة الدستور الجديد وكل الظروف الاستثنائية الأليمة في مجملها التي حفت بكتابته من تغلغل الإرهاب وفتكه بأبناء الوطن من جنود وأمنيين وزعماء سياسيين وحتى مواطنين عاديين.

هذه المعايشة اللصيقة لبن جعفر للمرحلة التي مرت بها البلاد خلال مسارها الانتقالي بحكم وظيفته كرئيس للتأسيسي هي في الحقيقة سلاح ذو حدين وذات وجهين إيجابي وسلبي. فمن الجانب الأول، يحسب للرجل المساهمة في كتابة دستور مشرق وديمقراطي في أغلب جوانبه وخصوصا تلك الضامنة للحريات والحقوق بشهادة أغلب خبراء القانون الدستوري في تونس وخارجها وباعتراف العالم. وكذلك المساهمة في إرساء الهيئات الدستورية الضامنة لتأمين عبور تونس الاستثنائي في سلميته رغم فداحة الخسائر المسجلة في الثلاث سنوات الأخيرة من الجانب الاقتصادي والاجتماعي والأمني من الوضع الانتقالي المؤقت إلى الوضع الديمقراطي الدائم.

ولعل هذه الإنجازات تعتبر هامة جدا في بلد يسير بخطى بطيئة أو رصينة نوعا ما ولكنها واثقة باتجاه الديمقراطية والقطع الكامل مع الدكتاتورية خصوصا وأساسا من حيث حرية التعبير وحرية الإعلام.

و يرى متابعون أن خبرة بن جعفر السياسية الهادئة والمتعقلة كفاعل سياسي يمتلك القرار لعبت دورا أساسيا في تأمين هذا المرور التونسي الآمن لبلد خارج من أتون انتفاضة شعبية عارمة كان من الممكن أن تعصف باستقراره على شاكلة بلدان أخرى عاشت نفس التجربة. ويعتبر البعض أن بن جعفر لعب دور الحكم بين الخصوم السياسيين داخل قبة التأسيسي وخارجها حيث عمل على ترشيد الصراع بين الترويكا والمعارضة وتمكن من خلال حكمته السياسية من التخفيف من حدة هذا الصراع ولو نسبيا حسب تعبيرهم.

ولكن مسيرة دكتور الأشعة لم تكن موفقة في مجملها حسب محللين، إذ وسمت جل مواقف الرجل تجاه قضايا حارقة هزت البلاد بالسلبية إن لم نقل باللامبالاة إلى حد "التبرير". ذويؤكد البعض أنه لم يسجل موقف واضح وصريح وبصوت عال لرئيس المجلس التأسيسي تجاه ملف الاغتيالات السياسية واغتيال الأمنيين والجنود وغيرها. كما لم يستطع اتخاذ موقف حازم أمام التجاوزات الخطيرة التي حدثت داخل قبة باردو والمتعلقة بمنح النواب المنتفخة والزيادات المتكررة وجرايات التقاعد التي اعتبرت تبذيرا للمال العام ونهبا لمقدرات البلاد. وكذلك هو لم يحرك ساكنا أمام محافظة نواب من الترويكا لهم صفة وزراء في هذه الحكومة على التمتع بجراياتهم من التأسيسي وهذا مخالف للقانون حسب بعض الحهات. إضافة إلى ذلك صمت بن جعفر أو تكلم بما يشبه الصمت على تصريحات نائب من النهضة التي قام من خلالها بتكفير القيادي في الجبهة الشعبية منجي الرحوي والتي فهمت آنذاك برسالة مشفرة لاستهدافه.

بن جعفر صمت كذلك عن تمرير قانون العفو التشريعي العام الذي أقرته النهضة لتعويض منتميها ماديا عن سنوات نضال حقيقية أو مزعومة والذي اعتبر نهبا صريحا وعلنيا وقانونيا للمال العام حسب الكتلة الديمقراطية وحسب محللين وحسب الأغلبية الساحقة من التونسيين وحسب خبراء اقتصاديين وغيرهم.

مصطفى بن جعفر لم يحرك ساكنا أيضا أمام المهازل التي شهدها التأسيسي من خصومات وصراعات وصلت حد التلاسن والتهديد المتبادل والابتذال الفكري والأخلاقي والسياسي من بعض النواب الذين انتخبهم الشعب ليدافعوا عن حقوقه فأصبحوا يثيرون سخريته أو شفقته أو احتقاره ضمن ثلاثية مختزلة من المشاعر والتقييمات لا رابع لها وفق تعبير عدة ملاحظين للشأن السياسي في تونس.

كما يلام على مرشح الرئاسة سكوته أمام شطحات وفلتات الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي الذي اتخذ قرارات لا تمثل الشعب التونسي الذي لم ينتخبه حتى، وقتئذ، وأهمها قطع العلاقات مع سوريا وطرد سفيرها وتنظيم مؤتمر "أصدقاء سوريا" على الأراضي التونسية وتهديده للمعارضة ولأبناء شعبه بالويل والثبور إن لم يحترموا أمير قطر و استقباله لعناصر متهمة بالتورط في الإرهاب في القصر الرئاسي والتقاط الصور معها وغيرها من المواقف الأخرى سواء من المرزوقي أو من حكومة الترويكا عموما وحركة النهضة الحزب الحاكم خصوصا آنذاك.

ويؤكد ملاحظون أن انبطاحية بن جعفر للنهضة والترويكا عموما وخفوت صوته الذي لم يسمع زئيره عاليا في أية هزة عرفتها تونس بدء من قضية شهداء أحداث 14 جانفي وصولا إلى لحظة إعلان ترشحه للرئاسة ومرورا بكل المحطات الفاجعة والحالكة التي عاشتها البلاد، دون نسيان خذلان التونسيين في وعود التشغيل والتنمية و كشف الحقيقة عن ملف شهداء الثورة وجرحاها وغيرها وهي وعود أطلقتها الترويكا التي كان بن جعفر من أهم الفاعلين أثناء حكمها. ولذلك فهو يتحمل المسؤولية كاملة مثلها من حيث الإنجازات والإخفاقات حسب محللين.

بهذا الرصيد من المواقف التي وصفت ب"السلبية" تجاه بعض الملفات وب"الانبطاحية" أمام الترويكا عموما وحركة النهضة خصوصا، يتقدم بن جعفر بخطى غير واثقة بالمرة نحو قرطاج لا سيما بعد الانهيار الكامل والمدوي لحزبه "التكتل" في الانتخابات التشريعية، حتى أنه خسر مؤخرا مقعده الوحيد بالبرلمان المقبل عن دائرة القصرين أمام نداء تونس. وكذلك بعد فشل مقترح الرئيس التوافقي وإعلان النهضة عدم دعم أي مترشح لكرسي الرئاسة، وبالتالي سقوط آخر آمال صاحب مطرقة التأسيسي في الحصول على دعم الإسلاميين. ويؤكد متابعون أن مصطفى بن حعفر انتهى سياسيا بالفعل منذ تحالف وهو مؤسس حزب "التكتل" العلماني والمتبني لقيم الحداثة والدولة المدنية مع الإسلاميين من أجل الوصول إلى السلطة، شأنه شأن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، حيث كانت هذه الخلطة غير المتجانسة إيديولوجيا وسياسيا بداية النهاية لمسيرة بن جعفر السياسية وبداية اهتزاز ثقة التونسيين تجاه سياسي ومناضل من الحجم الكبير لم يحصن نفسه جيدا ليبقى كبيرا حسب تعبيرهم.