اختتمت أول أمس الدورة السادسة والثلاثين لمهرجان كليرمون فيران للسينما القصيرة بفرنسا، ذلك المهرجان الذي يعتبره السينمائيون العالميين قبلة الفيلم القصير في العالم، وبمثابة مهرجان كان للسينما القصيرة.

شاركت القارة الأفريقية في المهرجان بأكثر من فيلم من بينها الفيلم الجزائري "Les Jours d´avant"  أو "أيام زمان"، إخراج كريم موسوى، والذى حصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم، وتدور أحداثه حول شخصين اثنين شاب فتاة يتذكران أحداث العنف التى شهدتها الجزائر فى تسعينيات القرن الماضى.

الفيلم المصرى الذى شارك فى المسابقة الدولية بالمهرجان وعنوانه "وردية يناير" إخراج عماد مبروك،  تدور أحداثه فى أيام ثورة يناير 2011.. يبدأ الفيلم بخطاب مبارك الأول، يشاهده فى المنزل ضابط أمن مركزى نقل نفسه قبل الثورة إلى الحراسات الخاصة، تصل زوجته إلى المنزل، وتحكى له عن معاناتها فى المشرحة مع شاب قتلته قوات الأمن فى أثناء التظاهرات، ثم تشكر الله أن زوجها نقل نفسه من الأمن المركزى، كى لا يكون سببا فى قتل المتظاهرين، بينما يؤكد هو لها أن كل من نزل فى هذه الثورة عميل وخائن!

يستقبل الزوج عقب خطاب الرئيس مكالمة على هاتفه المحمول -لاحظ أن هذه واحدة من سقطات الفيلم، فكما هو معروف كانت اتصالات الهواتف المحمولة منقطعة فى تلك الفترة- ثم ينزل من البيت.. يذهب إلى فندق ويقابل شخص مجهول، ونعرف بعد لحظات أن الزوج قناص، يختار ضحاياه من ثوار ميدان التحرير.. يشاهد فى عدسة البندقية زوجته بميدان التحرير، ويذهب إلى البيت ليجدها فيه.. وينتهى الفيلم.

الفيلم بطولة هانى المتناوى ومى سالم، جيد وجدير بالمشاهدة والتأمل، ولكنه مرتبك كحالنا جميعا، فلغز وجود قناصة للداخلية لم يُجِب عنه الفيلم وطرح فى نهايته عبر لوحة، وحتى الآن لم نعلم مَن الذى قنص الشباب فى التحرير!

ستشاهد الفيلم وتسأل نفسك: هل كانوا قناصة من الداخلية أم من جهات أخرى؟! خصوصا أن بطل الفيلم منتمٍ إلى "الداخلية"، ولكن مَن أعطاه أمر القنص شخص غامض!

"فؤاد" فيلم نرويجى، لمخرج إيرانى الأصل نرويجى الجنسية يتناول أحداثا فى المغرب! ما زالت العولمة تدهشنى.

الفيلم تدور أحداثه حول طفل مغربى اسمه فؤاد، يقرر أن يترك مهنته فى بيع السجائر للعمل كمساعد لمدرب سباحة نرويجى.. يطرح عليه فكرة تدريب المهاجرين غير الشرعيين على السباحة، ويأتى له بزبائن أفارقة ومغاربة كى يدربهم، ويقتسم معه الأجر.

مدرب السباحة نفسه مترهل وأوشك على الغرق عندما دخل فى عمق البحر، وبدلا من أن يبحث هؤلاء البؤساء عن مدرب آخر أكثر كفاءة منه، يتفاوضون معه على تقليل الأجرة طالما أنه فاشل! لم يتعلموا السباحة، وسيموتون غرقا فى مركب متهالك أَقلَّهم فى نهاية الفيلم مع الطفل «فؤاد» نفسه إلى المجهول الذى هو الموت بالتأكيد.

تحدثت مع مخرج الفيلم إيرانى الأصل نرويجى الجنسية "فرزاد سام سامى" وسألته: لماذا أخرج فيلما عن المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا من المغرب؟! فقال لى: أنا من أسرة إيرانية هربت بنفس الطريقة من إيران منذ ما يزيد على عشرين عاما، وكنت طفلا وقتها.. لم أتمكن من إخراج فيلم عن المهاجرين من إيران، لكن الظرف نفسه يتعرض له كل من يهرب من وطنه باحثا عن حياة أفضل قد يموت وهو فى طريقه إليها.

 

 

 

 

 

الفيلم التونسى "سلمى" للمخرج محمد عطية، يدور حول زوجة شابة، توفِّى زوجها (سائق التاكسى) فى حادثة.. تعيش الأرملة الشابة مع ابنتها فى منزل تسكنه عائلة زوجها.. تخوض اختبار "السواقة"، وتنجح فيه.. تعلن لوالدة زوجها المتوفَّى أنها ستسوق التاكسى، فتنهرها الأم، وتؤكد لها أن شقيق زوجها هو من سيحلّ مكانه، وأنها لا يمكن أن تعمل كسائقة للتاكسى كى لا تفضحهم، فترضخ الأرملة الشابة وتوافق.. تسمع الحفيدة كلمات جدتها، فتعلّى صوت التليفزيون على أغنية، رغم أن أمها حذّرتها من قبل أن لا تفعل ذلك لأنهم فى فترة حِداد.. تتجاوب الأم مع تمرد ابنتها على عادات وقيم الجدة، وتأخذ ابنتها فى جولة بالتاكسى.. فيلم أخّاذ رغم بساطته، وفكرته قوية وواضحة.. الأجيال القديمة لن ترسم لنا حياتنا، وأطفالنا أكثر تمردا وجرأة منا.

A tropical Sunday.. هل سمعت عزيزى القارئ عن دولة اسمها "موزمبيق".. إنها فى نفس القارة التى تنتمى لها مصر "إفريقيا".. "يوم الأحد الاستوائى".. فيلم موزمبيقى، يحكى عن ثلاثة مشردين "طفلة وشقيقاها الولدين"، يتجولون فى مدينة ملاه.. يشحذون ويتوسلون، تماما، ويا للعجب، كما يشحذ أطفال الشوارع فى مصر، لكن أبطال الفيلم ليس هدفهم الأكل ولا سد الجوع.. هم فقط يتمنون التمتع كالباقين بمدينة الملاهى.. يدخل أحدهم مسابقة للرقص فى مدينة الملاه ويفوز فيها، وينتهى الفيلم بالثلاثة وهم يلهون بتذاكر مدفوعة فى مدينة الملاهى التى كانت حلمًا بعيد المنال عنهم.

انتهت فعاليات مهرجان كليرمون فيران الدولى  للسينما القصيرة.. حازت الأفلام الأفريقية فيه على إعجاب جمهور السينما فى العالم، وحصدت تنويها خاصا من لجنة التحكيم، وقالت أفريقيا للعالم: نحن هنا.