في دراسة له نشرها "المركز الاطلنطي" قال جويل جولهان ،أن الأخذ بالثأر كان على رأس أولويات الرئيس المصري بعدما قام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) برفع فيديو مسجل على شبكة الإنترنت، يظهر ذبح عشرين مواطنًا مصريًا وآخر غاني على شاطيءٍ قيل أنه على ساحل البحر المتوسط في ليبيا.وأكّد السيسي أن القوات الجوية المصرية شنّت ثلاث عشرة غارة على أهدافٍ للدولة الإسلامية في ليبيا.ورغم أن الدور المصري في التحالف لمواجة التنظيم المتطرف والعنيف لم يحظَ بالتغطية الإعلامية الكافية، فإن مصر، على مدار شهورٍ حتى الآن، تحارب داعش على جبهتين: الجبهة العسكرية والجبهة الإيديولوجية.وباعتبارها حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، فضلًا عن أن لديها أقوى قوة جوية عربية، فإن مصر تعد أحد أهم شركاء التحالف الذي عمل وزير الخارجية جون كيري على تعزيزه في  صيف 2014. وبالرغم من ذلك، فقد قال وزير الخارجية سامح شكري لكيري، في ذاك الوقت، أن مصر لديها "معركتها الخاصة،" والتي كان مُتفهمًا أن تحظى بتركيزٍ أكبر مع اشتدادها المتزايد ليس فقط بالتمرد الإسلامي بشمال سيناء، وإنما أيضًا بزيادة الهجمات في المحافظات الأخرى.

بعد فترةٍ قصيرة من اجتماع شكري وكيري في أكتوبر، شهدت مصر إحدى أبشع الهجمات الإرهابية التي لم تتعرض لها منذ سنوات، واتضح أنها العملية الافتتاحية لداعش في مصر.فقد ركّزت جماعة أنصار بيت المقدس المسلّحة (ABM)، التي أصبحت مصدر تهديداتٍ أمنيةٍ كبيرة لمصر خلال العامين السابقين، مواردها لاستهداف القوات الأمنية بشمال سيناء، محيلةً المنطقة إلى ساحة حرب. وكثّفت الجماعة نشاطاتها، عقب الإطاحة بمحمد مرسي في 2013، في ردٍ على ما وصفته بـ"ذبح المسلمين" خلال حملةٍ أمنية على مؤيدي الرئيس الإسلامي. كما ألقت الجماعة اللوم على وزير الدفاع السابق (السيسي) ووزير الداخلية، السابق محمد إبراهيم.

في نوفمبر، أعلنت ‘أنصار بيت المقدس’ ولاءها للخليفة، الذي ادعى خلافته بنفسه، أبو بكر البغدادي، وبعد أيامٍ قليلة، أعلنت مسئوليتها عن الهجمة العنيفة خلال نشر فيديو يحمل بصمات الإنتاج الداعشي، تحت علامةٍ تجاريةٍ جديدة: ولاية سيناء.ويقوم جناح داعش في سيناء بخوض قتالٍ شرس ضد القرات المسلحة، علاوةً على اختطاف وقتل ضباط الأمن وأولئك الذين يُشتبه التعاون معهم أو مع "الصهاينة." كذلك، فقد قامت الجماعة أيضًا بهجمةٍ واسعة النطاق على مدينة العريش في نهاية يناير، وهو ما نجم عن خسائرٍ في الأرواح يزيد عددها عما تسببت فيه العملية السابقة.

وفي نفس الوقت تقريبًا الذي قامت فيه داعش بتعزيز وجودها في سيناء، كان الالتحاق بعلامتها التجارية يزداد بين الميليشيات المتنازعة على السلطة في ليبيا. فمن جانبه، صدّق البغدادي على الولاء الذي تم إعلانه في نوفمبر من قبل ‘مجلس شورى الشباب الإسلامي’، الذي استطاع، بعكس نظرائه المصريين، تكوين معقل قوي بمدينة درنة الواقعة على بُعد مئات كيلومتراتٍ قليلة من مصر، وأقل من مقر الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا بطبرق. وقد أظهر التنظيم وحشية داعش المعروفة خلال عددٍ من الوقائع، من بينها الإعدام العلني لمواطنٍ مصري باستاد كرة القدم في درنة.

وكانت مصر بالفعل قلقةً إزاء تزايد قوة الجماعات الإسلامية بليبيا، وورد في تقاريرٍ أن مصر قدمت دعمًا لوجيستيًا وساعدت في تيسير الغارات الجوية الإماراتية ضد أهدافٍ للإسلاميين.وفي يناير، وردت تقاريرٌ تفيد بأن المتشددون انتقلوا من بيت لآخر باحثين عن أولئك الذين يحملون وشمًا صغيرًا بعلامة الصليب، كما هو شائعًا بين المصريين المسيحيين. وعلاوة على العشرين الذين تم قتلهم، تورد التقارير أن المزيد من المسيحين قد تم اختطافهم في ليبيا.وتجدر الإشارة إلى أن استهداف المصريين المسيحيين بليبيا ليس ظاهرةً جديدة، إذ يعود تاريخ الاعتداء على الكنائس وأعمال القتل والاختطاف والتنكيل إلى 2012. ورغم عودة الآلاف من المصريين، يُعتقد أن ما يقرب من المليون مصري لا يزال بليبيا، حيث يبحث العديد منهم عن عملٍ في ظل أوضاع مصر الاقتصادية.

لقد أظهر السيسي الآن للعالم ما هو أكثر من مجرد إشارةٍ إلى أن دحر الإسلاميين على حدوده الغربية يقع على رأس أولوياته . وفي أعقاب الغارات الجوية، ذهبت مصر إلى الأمم المتحدة داعيةً إلى تدخلٍ عسكريٍ دولي، إلا أن الرسالة تم تخفيفها بسرعةٍ لتصبح دعم الطلب الليبي برفع حظر الأسلحة، والدعوة إلى فرض حصارٍ بحري على المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون. كما قال شكري أيضًا أنه يجب الموافقة على مساعدة ليبيا في معركتها ضد الإرهاب، علمًا بأن ذلك تم الإقرار به من قبل "الحكومة الليبية الشرعية."  

ولن يكون مستغربًا إذا ثبت أن مصر تعزز دعمها لطبرق. فقد أجمعت التقايري على أن قواتٍ مصرية خاصة دخلت ليبيا ونفّذت عملية اختطافٍ، كما أن مصر تخطط لتسهيل مرور أسلحةٍ روسية إلى حكومة طبرق.كذلك فقد أكّد السيسي، يوم الأحد، على استعداده للدفاع عن الحدود المصرية وما وراءها. "إذا ما اقتضت الحاجة، ستقوم القوات المصرية المسلحة بالدفاع عن المنطقة وعن أشقائها العرب،" هكذا قال.هذا وقد حذّر قائد تنفيذ عملية إعدام المصريين بليبيا من أنه ورفاقه يأملون في "فتح روما بإذن الله." ومما يزيد التهديد الذي يتعرض له الغرب حقيقة أنه كان واقفًا على ساحل المتوسط ويشير إلى أوروبا.وانطلاقًا من مدى مصداقية هذا التهديد وتطورات الأوضاع في ليبيا، قد يختار الغرب احتواء الخطر وحصره في شمال أفريقيا، وبذلك، ستتوجه أنظار المتطرفين إلى مصر. وقد تجد، حينها، قوات السيسي نفسها تقاتل داعش في الشرق والغرب.

ورغم أن الحل السياسي للصراع في ليبيا هو الخيار المفضل للمجتمع الدولي، فقد حذّر شكري، ء، من أن ذلك قد لا يكون كافيًا. ووصف النهج المتبع من قبل "العديد من الدول" التي تأمل أن حلًا سياسيًا "بإمكانه التعاطي مع آثار الإرهاب" بأنه "مثيرٌ للدهشة."كما اتهم التحالف الدولي لمواجهة داعش بأنه غير متسق في نهجه، وأضاف متسائلًا "ألا يستحق الشعب الليبي نفس الدعم الذي تمثّل في التدابير التي اتخذها التحالف في (العراق وسوريا)؟"سوف تواصل مصر حربها على داعش داخل حدودها وباستخدام مؤسساتها الدينية، ولكن السيسي، منذ الغارات الجوية على ليبيا، جعل الأمر واضحًا أيضًا بأن مصر مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية طالما أن قوة داعش تزداد في شمال أفريقيا.