هابي طارق ،باحث متخصص في برنامج الدراسات المصرية

تصدر مشهد العنف المشهد المصري منذ 30 يونيو 2013، فإلى جانب أعمال التفجير والإرهاب التي أعقبت عزل الرئيس السابق محمد مرسي، برزت كذلك حالة من الاضطراب الأمني بالجامعات المصرية، إلى حد تجاوزت معه التظاهر السلمي. ويمكن القول إن العنف الموجه ضد أفراد مؤسسات الأمن كان الطابع الأبرز للعمليات التفجيرية، على مدى عام (2014).

ورغم إحكام السيطرة الأمنية للدولة، وتراجع عمليات العنف مقارنة بعام 2013 (وفق مؤشر العنف الذي أعدته وحدة الدراسات الأمنية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية)؛ فإن العنف قد استمر في 2014 بالتأثير على قطاعين أساسيين بالدولة، هما: أولا قطاع الجامعات، لا سيما في العام الدراسي 2013-2014 (وفق مؤشر العنف الطلابي الذي أعده المركزُ الإقليمي للدراسات الاستراتيجية)، وثانيًا قطاع الأمن (الجيش والشرطة) الذي يشهد حالة استهداف كبيرة؛ ومن ثمّ حالت حالة الاضطراب بهذين القطاعين دون الاستقرار الكامل للدولة.

أبعاد العلاقة بين عنف الجامعات والإرهاب

يحاول هذا المقالُ طرحَ تساؤلٍ عن وجود ارتباط بين هاتين الظاهرتين؛ العنف الجامعي من جهة، وظاهرة العنف الموجه ضد الجيش والشرطة ( العمليات الإرهابية) من جهة أخرى، من حيث تأثر العنف الجامعي -سلبًا أو إيجابًا- بتطور الوضع في سيناء، والتي تشهد عدة صور من العنف، على رأسها التفجيرات الموجهة أساسًا ضد الجيش والشرطة، والتي استمرت منذ سقوط نظام الرئيس مرسي، وأثر بطريقة كبيرة على الدولة المصرية، وذلك بهدف التوصل إلى كيفية مواجهة صور العنف. ولا يعني هذا نسبة العنف في الأمرين -العنف الجامعي، والعنف الموجه في سيناء ضد الجيش والشرطة- لجهة واحدة، وإنما يعني محاولة للبحث عن الرابط بينهما.

فبالنسبة للظاهرة الأولى التي تُعتبر إحدى تداعيات ثورة 30 يونيو، وهي "أعمال العنف المسلح" الموجهة ضد أفراد الجيش والشرطة، فقد شهدت سيناء كبرى العمليات التفجيرية، وفقًا لمؤشر العنف الذي أعده المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، وقد سقط في سيناء فقط ما يقرب من 50% من ضحايا الجيش والشرطة منذ 30 يونيو وحتى 31 أكتوبر 2014، أي وقع بها 50% من إجمالي 500 ضحية تقريبًا، ولم يثبت تورط "الإخوان المسلمين" في تلك العمليات وفقًا للمعلومات المتاحة إلى الآن، فهو أمر يصعب تحديده. ومع هذا، فتطور هذه العمليات زمنيًّا بعد 30 يونيو وسقوط الرئيس مرسي، يبرز وجود ارتباط بين تلك العمليات وبين سقوط نظام حكم الإخوان في مصر، وإن كان ارتباطًا زمنيًّا فقط، ويتشابه في هذا مع العنف الطلابي في الجامعات المصرية طيلة العام الدراسي الماضي 2013-2014، والذي كانت جماعة الإخوان ضالعة فيه في معظم الأحيان، وسَهُل تحديده، من خلال ما دعت إليه صفحاتها، والحركات التابعة لها، وما نُشِرَ بالصحف.

وكما يظهر في الرسم البياني رقم (1) لتطور أعداد الضحايا من الجيش والشرطة خلال الأعمال الموجهة، فيمكننا القول إنه لم ينتهِ شهرٌ خالي الوفاض من أعمال عنف خلال الأشهر السبعة عشر التي أعقبت 30 يونيو، رغم ميل منحنى العنف للانخفاض عبر الأشهر التالية لـ30 يونيو حتى 31 أكتوبر 2014.

أما مشهد العنف الطلابي بالجامعات المصرية، (فقد وقع ما يقرب من 650 حالة تظاهر وفعالية احتجاجية خلال العام الدراسي الماضي 2013/2014 قام بها في معظم الأحيان طلاب الإخوان المسلمين والمتعاطفون معهم، وفقًا لما يتم الإعلان عنه احتجاجًا على عزل الرئيس السابق مرسي وحبس الطلاب، وتعدت في كثير من الأحيان حاجز التظاهر السلمي)، وأدت تلك التظاهرات وأعمال الشغب والاشتباكات إلى سقوط ضحايا بين الطلاب، والقبض على أعداد إضافية منهم فيما بعد، مما طور الغضب الطلابي بصورة أكبر، ودخلت الجامعات في حلقة مفرغة من العنف.

ويبين الرسم البياني رقم (2) تطور التظاهرات العنيفة التي قام بها الإخوان في الجامعات، وعلى عكس منحنى ضحايا العنف المسلح ضد الجيش والشرطة بالرسم السابق (رقم 1) - مال منحنى هذه التظاهرات للارتفاع مع نهاية العام الدراسي، ما يضع كثيرين في حالة ترقبٍ لما سَيَئُول إليه العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من السيطرة الأمنية على الجامعات؛ فإن استمرار رفض قطاعٍ من الشباب لممارسات النظام الحالي من حيث قانون التظاهر، واستمرار حبس الطلاب، والحكم ببراءة الرئيس السابق حسني مبارك، إلى جانب مطالب فئة من المتظاهرين المتسببين في الشغب الأكبر بعودة الرئيس السابق مرسي - كل ما سبق ما زال يمثل توترًا أمنيا.

ورغم وجود عدة عوامل قد تُؤثر على حالة عنف الجامعات، خارجيًّا وداخليًّا؛ فإننا سنتناول فقط عاملَ العنف الموجه في سيناء ضد الجيش والشرطة؛ فهو الأكثرُ تأثيرًا إلى الآن، وربطه بالعنف الجامعي، حيث إن تصاعد العمليات الأخيرة في سيناء رغم فداحتها من الممكن أن يكون لها أثرٌ عكسي على حالة الجامعات والتظاهرات الطلابية، وتؤدي إلى تراجع العنف الجامعي، خاصةً من جانب الطلاب غير المنتمين لفكر الإخوان المسلمين.

الارتباط العكسي بين مشهدي العنف

من خلال مقارنة مؤشر عنف الجامعات في العام الدراسي 2013/2014 مع مؤشر العنف الموجه ضد الأمن؛ يمكن استخلاص مدى وجود ارتباط نسبي بين الظاهرتين منذ عزل الرئيس مرسي. فبينما كانت معدلات العنف الطلابي تميل للارتفاع في العام الدراسي 2013-2014؛ كان منحنى العنف المسلح ضد الجيش والشرطة يميل للانخفاض حتى سبتمبر 2014، ثم ما لبث أن مال منحنى العنف المسلح والدائر غالبًا في سيناء للارتفاع مرة أخرى منذ سبتمبر 2014 كما يظهر في الرسم رقم (1)، ومن ثم يمكننا القول إنه توجد علاقة عكسية بين معدلات تكرار الظاهرتين (العنف الجامعي والعمليات التفجيرية) أي أنهما لا يسيران في نفس المعدل، وإنما بالعكس، فقد اتجه العنف الطلابي للارتفاع بينما اتجه العنف المسلح للانخفاض أثناء نفس المدة.

ويُمكن البناء على تلك النتيجة السابقة في اتجاهين أولهما استمالة الشباب الرافض للعنف لصف الدولة، وإجراء المصالحة مع قطاع الشباب لرفض الانخراط في أعمال عنف الإخوان، سواء في الجامعات أو بالشارع المصري في ظل استخدام العنف وسقوط ضحايا، انطلاقًا من أنَّ ما يجري في سيناء حرب يقع ضحيتها مواطنون مصريون.

أما الاتجاه الثاني فيتعلق بطرح رؤية للدولة لكيفية مواجهة العنف في الحالتين، وتعديل قانون التظاهر بآلية تسمح بالتعبير عن الرأي، ولا تدفع المتظاهرين السلميين من الشباب إلى التوجه نحو رفض الدولة، وممارساتها، والتوجه نحو تأييد الإخوان المسلمين، كما أن هذا يصب في صالح الدولة، فالعنف الموجه ضد الجيش والشرطة وعنف الجامعات طيلة العام؛ يجعل أجهزة الدولة في حالة استنفار مستمرة.

وفي هذا الإطار، هناك بعض المؤشرات التي تشير للعلاقة العكسية بين عنف الجامعات والعنف المسلح ضد أجهزة الأمن، وتدهم أهمية الاتجاه لاستيعاب الشباب الرافض للانخراط في العنف، ومن أبرزها:

1- تراجع العنف الطلابي والشغب بالجامعات بعد وقوع بعض التفجيرات، (مثلا حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية بديسمبر 2013، وتفجير مديرية أمن القاهرة في يناير 2014)، وإن كان مؤقتًا، ويُعزَى هذا التراجع للقبضة الأمنية للدولة بعد هذه الأحداث، وعدم رغبة من يقومون بالاحتجاجات الطلابية بالظهور بمظهر التأييد للإرهاب ولسقوط الدولة.

2- برزت مشاهدُ طلابية رافضة لحادث كمين كرم القواديس بأكتوبر الماضي؛ حيث أقيمت صلاة الغائب على أرواح شهداء سيناء، ووقفات احتجاجية، ومسيرات رافضة للإرهاب، ومتضامنة مع الجيش المصري، كما لم تخرج احتجاجات عنيفة بعد الحادث في جامعات شهدت العام الماضي حالة عنف كبير (كجامعات القاهرة، والمنصورة، والإسكندرية، وعين شمس)، ما يؤكد رفض بعض الاحتجاجات الطلابية لمنهج التفجيرات بسيناء، وهو ما يمثل فرصة للدولة لأن تجعل هذه العمليات التفجيرية مصدرًا لتوحيد الصف الداخلي.

معالجة العنف وإبعاد الشباب عن الإرهاب

استنادا على ما سبق، فإن السؤال المهم، كيف يمكن استقطاب الشباب لنبذ العنف؟.

تُعتبر طريقةُ تعامل الدولة في كلا الحالتين محدِّدًا هامًّا في تراجع معدلات العنف. فمن جانب، غالبًا يُحرك الشبابَ الاحتجاجاتُ والتظاهرات غير الداعية لعودة الإخوان المسلمين، كالتظاهرات المنادية بالإفراج عن الطلاب المقبوض عليهم، ورفض قانون التظاهر.

ويمكن من خلال الاستماع لمطالب الشباب السيطرة أولا على دائرة العنف الجامعي لكي لا تتسع، وتبقى في إطار استخدام الوسائل السلمية. وثانيًا ستتمكن الدولة من جانبٍ آخر من مواجهة نوع جديد من المعارضة العنيفة، يأخذ في التزايد، ممثلا في الجامعات وفي الجماعات التكفيرية، حيث يُعتبر الشباب مصادر تغذيتها الرئيسية، وتتخذ ممارسات الدولة وما تقوم به الأجهزة الأمنية مسوغًا للقيام بالعمليات الإرهابية، وتتمكن من التأثير على الشباب نتيجة ظروف البطالة والفقر وسوء التعليم، بالإضافة إلى حالة الإحباط بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، مع الشعور الموجود لدى كثير من الشبان بأن مطالب الثورة لم تتحقق، ولم يتغير الوضع القائم على الأرض.

وفي النهاية لا يختلف الجيل الشباب الحالي فقط بحكم فرق الأجيال، وإنما أيضًا بحكم الفترة الجامعية الأكثر ثورية إلى الآن، فطلاب الجامعات اليوم عاصروا في دراستهم الجامعية ثورتين كان للعنصر الشبابي الدور الأبرز في تحريكهما؛ وربما يكون التعاطف الطلابي مع هذه الأحداث العنيفة والعمليات التفجيرية وقتيًّا، يذهب مع مرور الوقت، أو الاعتياد عليه، وهو الخطر الذي على الدولة مواجهته بألا يصبح مشهد التفجيرات مألوفًا بمصر.

ولذا يجدر بالدولة الاستفادة من التعاطف المجتمعي الحادث، والتعامل مع أسباب العنف، من خلال سرعة إجراء العدالة الانتقالية، والتحقيقات مع الطلاب المحتجزين، وإيصال رسالة مفادها أن الدولة تطبق القانون، وكذلك خلق الوعي لدى الشباب لمنع التأثير المضاد للتيارات الفكرية المتطرفة المستخدمة للعنف، وتوفير الصيغة السلمية للتعبير عن الرأي دون الإضرار بالأمن العام، والتأكيد على احترام حرية الرأي والتعبير دون إحداث ضرر للعملية التعليمية، من خلال تحديد ساعات محددة وأماكن محددة للنشاط السياسي والتظاهر الطلابي، وليس بحظر العمل الحزبي والطلابي داخل الجامعات؛ وإحداث حركة فكرية متفتحة، إصلاحًا لما أفسده نظام مبارك في التعليم وإفراز أجيال لا تتحلى بدرجة كبيرة من العقلية النقدية والمعرفة الكافية والتحليل لما تتلقاه.

*المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية