تحيط فرنسا زيارة اليومين التي يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا، بإجراءات أمنية في غاية التشدد، الأمر الذي برز خلال زيارته إلى قصر الإليزيه، ظهر أمس، أو في التدابير المحاطة بتنقلاته ومكان إقامته في العاصمة الفرنسية، ولم تبخل السلطات الفرنسية، إلى جانب ذلك، بأي من المظاهر البروتوكولية التكريمية من استقبال رسمي في مقر الأنفاليد، وحرس شرف في باحة الإليزيه، وموسيقى الحرس الجمهوري، فضلا عن جدولة لقاءات مع أعلى السلطات الرسمية.
قالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا التعاطي يعكس «أهمية موقع مصر ودورها، فضلا عن رغبة باريس في إعادة توثيق علاقاتها»، مضيفة أن «صفحة جديدة» فتحت بين باريس والقاهرة، وأن هذه الصفحة «متخلصة» مما سبق أن شاب هذه العلاقة بعد التحولات التي عرفتها مصر في صيف عام 2013.
ومن هذا المنظور، فإن كلام الرئيس فرنسوا هولاند، في حديثه إلى الصحافة عقب اجتماعات الإليزيه، لم يبخل في إغداق الثناء على مصر التي وصفها بـ«البلد الكبير الصديق لفرنسا»، متحدثا عن «رؤية مشتركة للتوازنات في العالم»، وعن كون فرنسا «شريكا لمصر»، وعن استعداد بلاده لمساعدتها في علاقاتها بالمؤسسات المالية الدولية وفي العودة إلى علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي، بيد أن الرئيس الفرنسي أكد الحاجة إلى إتمام «مسار الانتقال الديمقراطي وخريطة الطريق» في إشارة إلى الانتخابات النيابية المرتقبة، ربيع العام القادم. كذلك ربط بشكل شبه مباشر بين استكمال المسار السياسي ونجاح عملية النهوض بالاقتصاد المصري وعودة الاستثمارات وتنشيط السياحة.
أما موضوع حقوق الإنسان وما تثيره الجمعيات والوسائل الإعلامية، فإن الرد الفرنسي هو أن باريس «تتناول كافة المواضيع مع شركائها» أو أنها «تفضل إثارتها بعيدا عن الإعلام».
والثابت مما تحقق في اليوم الأول من الزيارة أن باريس «جاهزة للذهاب في التعاون مع مصر إلى أقصى الحدود» بما في ذلك الملف العسكري. وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «إذا كانت فرنسا والدول الغربية تعتبر أن القاهرة جزء لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب، وأنها تحارب الإرهاب على أراضيها، فإن هذا يتطلب من هذه الدول أن تدعم القاهرة وتقدم لها المساعدة التي تحتاج إليها»، وأفادت المصادر الفرنسية والمصرية أن باريس «تتفهم حرب مصر على الإرهاب»، وفي تصريحه الصحافي، قال هولاند إنه «يتعين علينا أن نعمل معا من أجل محاربة الإرهاب»، وبحسب التفاصيل التي تسربت، فإن باريس «جاهزة للاستجابة لمصر في مسألة تنويع مصادر السلاح» الذي ترغب في الحصول عليه.
وسيكون الملف الاقتصادي الموضوع الأساسي اليوم في اللقاء الموسع للرئيس المصري والوفد الرسمي ورجال الأعمال مع رجال الأعمال الفرنسيين في مقر اتحاد أرباب العمل.
بيد أن الترحيب الرسمي الفرنسي لا يمكن فصله عما تعتبره باريس «حاجة لدور مصر»، وتبدى ذلك من خلال شكر الرئيس السيسي لدوره في وقف الحرب على غزة.
لكن ما يشغل باريس في المقام الأول هو الوضع في ليبيا الواقعة على مداخل أوروبا، وما تشكله حالة الفوضى فيها من خطر على جيرانها وعلى استقرار أفريقيا الشمالية وبلدان الساحل.
يذكر أن فرنسا أقامت قاعدة عسكرية شمال النيجر قريبا من الحدود الليبية من أجل أن تراقب ما يحصل في الجنوب الليبي الذي ترى فيه باريس ملجأ للمنظمات الإرهابية، وخزانا للتزود بالسلاح، وقاعدة خلفية للتدريب والاستراحة، وقال الوزير شكري لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لم يلحظ افتراقا»، في المواقف بين باريس والقاهرة بشأن هذا الملف علما بأن القاهرة تدعم حكومة عبد الله الثني والجيش الوطني الليبي بينما باريس لا تفصح عن مواقف بهذا الوضوح.
أما بشأن الملف السوري؛ حيث تلتزم باريس موقفا متشددا، فبرز على حاله في تصريحات الوزير لوران فابيوس ودعمه لإقامة مناطق آمنة، وإنشاء منطقة حظر جوي لا بل استهداف قوات النظام بضربات «غامضة» أو «التباسية»، فقد سعى الطرفان للتشديد على الحاجة لحل سياسي، وهو ما أشار إليه هولاند بإشارته إلى الحاجة إلى «الوصول إلى حلول سياسية عبر عملية الانتقال السياسي التي نصت عليها مبادرة جنيف»، وسار الرئيس السيسي في الاتجاه عينه بتأكيده الحاجة إلى حل «يضمن حقن الدماء ويحمي مؤسسات الدولة السورية ويحافظ على وحدة ترابها»، وهي أهداف يتفق عليها الجميع من حيث المبدأ، بينما يختلفون على كيفية ترجمتها إلى مبادرة وواقع.

*نقلا عن الشرق الأوسط