تتصاعد المساعي وتتوالى المحاولات، بحثا عن سبيل لإنهاء حالة الفوضى المنتشرة في ليبيا منذ العام 2011. لكن شبح الأزمة مازال يطغى على المشهد الليبي في ظل تعنت الأطراف وغياب بوادر تفاهم بينهم على تسوية شاملة قادرة على إنتشال هذا البلد الممزق من محنته وإعادة بنائه وتأمين إستقراره.

وفي الوقت الذي تواصل فيه الأوضاع السياسية مراوحة مكانها في ظل تواصل حالة الشد والجذب بين الفرقاء السياسيين وغياب مؤشرات الوصول الى توافق،يسجل المشهد الأمني في عدة مناطق من البلاد تصعيدًا وتوترا مخيفا ينذر بالأسوأ خاصة مع إنتشار الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية. 


** صراع العاصمة

إلى ذلك، وفي مشهد بات مكررا، اندلعت معارك عنيفة،الاثنين 27 أغسطس/آب،في ضاحية العاصمة الليبية طرابلس بين فصيلين مسلحين تابعين نظريا لحكومة الوفاق التي يعترف بها المجتمع الدولي، وفق شهود ومصادر امنية،وهو ما أدى لسقوط ضحايا وإغلاق الشوارع والمحلات التجارية.

وبدأت المواجهات بعدما سيطرت قوات "اللواء السابع" على مقرات ومعسكرات كانت تابعة لكتيبة "ثوار طرابلس" التابعة لوزارة داخلية الوفاق، بمناطق خلة الفرجان ووادي الربيع وصلاح الدين، جنوب طرابلس. وأمر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في بيان له، المنطقة العسكرية طرابلس ووزارة داخلية الوفاق والقوى الأمنية لمواجهة "هذا الهجوم الغادر" الذي تقوده "المجموعات والعصابات الخارجة عن القانون" على العاصمة، مما تسبب في ترويع المواطنين.

ورأى المجلس أن هذا الاعتداء، يستهدف إجهاض الجهود المبذولة محلياً ودولياً لتحقيق الاستقرار في ليبيا،فيما حذرت مديرية أمن طرابلس التابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق،بدورها في بيان لها، من إراقة المزيد من الدماء، خاصة أن الميليشيات تستخدم الأسلحة الثقيلة، مشيرة إلى سقوط القذائف العشوائية على المدنيين بمنطقة الخلة وعدد من ضواحي العاصمة طرابلس.

وأثارت هذه الاشتباكات مخاوف داخلية من مزيد من التدهور في الأوضاع الأمنية بليبيا إلى مستويات أخطر، في ظل عجز السلطات على وقف تغوّل الميليشيات المسلحة ووضع حد لانتشارها خاصة في طرابلس.حيث أعلنت وزارة الصحة حالة الطوارئ لاستقبال الجرحى، وطالب وزير الصحة المفوض، عمر بشير الطاهر، في بيان عبر موقع الوزارة على فيسبوك، جميع المصحات الخاصة الواقعة داخل نطاق بلدية طرابلس استقبال الجرحى جراء الاشتباكات الحاصلة.

ومنذ 2011، تشهد طرابلس صراع نفوذ بين ميليشيات تسعى الى المال والسلطة،وعجزت حكومة الوفاق حتى الان عن تشكيل جيش وقوات امن نظامية واجبرت على التعويل على ميليشيات لضمان الامن في العاصمة.وفي بيان لها الأسبوع الماضي، قالت البعثة الأممية في ليبيا، إنها "تدين بشدة تدخل المليشيات وارتكاب الأعمال الإجرامية ضد المؤسسات السيادية التي تعمل من أجل مصلحة ليبيا وشعبها.

ودعت البعثة الأممية في تغريدة لها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج، إلى مقاضاة ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات المليشيات.وهددت البعثة  أنها "ستعمل مع جميع السلطات المختصة للتحقيق في إمكانية فرض عقوبات ضد أولئك الذين يتدخلون أو يهددون العمليات، التي تضطلع بها أية مؤسسة سيادية تعمل لصالح ليبيا"، وذلك من خلال تقرير ستقدمه إلى مجلس الأمن الدولي.


** إرهاب وتهريب

وتشهد ليبيا مخاطر ارهابية على الرغم من الهزائم التي تعرضت لها التنظيمات الارهابية وعلى رأسها "داعش"،الذي تبنى الهجوم المسلح الذي إستهدف حاجزاً لقوة العمليات الخاصة التابعة لحكومة الوفاق يقع على الطريق الساحلي بين الخمس، التي تبعد 115 كيلومتراً شرق طرابلس، وزليتن، على بعد 170 كيلومتراً شرق العاصمة.

وبثت وكالة "أعماق"، التابعة لتنظيم داعش، بياناً أعلن فيه التنظيم استهداف من سماهم "عناصر الأمن المرتدين" التابعين لحكومة الوفاق الوطني.وأسفر الهجوم عن مقتل أربعة أشخاص فيما قالت أعماق إن سبعة أشخاص قتلوا وأصيب عشرة آخرون في هجوم مقاتليها.

وأخرجت قوات محلية التنظيم المتشدد من معقله السابق في سرت، جنوب شرقي مصراتة، في عام 2016، لكن مسؤولين ليبيين غربيين يقولون إن التنظيم يسعى لتوحيد صفوفه، من خلال وحدات متحركة في الصحراء وخلايا نائمة في بلدات شمالية. وتشهد ليبيا من حين إلى آخر هجمات يشنها مقاتلو تنظيم داعش، الذي استفاد من الفوضى والانقسامات لمد أذرعه في البلاد.

في غضون ذلك، كشفت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الليبي النقاب عن تعرض "رعايا مصريين في ليبيا لحادث اختطاف وتعذيب في منطقة المخيلي، في شرق البلاد"، وطالبت في بيان لها "الأجهزة الأمنية بمتابعة المسؤولين عن الحادثة، وتقديمهم للعدالة". وبعدما أكدت اهتمام ليبيا بسلامة رعايا كل الدول، حذرت اللجنة من التعامل مع العصابات التي تمتهن تهريب البشر.

يشار إلى أن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا عثر في مايو الماضي على 21 مصريا، تم تعذيبهم بشكل قاس على أيدي عصابة مسلّحة في منطقة مهجورة بمنطقة "المخيلي" بالجبل الأخضر شرق ليبيا، وذلك لإجبارهم على دفع أموال مقابل إطلاق سراحهم، وقامت السلطات الليبية تسليمهم إلى مصر، معلنة أنها فتحت تحقيقا موسعا.


** الهلال النفطي

رغم نجاح الجيش الوطني على الليبي في إنهاء حالة الفوضى وطرد المسلحين من منطقة الهلال النفطي، إضافة إلى تحرير ميناءي رأس لانوف والسدرة، وتكبيد الإرهابيين خسائر في الأرواح والعتاد،فإن الحديث يعود مجددًا حول عملية جديدة لقائد حرس المنشآت النفطية السابق، إبراهيم الجضران الداعم للميليشيات المسلحة بعد فشل عمليته السابقة في احتلال المنطقة الغنية بالنفط.

وكشفت مصادر عسكرية بإجدابيا النقاب عن تحالف عسكري جديد تم التجهيز له في اجتماعات مكثفة شهدتها منطقة سبها، جنوب البلاد، بين الجضران وفصائل متمردة تابعة لتشاد، تهدف إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة للسيطرة على أكثر من منطقة وليس الهلال النفطي فقط، بحسب النهار اللبنانية.

وقال موقع "غلوبال ريسك إنسايتس" الأميركي،في تقرير له،إنه علي الرغم من انتهاء المعارك الأخيرة في الهلال النفطي بتسليم الموانئ إلى المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، إلا أن معركة السيطرة على المنطقة أبعد ما تكون عن الانتهاء.و حذر التقرير من أن استمرار حالة انعدام الأمن، وتعرض البنية التحتية والمنشآت النفطية لهجمات متكررة من المجموعات المسلحة تقيد الإمكانات الحقيقية لصناعة النفط في ليبيا.

وكانت وحدة من الجيش الليبي،قد ألقت القبض،السبت،على عاملين وافدين في منطقة جالو بحوزتهم أسلحة وأجهزة اتصال لاسلكي.وأكد مصدر في منطقة الخليج العسكرية إلقاء القبض على اثنين من العمالة الوافدة كانا يستقلان سيارة محملة بالوقود، وعند تفتيشهم تبين أن بحوزتهما أسلحة وأجهزة اتصال لاسلكي.وأفاد مسؤول الإعلام في منطقة الخليج العسكرية حسن طاهر لـ"إرم نيوز"، أن المعتقلين نقلوا إلى غرفة عمليات إجدابيا للتحقيق معهم.

يشار إلى أن الجيش الليبي أعلن قبيل عيد الأضحى حالة التأهب في منطقة الهلال النفطي تحسبًا من هجوم قد تشنه مليشيات آمر حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران وسرايا الدفاع عن بنغازي المصنفة إرهابية بالتحالف مع العصابات التشادية التي تتمركز فلولها في عدة مناطق جنوب ليبيا.

وتعد ليبيا صاحبة الاحتياطات النفطية الأكبر في أفريقيا، بواقع 48.4 مليار برميل، بحسب تقرير المراجعة الإحصائية السنوي للطاقة العالمية الذي تعده شركة "بريتش بتروليوم" البريطانية.وتمثل العائدات النفطية نحو 95% من العائدات الأجنبية في ليبيا، وتوفر نحو 90% من العائدات الحكومية، وبالتالي فإن الصراع للسيطرة على الموارد النفطية يقع في قلب الصراع السياسي، ومساعي كل طرف للسيطرة على المشهد السياسي المنقسم بالفعل.

محللون سياسيون يرون أن اندلاع اشتباكات جديدة في الهلال النفطي الليبي، "القلب الاقتصادي لليبيا"، تقوض جهود المجتمع الدولي لدفع العملية السياسية، ويمكن أن تعقد الجهود الرامية إلى سد الانقسامات العميقة"، بحسب الوكالة الفرنسية.أضف إلى ذلك أن تحرير المواني النفطية سيعيد الأمل في تحسن الإنتاج، خاصة أن الجيش نجح سابقًا في طرد الميليشيات من المواني الليبية وهو ما أسهم فى تصاعد الإنتاج خلال الفترة الماضية..


** مخاوف في سبها

من جانب آخر، ووسط أجواء من الهدوء الحذر الذي يسود جنوبي ليبيا، لا يزال الرعب يسيطر على أهالي مدينة سبها بعد أكثر من شهرين على وقف النار. وباتت المدينة، التي تشهد منذ سنوات صراعاً مسلحاً بين قبيلة أولاد سليمان وقبائل التبو وبعض عناصر المعارضة التشادية من جهة أخرى، تفتقد لمعظم مرافق الحياة الأساسية، مثل الكهرباء والغاز والماء. وارتفعت آمال أهالي سبها في مارس العام الماضي، بعد توقيع الميليشيات اتفاقية مصالحة في روما، تشرف عليها الحكومة الإيطالية. قبل أن تتهاوى الاتفاقية ويسود الخوف مجدداً في أرجاء المدينة.

وبحسب صحيفة "العين الإماراتية"،فقد حذرت مصادر أمنية ليبية، من هجمات إرهابية مختلفة، تنفذها عناصر ليبية وأجنبية، في عدة مناطق بجنوب ليبيا، مشيرة إلى أن جماعات تشادية مدعومة قطريا تخطط للهجوم على سبها.وأشارت المصادر، بحسب وسائل إعلام ليبية، إلى أن الهجوم المحتمل يستهدف المنطقة الممتدة من قاعدة "واو" الجوية المعروفة بـ"فوار 200"، مروراً بجبال "بن غنيمة" وحتى مدينة " سبها" بهدف السيطرة على منطقة خليج "السدرة" النفطي الذى يضم أكبر المرافق النفطية في ليبيا.

وكانت المعارضة التشادية شنّت في وقت سابق من شهر أغسطس الجاري، هجمات على معسكر للجيش التشادي "معسكر60" الحدودي، وقالت وسائل إعلام محلية هناك إن إرهابيي المعارضة استخدموا الأراضي الليبية لتنفيذ لهجماتها.وأعلنت القيادة العامة للجيش التشادي، حالة الاستنفار على الحدود مع ليبيا وعزّزت كتائب حرس الحدود بطائرات مقاتلة تحسباً لأي هجمات أخرى على أراضيها.

وتعتبر مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي، حيث يقطن بها حوالي نصف مليون ليبي، وتحديدا 400 ألف نسمة، وتبعد عن العاصمة طرابلس بـ750 كيلومترا.وقد أصبحت مدينة سبها الصحراوية ساحة لمعارك ضارية منذ العام 2011،وباتت تعتبر مثالا حيا على الفوضى الأمنية التي اجتاحت جنوب ليبيا والبلاد بشكل عام.

وتعبر الأزمة في مدينة سبها على الأوضاع المتردية التي تعيشها منطقة جنوب ليبيا،التي شهدت صراعًا قبليًا له طابع سياسي.حيث لاتزال المنطقة تعاني من انعدام الاستقرار المُستوطن، وترزح تحت وطأة النزاعات الأهلية،وإنتشار العصابات الإجرامية،والتنظيمات المسلحة،التي أسهم أنشطتها في تعميق الانقسام وإذكاء الصراعات بين القبائل، وزيادة الفوضى الأمنية في ظل الفراغ الذي يضرب مفاصل الحياة في ليبيا،وغياب دولة قوية.