ستكون مناقشة ميزانية 2015 أول اختبار حقيقي للنواب الجدد، للدفاع عن أفكارهم و مشاريعهم التي وعدوا بها ناخبيهم قبل نحو شهر من أول اجتماع سيعقده المجلس الجديد في الرابع و العشرين من نوفمبر الجاري. نواب مجلس الشعب الجدد ستوكل إليهم مهمة تمرير مشروع ميزانية حكومة مهدي جمعة والتي تمّ تقديمها رسميا إلى المجلس التأسيسي يوم 24 أكتوبر الماضي.

الاختبار سيكون صعبا و سيحدد إلى حد بعيد التحالفات المقبلة سواء في تشكيل الحكومة أو في مشاريع القوانين التي سيتم تقديمها من الحكومة إلى المجلس للمصادقة عليها. بعض السياسيين تحدث عن انّ الميزانية الجديدة هي "الحلّ و الرّبط"، وهي التي ستوضّح القوى المعبّرة عن تطلعات المواطنين. الميزانية الجديدة قد تثير عديد الإشكاليات، الأمر الذي قد يجعل تمريرها أمرا غيرا هيّنا.

مشروع

مشروع الميزانية الذي سيناقشه النواب الجدد، أسمته وزارة المالية "مواصلة الانتعاش الاقتصادي" وهذا يعني أن حكومة المهدي جمعة تواصل نفس خياراتها من أجل الاصلاح الاقتصادي، ما يعني مواصلة العمل بالإجراءات المتخذة في قانون المالية التكميلي لسنة 2014. و الذي يثير ردود فعل اجتماعية غاضبة لأنه لا يتضمن زيادة في الأجور في قطاع الوظيفة العمومية. وفي الميزانية الجديدة لا يوجد ايضا في باب النفقات العمومية للحكومة، عنوانا للزيادة في الأجور، بل سنجد تقليصا للدعم، الأمر الذي سيساهم في ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، الأمر الذي سيزيد من وطأة غلاء الأسعار على المستهلكين. خاصة أن حكومة المهدي جمعة لم تف بوعودها في ما يتعلق بالتحّكم في السعار مقابل إحجامها عن الزيادة في الأجور. حكيم بن حمودة وزير المالية و الاقتصاد قال إنّ الهدف من ميزانية 2015 هو مواصلة التحكم في الموازنات العامة. وهذا يقتضي تقليص الدعم بنحو ألف مليار عن سنة 2014 ونحو ألفي دينار عن سنة 2013. وهذا يعني أن حجم ميزانية الدعم ستتقلص من 5.5 مليار دينار سنة 2013 إلى حدود 3.5 مليار دينار سنة 2015. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نحو 60 في المائة من قيمة الدعم تذهب إلى دعم الطاقة فإنّ القطاع التي سيتأثر مباشرة بذلك هو قطاع المحروقات و الكهرباء. وحتى إن لم تعلن حكومة المهدي جمعة عن الإجراءات العملية لتنفيذ تقليص الدعم هذا ، فإنّ الواضح هو أنّ لا حل أمامها أو امام الحكومة الجديدة سوى الرفع مرة أخرى في أسعار الكهرباء و البنزين. ما يمكن ملاحظته في المشروع الجديد هو أنّه لا توجد ميزانية مخصصة للزيادة في اجور قطاع الوظيفة العمومية، وهذا ما يعني حرمان الموظفين للسنة الثالثة على التوالي من زيادات في الأجور. وهو أمر سيكون محل رفض شديد من نواب " اليسار " في المجلس الجديد، ومن الاتحاد العام التونسي للشغل. فمشروع الميزانية يوضّح أن كتلة الأجور ارتفعت بنسبة 5 في المائة في 2015، ولكن هذه الزيادة لا تعني تخصيص مبلغ للرفع في الأجور بل تعني تخصيص نفقات للاستجابة للاتفاقيات التي وقع توقيعها سابقا.

مواقف متضاربة

حكيم بن حمودة وزير المالية قال إن هدف الحكومة هو إعادة التوازن لنفقات الحكومة دون الوصل إلى تطبيق سياسة تقشفية، لكنها في الواقع تبدو وكأنها سياسة تقشفية، لأنها تضغط على نفقات الدولة من جهة و تضغط على المواطنين و المستثمرين بمعاليم الجباية و الضرائب المختلفة وتحت عناوين و تفاصيل لا يمكن التفطن إليها إلا بعد المصادقة و تمرير الميزانية. هذا الرأي يدعمه ممثل صندوق النقد الدولي في الشرق الاوسط مسعود أحمد الذي يرى أن برنامج الاصلاحات الذي تنفذه الحكومة التونسية يتطابق مع المعايير التي يطلبها الصندوق و التي على اساسها يواصل تمويل الاقتصاد التونسي. ورغم أن مهدي جمعة قال في وقت سابق انّ حكومته لا تطبق شروط صندوق النقد إلا أنها في الواقع تسير وفق مخطط الإصلاح الذي رسمه الصندوق الذي لا يمنحه قروضه إلا إذا استجابت الحكومة لما يطلبه من إصلاحات و أهمها تقليص الدعم و عدم الزيادة في الأجور. هذا الوضع سينعكس سلبا على أداء الحكومة القادمة التي ستجد نفسها بين سندان المطالب الاجتماعية الملحة و غضب اتحاد الشغل يضاف إليهم صقور اليسار في المجلس الجديد، وبين شروط صندوق النقد الذي لن يدعم الاقتصاد التونسي في حال تراجعت الحكومة الجديدة عن برنامج الاصلاحات التي وضعته حكومة المهدي جمعة .