شهدت الأسابيع القليلة الماضية تحركات دولية مكثفة في الملف الليبي في محاولة لايجاد حلول قادرة على كسر جدار الأزمة المستعصية في البلاد منذ سنوات وتحقيق توافق بين الفرقاء الليبيين ينهي حالة الانقسام التي أذكت جذوة الصراعات وعمقت مأساة البلد منذ التدخل الغربي فيه في العام 2011 والذي اغتال الأمن والاستقرار وألقى به في غياهب الفوضى وتكالب المصالح الداخلية والخارجية.

وأثمرت التحركات المتسارعة عن اتفاقات بين الفرقاء الليبيين أحاط بها التفاؤل والترحيب وسط حذر متواصل تفرضه تجارب سابقة لاتفاقات لم يكتب لها النجاح بسبب التطورات المستمرة التي تشهدها الساحة الليبية نتيجة تباين وجهات النظر وتعنت الاطراف المتصارعة ناهيك عن التدخلات الخارجية التي تفرض في كل مرة أجندات مختلفة تربك المسار السلمي في البلاد.

في بوزنيقة المغربية،خاض وفدين عن مجلس النواب في طبرق ومجلس الدولة في طرابلس جولات من المشاورات انتهت بتوقّيع طرفي النزاع في ليبيا،الثلاثاء 06 أكتوبر 2020، على اتفاق حول آليات ومعايير توزيع المناصب القيادية في الوظائف السيادية، في خطوة مهمة في اتجاه توحيد مؤسسات البلاد، بعد سنوات من الانقسام والصراع.

وأعلن وزير خارجية المغرب، عن توافقات مهمة بعد جولة المفاوضات الليبية في بوزنيقة، مؤكداً "توصلهم إلى تفاهمات على توزيع المناصب السيادية".وأكد أن الحوار السياسي الليبي الليبي في بوزنيقة المغربية، مكن من التوصل إلى توافقات، مشدداً على الحياد الإيجابي من المغرب في مساعدة الليبيين وقال "الروح الإيجابية للمفاوضين الليبيين، مكنت من التوصل لتوافقات ليبية ليبية.

وقال وزير الخارجية المغربي انه "يوم انطلق هذا الحوار الليبي، لا أحد كان يراهن عليه في البداية، وهناك من حكم عليه مسبقا بالفشل"،مبينا أن ما قامت به الرباط هو فسح المجال لليبيين، ليتناقشوا ويصلوا إلى توافقات، مضيفاً "أن هذه المقاربة تعطي لليبيين، ما هم أهل له: حل مشاكلهم بأنفسهم".ووصف بوريطة ما جرى في المغرب من تبادل للمحاضر بين الوفدين الليبيين، بأنها لحظة مهمة.

وجاء التوقيع بعد جولتين من مفاوضات واجتماعات مطولة، جمعت بين ممثلين من المجلس الأعلى للدولة والبرلمان الليبي في مدينة بوزنيقة المغربية، حول توزيع 7 مناصب سيادية في البلاد، وهي محافظ المصرف المركزي ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس جهاز الرقابة الإدارية ورئيس هيئة مكافحة الفساد، إضافة إلى رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات ورئيس المحكمة العليا ومعهم منصب النائب العام.

وجاءت جولات الحوار الليبي في المغرب بعد حراك سياسي ودبلوماسي تلا الإعلان عن قرار لوقف إطلاق النار على طول جبهات القتال في ليبيا.واعتبر مراقبون أن توقيع الاتفاق في بوزنيقة يمثل أملا كبيرا للتوصل إلى تسوية سياسية نهائية وشاملة في ليبيا،ومن شأنه أن يكون تمهيدا ايجابيا للاجتماعات القادمة بين الفرقاء بهدف إنهاء النزاع الليبي وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

ومن بوزنيقة المغربية الى الغردقة المصرية، التي اتفق فرقاء ليبيا خلال اجتماعاتهم فيها، مساء الإثنين 28 سبتمبر 2020، على تشكيل هيئة عسكرية مشتركة تضم جميع الليبيين. ووقع المشاركون في الاجتماع، الذي يندرج ضمن لقاءات المسار العسكري الأمني الليبي (5+5) برعاية الأمم المتحدة، على مذكرة تفاهم أولية تنص على تشكيل هيئة عسكرية تضم جميع الطوائف الليبية.

ومن المقرر أن تعرض اللجان العسكرية الليبية بالغردقة توصياتها للبعثة الأممية، حيث إن إنشاء قوة ليبية للتدخل السريع من الجيش والشرطة، مهمتها حماية مقر الحكومة الليبية ومنشآت النفط.وتضمن الاتفاق بين فرقاء ليبيا أيضاً، توزيع المناصب العسكرية بحسب الأقاليم الليبية، ضمن خطط دمج أبناء ليبيا فى مؤسسة عسكرية موحدة، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية المختلفة.

وتضمنت التوصيات أيضا إيقاف حملات التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية واستبداله بخطاب التسامح والتصالح ونبذ العنف والإرهاب، الإسراع في فتح خطوط المواصلات الجوية والبرية بما يضمن حرية التنقل للمواطنين بين كافة المدن الليبية.ورحبت الأمم المتحدة بالنتائج التي توصل إليها الوفدان، على أمل أن يسهم هذا التطور الإيجابي في تمهيد الطريق أمام الأطراف الليبية نحو الاتفاق على وقف نهائي ودائم لإطلاق النار في وقت قريب.

وعلى وقع هذه الاتفاقات الايجابية،شهدت العاصمة الألمانية برلين اجتماعا وزاريا بشأن ليبيا عبر دائرة تلفزيونية وبرعاية ألمانية ودولية.وقد رحّب المشاركون بالمؤتمر في البيان الختامي بالمحادثات الجارية بشأن الإدارة العادلة لعائدات النفط بين جميع مناطق ليبيا، كما حثوا السلطات الليبية على إجراء إصلاحات اقتصادية وإعادة توحيد المؤسسات المالية.

وشارك في الاجتماع الدول التي شاركت في مؤتمر برلين ودول جوار ليبيا الست، إضافة إلى دول لجنة المتابعة مثل سويسرا وهولندا.وطالب المشاركون، في المؤتمر، بإخراج المرتزقة وتثبيت وقف إطلاق النار، مع ضرورة الالتزام بحظر توريد السلاح المفروض من مجلس الأمن على ليبيا.

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس خلال مؤتمر صحافي في برلين: "هناك أسباب لإبداء تفاؤل حذر"، لافتا إلى وجود "مؤشرات لدى طرفي النزاع للانتقال من المنطق العسكري إلى المنطق السياسي".وأضاف ماس الذي ترأس الاجتماع عبر الفيديو مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على هامش جلسة الجمعية العامة للمنظمة الأممية:"نعتقد أن ثمة فرصة تتيح جعل الأمور التي كانت مستحيلة في الأسابيع الماضية ممكنة".

ومن جانبه قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، في كلمته خلال المؤتمر: "لا بد من تنفيذ توصيات مؤتمر برلين مع الالتزام الكامل بحظر السلاح المفروض على ليبيا".وشدد جوتيرس على ضرورة وقف الدول الخارجية نقل الأسلحة إلى ليبيا وغيرها من أشكال الدعم العسكري.ودعا الأمين العام للأمم المتحدة كاف الأطراف الليبية إلى مواصلة العمل من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار والمشاركة في الحوار السياسي.

وينضاف الى هذه التطورات الايجابية التحركات المتصاعدة لدول الجوار في الملف الليبي وهو ما يمثل بحسب كثيرين مؤشرا ايجابيا نظرا للدور الهام لهذه الدول في حل الأزمة المستمرة في البلاد.ويمثل احتضان تونس للاجتماع المباشر الأول لملتقى الحوار السياسي الليبي مطلع نوفمبر المقبل،مجالا جديدا لدول الجوار لمزيد الانخراط في الملف الليبي.

وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، أعلنت، مساء السبت 10 اكتوبر 2020، رسميا، احتضان تونس للمحادثات الليبية المرتقبة، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.وأوضحت وليامز في بيان نشرته البعثة الأممية أن تونس ستستضيف الاجتماع المباشر الأول لملتقى الحوار السياسي الليبي مطلع شهر نوفمبر المقبل، وذلك عقب إجراء المحادثات التمهيدية عبر الاتصال المرئي بسبب جائحة كورونا.

وأعرب الرئيس التونسي قيس سعيد خلال لقائه رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالنيابة ستيفاني وليامز،الإثنين 12 أكتوبر 2020،عن ارتياحه لتتويج مسار من التنسيق والتشاور بين تونس وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا باختيار بلاده لاحتضان هذا الاجتماع الهام الذي سيلتقي فيه كل الفرقاء الليبيين من أجل استئناف العملية السياسية، مؤكدا استعداد تونس لوضع كل الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة للمساهمة في إنجاح هذا الاستحقاق الهام.

ومن جهتها،أعربت الحكومة الجزائرية عن رغبتها في إشراكها في جولات الحوار الليبي التي تجري الآن،واستعدادها لتقديم يد العون من ناحية التدريب والتأهيل للكيانات الشرطية والأمنية لكافة المجموعات الراغبة في الانخراط في الأجهزة الأمنية.وجاء ذلك خلال لقاء بين سفير الجزائر لدى ليبيا مالك عبد القادر حجازي مع وزير الخارجية بحكومة الوفاق محمد سيالة، بحسب المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية بحكومة الوفاق.

وتسعى بلدان الجوار الليبي إلى إعادة تنشيط دورها في ليبيا خاصة وأنها تعاني كثيرا من تداعيات الازمة في هذا البلد منذ سنوات.وهو ما يمكن أن يتجدد في ظل تصاعد المخاوف من امكانية تحول الأراضي الليبية الى ملجأ جديد للعناصر الارهابية خاصة مع انتشار آلاف المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا من سوريا نحو ليبيا لدعم حكومة الوفاق المتحالفة معها.

ويرى مراقبون،أنه من الطبيعى جدا أن يكون لدول الجوار دور فعال ومؤثر فى الأزمة الليبية باعتبار أنها تتشارك مع ليبيا فى الحدود والمصالح، وبالتالي فى المسألة الأمنية والاقتصادية.ويشير هؤلاء لى أن دول الجوار تسعى للمساعدة فى استقرار ليبيا.ولطالما شددت تصريحات السياسيين الليبين على أهمية الدور خاصة في ملف مكافحة الإرهاب وحماية وتأمين الحدود المشتركة.

وتشير هذه التطورات المتسارعة الى رغبة دولية ملحة لانهاء الأزمة المستمرة منذ سنوات في ليبيا وانهاء الصراع الذي يمثل خطرا يتجاوز حدود ليبيا خاصة مع انتشار المرتزقة والجماعات الارهابية في البلد النفطي.وبالرغم من التفاؤل الكبير الذي يحيط بهذه التطورات والمؤشرات الايجابية فان الحذر مازال قائما خاصة مع تواصل محاولات اجهاض الحلول السلمية من تركيا وحلفائها حيث تسعى أنقرة الى استمرار الفوضى في ليبيا بما يمكنها من تدعيم نفوذها وتمرير اتفاقاتها المشبوهة التي يبدو أن التوافق الليبي يهدد بانهائها.