صبيحة كل يوم، تستيقظ “روزا داريو أكيول” لجمع الحجارة المتساقطة من تلال ضاحية “جبل” الواقعة في العاصمة الجنوب سودانية جوبا، ثم تكسر العجوز الستينية الحجارة إلى أجزاء أصغر، وتكدسها في أكوام صغيرة على جانب الطريق، أملا في أن يأتي أحد عمال البناء لشرائها.
“لا أستطيع أن أذهب وأسرق. السرقة حرام”.. هكذا استهلت “أكيول” حديثها لوكالة الأناضول.
وقالت: “إذا رزقني الرب بشخص ما لشراء الحجارة، حتى مقابل جنيهين جنوب سودانيين (0.35 دولار أمريكي)، يمكنني أن أشتري الخبز، وأكلة وشرب الماء”.
وفي أعقاب اندلاع أعمال العنف في قبل عام، فرت “أكيول” من مقاطعة “دوك” بولاية جونقلي (شرق)، برفقة اثنين من أحفادها، قبل أن تجد السيدة المسنة سبيلها إلى العاصمة جوبا في أبريل/ نيسان الماضي، بغية العثور على المساعدة.
وأضافت: “في البداية غادرت بيتي في دوك، ثم اتجهت إلى بور (عاصمة ولاية جونقلي)، حيث أردت الذهاب إلى مخيم (اللاجئين)، وهناك اكتشفت أنه لا يوجد سبيل للحصول على المساعدة، لذلك عندما رأيت الناس يذهبون إلى جوبا، انضممت إليهم”.
وبمجرد وصولها إلى جوبا، تلاشت آمال “أكيول” في العثور على مخيم للاجئين، انتهى بها المطاف في منزل مؤقت صغير في “جبل”، وهي أحد ضواحي جوبا الجبلية، وعندما عجزت عن العثور على أي وسيلة أخرى لكسب قوت يومها، بدأت سحق الحجارة لكسب بعض المال.
ومضت السيدة المسنة التي تنحدر من قبيلة “الدينكا”، في سرد تفاصيل حكايتها، قائلة: “لم أتمكن من الذهاب إلى المخيم، وهكذا اضطررت إلى القيام بما أفعله الأن”، وأشارت إلى أن معظم المشردين داخليا (النازحين) في جنوب السودان ينتمون إلى قبيلة “النوير”.
وأعربت العجوز التي يرثى لحالها عن حزنها بالقول: “أنا في ظروف صعبة، وما كنت لأفعل ذلك لو كان لي ابن يعمل في الحكومة يستطيع أن يحضر لي شيئا للأكل”.
مثل “أكيول”، تعمل الأرملة مارغريت ساتورلينو، (52 عاما)، في تكسير الحجارة أيضا لكسب عيشها في البلد الذي مزقته الحرب.
وقالت “ساتورلينو” في حديث لوكالة الأناضول: “تورمت قدمي بعد أن اصطدم بها حجر أثناء عملية التحطيم، ولا أستطيع النوم ليلا من شدة الآلام التي تعتري جسدي”.
وأضافت متسائلة: “عندما أشعر بالظمأ، أضطر لشراء الماء، وعندما أشعر بالجوع لا بد لي من البحث عن المال لشراء الطعام، من أين يمكنني الحصول على المال؟”.
في البداية كانت تعمل “ساتورلينو” في بيع الخضروات في مدينة ملكال (عاصمة ولاية “أعالي النيل” شمال شرق البلاد)، وعندما اندلعت أعمال العنف، فرت في فبراير/ شباط الماضي، إلى جوبا.
وأوضحت “ساتورلينو” إلى أن القبلية والمحسوبية تزيد معاناة النازحين، بسبب ما وصفته بـ”التمييز غير العادل”، في اختيار النازحين الذين تتم مساعدتهم في جوبا.
ومضت قائلة: “تلقيت تعليمي في السودان، ولدي وثائقي، ولكن إذا لم يكن لديك قريب يعمل في الحكومة، لا يمكنك الحصول على وظيفة”.
في محاولة لمساعدة المسنين النازحين في العثور على وظائف لائقة، بدأت “منظمة كبار السن بجنوب السودان قديم، وهي منظمة غير حكومية، تدريب النازحين على مهارات مثل الطهي والحياكة.
وفي حديث لوكالة الأناضول رئيسة المنظمة “مارسيلين دنيا”، إن “المسنين لا يمكنهم القيام بأعمال شاقة، لذلك نحتاج لمساعدتهم بالتدريب على احتراف المهن الخفيفة، التي تمكنهم من كسب لقمة العيش”.
وأضافت: “حددنا العديد من المسنين الذين تضرروا من جراء الحرب، ومن بينهم هؤلاء الذين يعيشون في مخيمات النازحين داخليا، وندربهم على الطهي والحياكة حتى يتمكنوا من الوقوف على أقدامهم دون بذلك الكثير من الجهد”، مشيرة إلى أن منظمتها دربت حتى الآن 308 شخصا.
من جانبها، قالت “ريجينا أوسا لولو”، المسؤولة في وزارة الشؤون الإنسانية وشؤون الطفل والرعاية الاجتماعية، إن “محنة المسنين ليست ظاهرة جديدة في جنوب السودان، ووضع كبار السن أمر تبحثه الوزارة”.
وأضافت في تصريح للأناضول: “طرحت الوزارة مشروع حماية اجتماعية من شأنه أن يوفر الدعم لكبار السن والأطفال دون سن الخامسة، وكذلك للنساء”.
وتابعت: “بمجرد أن يتم تمريرها من قبل البرلمان، وتحصل الحكومة على التمويل، سيتم تطبيق المشروع في جميع ولايات جنوب السودان”.
ووفقا لـ”لولو”، ستعرض الوزارة المشروع المقترح على مجلس الوزراء من أجل الموافقة عليه قبل أن يتم مناقشته في البرلمان.