توفر الفوضى وخيبة الأمل والقمع الظروف المثالية للدولة الإسلامية. حاليا، ينتشر المتطرفون الإسلاميون ويتوسعون انطلاقا من سوريا والعراق باتجاه شمال أفريقيا، حيث أعلنت الكثير من الجماعات المحلية ولاءها للدولة الإسلامية.

تتوفر دولة الخلافة على شاطئ يقع على البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 300 كيلومتر (186 ميلا) جنوب جزيرة كريت في درنة. ويبلغ سكان هذه المدينة الشرقية حوالي 80.000، وبها مدينة قديمة جميلة ومسجد يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر ترفرف من على بنايته راية الدولة الإسلامية سوداء اللون. تتوفر هذه المدينة الساحلية على محاكم شرعية وقوات "شرطة إسلامية" تجوب دورياتها الشوارع على متن مركبات رباعية الدفع. في جامعتها، بُني جدار يفصل الطلبة عن الطالبات وتم إلغاء شُعب القانون والعلوم الطبيعية واللغات. أما من يشكك في هذا النظام الاجتماعي الجديد فإنه حتما يجازف بحياته.

أصبحت درنة مستعمرة يسودها الرعب، إنها أول مقاطعة للدولة الإسلامية في شمال إفريقيا. الأوضاع في ليبيا مثالية للإسلاميين الراديكاليين: دولة متفككة وموقع استراتيجي يحوي أكبر احتياطي نفطي في القارة. إذا ما تمكنت الدولة الإسلامية من بسط سيطرتها على جزء كبير من ليبيا، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى زعزعة الاستقرار في العالم العربي برمته.

تُثبت الدولة الإسلامية أقدامها أينما تسود الفوضى وتضعف الحكومات ويخيب الأمل في الربيع العربي. خلال الأسابيع القليلة الماضية، اصطفت الجماعات الإرهابية التي كانت تنشط محليا في صف الدولة الإسلامية المتطرفة.

في سبتمبر المنصرم، بايعت مجموعة جند الخلافة الجزائرية الدولة الإسلامية. وعلى شاكلة هذه الأخيرة، قطعت رأس متسلق الجبال الفرنسي ونشرت فيديو عمليتها على شبكة الإنترنت. وفي أكتوبر الماضي، تم الإعلان عن "الخلافة" في درنة. فيما أجهرت، الأسبوع الماضي، أقوى مجموعة إرهابية مصرية بولائها للدولة الإسلامية.

علامة رعب جديدة

أعلنت العديد من الجماعات ولاءها للدولة الإسلامية، فيما دعمها وساندها آخرون، مثلما فعلت بوكو حرام في نيجيريا وأبو سياف في الفلبين وطالبان في باكستان. وكل هؤلاء يسعون للاستفادة من سمعة ووحشية الدولة الإسلامية، علاوة على أن الحصول على السلاح والمال والمقاتلين أصبح سهلا مع استخدام علامة الرعب الجديدة.

وكانت معظم هذه الجماعات قد انضمت في السابق لتنظيم القاعدة لنفس الأغراض، لكن الدولة الإسلامية غطت على وجود قوات أسامة بن لادن منذ فترة طويلة. وبينما يعدُ تنظيم القاعدة مؤسسة إيديولوجية تحتمي في أماكن بعيدة، فإن الدولة الإسلامية تسعى لبسط سيطرتها على مناطق بأكملها، يقودها في ذلك المدعو "الخليفة" أبو بكر البغدادي.

في الوقت الراهن، توجد تونس، مهد الربيع العربي، على رأس قائمة الدول التي وفرت أكبر عدد من الجهاديين للدولة الإسلامية، خاصة أن بها الكثير من المستائين من الحريات الجديدة التي يمتلكونها الآن، ما مكن أيضا الإسلاميين من تجنيد أتباع جدد في تونس لفترة طويلة. في مصر وعقب سيطرة الديكتاتورية العسكرية الجديدة على الثورة، انتشرت المنظمات الإرهابية المتطرفة. أما في ليبيا، فقد أدى القتال بين الميليشيات إلى انهيار كامل لنظام الدولة.

وتجدر الإشارة إلى أن الإسلاميين عانوا من الاضطهاد لفترة طويلة في هذه البلدان تحت حكم العلمانيين. مما أرغم الجهاديين، في ظل حكم حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي، لمغادرة بلدانهم الأصلية. وفي ظل الظروف الراهنة، عاد بعض الجهاديين السابقين وانضم كثير منهم مؤخرا لصفوف الدولة الإسلامية في سوريا.

ليبيا بدون دولة

كانت درنة منذ فترة طويلة معقلا للمتطرفين وأنجبت أكبر عدد من الانتحاريين الذين التحقوا بالجهاد في العراق بعد عام 2004. إن قمع قوات أمن القذافي هو ما سهل على الإسلاميين تسويق الجهاد كبديل عن العيش في ظل الدكتاتورية وكان النظام آنذاك سعيدا بالسماح لهم بالمغادرة. فكل مقاتل إسلامي غادر ليبيا لمحاربة الروس أو الأمريكيين كان بمثابة خطر تم إبعاده عن البلاد.

بعد الإطاحة بالقذافي عام 2011، توجه العديد من الثوار إلى سوريا للقتال ضد بشار الأسد. وفي نفس الآن، أنجبت الثورة عدة ميليشيات، لم تكن كلها راديكالية رغم أن بعضها كان يساند الإسلاميين. ووجد المتطرفون في شرق ليبيا المكان المناسب لعملياتهم، حيث ارتكبوا سلسلة من الهجمات الدامية ضد الشرطة والجيش، ما أرغم الدولة على التراجع عن هذه المناطق. واليوم، ترزح درنة تحت قبضة العديد من الميليشيات، أهمها مجلس شورى شباب الإسلام، وهي منظمة خرجت من رحم الجماعة الإرهابية الليبية أنصار الشريعة. كما انضم قادة أنصار الشريعة في درنة لقوات الدولة الإسلامية عكس القادة في بنغازي.

في البداية، ظهرت الدولة الإسلامية في ليبيا في شكل مجموعة من المقاتلين العائدين من سوريا. ثم أحكمت "كتائب البتار" سيطرتها على درنة بعد سلسلة من الاغتيالات التي طالت السياسيين والقضاة والمحامين – لم يسلم منها حتى قادة الميليشيات الأخرى. وفي سبتمبر، أرسلت الدولة الإسلامية "أميرا" إلى درنة، وهو يمني مغمور يدعى محمد عبد الله. في يوم 5 أكتوبر، عُقد أول اجتماع بين قادة الدولة الإسلامية وقادة مجلس الشورى، أعلنوا على إثره قيام التحالف وتأسيس "مقاطعة برقة" التابعة للدولة الإسلامية. ومع نهاية أكتوبر، أعلن مئات المواطنين ولاءهم "للخليفة".

سأل ناشط يدعى محمد باتوحة المتطرفين الأجانب عن دورهم فيما يجري بدرنة. يومين بعد ذلك، أُطلق عليه النار من قبل مسلحين كانوا على متن سيارة، تماما كما وقع لعشرات المنتقدين قبله.

"لا تختلف الأمور كثيرا عما يقع في سوريا والعراق"

"في بنغازي، بدأت الحرب ضد القذافي في 17 فبراير 2011. وقد شكل ذلك نقطة هامة ستحسم فيما بعد في المعركة ضد الإسلاميين التي ستعم كل الشمال الإفريقي"، يقول ناشط طلب عدم الكشف عن هويته. وكان من القلائل الذين تحلوا بالشجاعة للتحدث من درنة. لم يسلم هو الآخر من رصاص الإسلاميين، لكنه بالكاد نجا بجلده. ومنذ ذلك الحين، حاول المغادرة، لكن المتطرفين نصبوا الحواجز على الطرقات في جميع أنحاء المدينة. "شرق ليبيا لا يختلف كثيرا عن سوريا والعراق"، يقول الناشط.

تتصيد الميليشيات وتطارد كل من ينتقدها، بما فيها تعليقات رواد صفحات الفايسبوك. الثلاثاء الماضي فقط، قُطعت رؤوس ثلاثة شبان نشطاء مناهضين للدولة الإسلامية في درنة أمام كاميرا وثقت للحادث. كما يُنكل بالمشتبه فيهم. فقد أُعدم أحدهم في ملعب لكرة القدم. هذا ولا يُستثنى المشتبه فيهم الإسلاميون من نفس المصير. وكان زعيم أنصار الشريعة في بنغازي قد اختفى عن الأنظار منذ أن رفض الانضمام إلى "الخلافة"، في الغالب تمت تصفيته. وفي وقت سابق، طلب زعيم إحدى الميليشيات اللجوء السياسي في تركيا.

تُسير الميليشيات أربعة مخيمات في ضواحي المدينة، حيث يتم تدريب مئات من الأجانب للقتال في سوريا. لكن منذ أن سيطر الجيش الليبي، بقيادة الجنرال خليفة حفتر، على مناطق واسعة من بنغازي كانت خاضعة لسيطرة الإسلاميين، ركز الجهاديون عملهم هنا. حتى أن بعض الجهاديين عادوا من سوريا لتقديم الدعم. ويُعتقد أنهم بنوا مستودعات للأسلحة في الجبال المكسوة بالغابات شمال درنة وخزنوا صواريخ قصيرة المدى في مستودع تابع لمصنع نسيج.

في الأسبوع الماضي، تم قصف درنة لأول مرة من قبل سلاح الجو التابع لقوات حفتر، الذي تدعمه مصر والإمارات العربية المتحدة. لكن مثل هذه الغارات لن تمكن من القضاء على الإسلاميين. والمرجح أن هذه الغارات ستضاعف من خطر الميليشيات التي تعمل حتى الآن بشكل مستقل، لتنضم إلى القوات الأخرى التي تحارب حملة الجنرال وتصبح جزءً من تحالف الدولة الإسلامية. وهكذا أعطتنا أحداث الأسبوع الماضي نظرة عن المخاطر التي تتربص بليبيا. هذا وألقى الإسلاميون سلسلة من القنابل على مرافق الدولة وعلى سفارات كل من مصر والإمارات العربية المتحدة في طرابلس.

منذ الصيف الماضي، أضحت العاصمة الليبية تحت سيطرة تحالف إسلامي أطلق على نفسه اسم "فجر ليبيا"، وهو تحالف لا ينتمي للدولة الإسلامية، لكن الطريق إلى "الخلافة" يمر عبر طرابلس. في أغسطس، سيطر تحالف فجر ليبيا على مطار معيتيقة في طرابلس، مخلفا وراءه حالة من الخراب والدمار. ويُعد معيتيقة مطارا دوليا، رغم أن  له وجهة واحدة: "الخلافة".

لا يسمح للرحلات الجوية التي تنطلق من معيتيقة بالهبوط في العديد من المدن، ومع ذلك هناك عدة رحلات أسبوعية باتجاه اسطنبول والدار البيضاء. "ليبيا هي الآن معقل الإسلاميين من أوروبا وشمال أفريقيا"، يقول ناشط ليبي فر إلى تونس. طريق الجهاد ينطلق من تونس عبر طرابلس إلى تركيا ومنها إلى سوريا. الآلاف سلكوا هذا الطريق إلى سوريا، لكن القلة فقط منهم تمكنوا من العودة.

تونس: معقل الجهاديين

محمد السوسي، من تونس، هو واحد من الذين ركبوا طريق الجهاد. يبلغ السوسي 27 عاما وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الاقتصادية ولم يكن في يوم من الأيام متدينا. الجندي الذي خدم بلده لسنتين، اتصل مؤخرا بوالديه. لكن مكالمته كانت هذه المرة من تركيا. "إني أقاتل في صفوف الدولة الإسلامية"، يقول، "من أجل تحرير فلسطين ومحاربة بشار الأسد".

أما توفيق السوسي، وهو موظف عسكري متقاعد يبلغ 63 عاما، فقد أعاد قراءة مسار ابنه وكيف حصل كل شيء منذ البداية، التي لم تكن سوى مسجد المنار غير  بعيد من الجامعة التقنية في تونس. التقى محمد بأحد الأئمة هناك حيث أخبره عن الدولة الإسلامية وتكلف بدفع تكلفة الرحلة الجماعية التي أخذته إلى الحدود الليبية. وجد في استقباله بضعة مقاتلين من الميليشيات الإسلامية في صبراتة، ضمن شبكة أنصار الشريعة. ويُفترض أن يكون قد رُحل بعد ذلك إلى صبراتة، حيث يوجد تونسيون آخرون، لقضاء عدة أسابيع في التدريب على القتال استعدادا للالتحاق بسوريا. بعد ذلك أخذوه إلى مطار معيتيقة.

ووفقا لإحصائيات حكومية، سافر 2.400 تونسيا إلى سوريا، رغم أن تقديرات أخرى تتحدث عن 3.000 تونسيا يقاتل لفائدة جبهة النصرة والدولة الإسلامية. كما تزعم وزارة الداخلية أن 8.000 آخرين كانوا قد مُنعوا من السفر الى سوريا. فيما تم تحديد جهاديين مفترضين لأنهم يملكون فقط تذكرة ذهاب الى اسطنبول، في حين أُلقي القبض على آخرين على الحدود مع ليبيا. وتشير الإحصائيات الرسمية أن حوالي 400 تونسيا عادوا من سوريا، معظمهم الآن رهن الاعتقال.

تونس هي مهد ثورات الربيع العربي. وبينما عمت الفوضى الانتفاضات في مصر وسوريا وليبيا، فقد عرفت تونس انتخابات برلمانية في مناسبتين. مؤخرا، تم انتقال سلمي للسلطة من حزب النهضة الإسلامي المعتدل إلى حزب علماني هو نداء تونس. في المتوسط، الشعب التونسي المكون من 11 مليون نسمة يتمتع بأفضل مستوى تعليمي مقارنة بدول الجوار. لماذا، إذن، ينضم الكثير من أبناء هذا الشعب للجهاد؟

إبداعات مروعة

يقول الإمام الذي جند محمد السوسي، والذي يفضل عدم الكشف عن هويته: "إن الدولة الإسلامية هي أرضنا الموعودة"، دولة "صارع المسلمون في سبيلها من أجل عزتهم وكرامتهم". أما الروايات التي تتحدث عن مقاتلي الدولة الإسلامية الذين يقتلون إخوانهم المسلمين ويغتصبون النساء، يقول الإمام، فلا تعدو أن تكون مجرد ابداعات مروعة نسجتها وسائل الإعلام الغربية.

يُفترض أن يصدق الكثير من التونسيين هذه الرواية. بالنسبة لهم، محاربة الأسد، هي مجرد استمرار لثورة لم تكتمل. إن الظروف التي أدت بمحمد البوعزيزي لإضرام النار في جسده، في 17 ديسمبر 2010، التي أشعلت فتيل الثورة التونسية، لا تزال حاضرة. الكثير يستفيد من الحريات المكتسبة حديثا في البلاد والشرطة ما زالت مستمرة في وحشيتها كما كانت في السابق. إضافة إلى أن ثلث الحاصلين على شواهد جامعية عاطلون عن العمل. والذين أسعفهم الحظ في الحصول على عمل بالكاد يغطون حاجياتهم الأساسية. لهؤلاء الشباب ثلاثة خيارات: الانتظار سنوات للحصول على فرصة عمل في تونس؛ ركوب قوارب الموت صوب الحلم الأوروبي؛ أو الالتحاق بالجهاد في سوريا.

" تعد دعاية الدولة الإسلامية بالنضال من أجل التحرر على غرار حركات التحرر في أمريكا اللاتينية في سبعينيات القرن الماضي"، يقول أحمد النيفر، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة الزيتونة في تونس. ويعتقد أن الشباب التونسي المحبط يعبر بالسفر إلى سوريا عن تمرده ضد الفساد والوحشية والإهانة اليومية. نفس الرؤية تسود العديد من البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي.

في الواقع، يتواجد في أرض "الخلافة" حتى الجماعات التونسية التي تعيش في الخارج. يتحدثون إلى أصدقائهم داخل الوطن عن طريق الفايسبوك وتويتر ويرسمون صورة جميلة لحياة سعيدة كاملة، ينعمون فيها بمساكنهم الخاصة وزوجاتهم ودخل شهري قار. وهذا بالضبط ما يجذب الكثيرين للالتحاق بالدولة الإسلامية وليس القتال. والواقع أن "الخلافة" أصبحت تحظى بالشعبية، حيث أن قادتها هم من يختار من يرغبون بتجنيدهم عبر إعلانات "مطلوب مساعدة" على صفحات الفايسبوك لتشغيل مهندسين وميكانيكيين ومترجمين.

حمزة بن إقبال، الخبير المعلوماتي، مثلا، كان يعتزم تنظيم حلقات عمل في سوريا لفائدة جهاديين أوروبيين. ومعظمهم لا يكاد يتكلم العربية، لكنهم ومن خلال مقاطع الفيديو التي ظهروا فيها أبانوا عن حيوية للترويج لدعاية الدولة الإسلامية. هذا النوع من العمل كان الشيء الوحيد الذي يمكن لإقبال أن يقدمه، فهو مشلول ويجلس على كرسي متحرك. كان حمزة يبحث عن الاعتراف، يقول شقيقه محمد بن إقبال، وتم الترحيب به عند وصوله إلى سوريا.

الرغبة في بناء "الخلافة"

لكن حماسه تجاه الدولة الإسلامية لم يدم طويلا. وبعد نجاح الدعاية في تجنيد "جهاد الكرسي المتحرك"، سرعان ما تحول حمزة إلى عنصر مزعج. بدأت المشاكل بمطالبته بثلاثة مساعدين، خاصة أن "الخلافة" لم تكن مستعدة للتعامل مع ذوي الإعاقات. وقد قام بإصدار مجموعة من أشرطة الفيديو قبل أن يقترح عليه قائده السوداني الجنسية العودة إلى وطنه.

وبعد بضعة أسابيع فقط، عاد الى منزله في العاصمة تونس. وافق حمزة بن إقبال على مقابلة قصيرة فقط مخافة التعرض للاعتقال، لكن رغبته للمساعدة في بناء "الخلافة" لا تزال قائمة. "المجتمع الذي يتطور هناك يتجاوز الحديث عن الرأسمالية والديمقراطية"، يقول حمزة. "في الرقة، هناك مصلحة خاصة لحماية المستهلك تراقب النظافة في المجازر والأزبال تُدبر بشكل جيد والحافلات تأتي في وقتها".

لكن حمزة بن إقبال كان أوفر حظا من محمد السوسي، الجندي الشاب.

فى يونيو من هذا العام، وبعد ثمانية أشهر من اختفائه، تلقى توفيق السوسي مكالمة هاتفية ثانية من سوريا. "لقد استشهد ابنك ويحق لك الافتخار به"، يقول المتصل، مضيفا، أصيب محمد في هجوم صاروخي شنته جبهة النصرة، نقل على إثره إلى المستشفى في تركيا، حيث لقي حتفه ودُفن في سوريا.

أسس والد محمد السوسي المكلوم وشقيق حمزة بن إقبال جمعية إنقاذ التونسيين المحاصرين في الخارج، التي تتابع حوالي 150 أسرة. لم يكن لديهم ما يكفي من الدعم المالي لاقتناء مكتب للجمعية لذلك كانوا يجتمعون في المقهى لمشاهدة أحدث فيديوهات الدولة الإسلامية. وعندما كان محمد بن إقبال يشاهد على اليوتيوب شريط فيديو من كوباني، حيث يتواجد الكثير من التونسيين يقاتلون في صفوف الدولة الإسلامية، تعرف على أحد المقاتلين؛ طلبت عائلته المساعدة من الجمعية لاسترجاع ابنهم. "لا توجد فرصة"، يقول إقبال بصوت منخفض.

رصاصات في الرأس

لكنهم يأملون، على الأقل، إعادة الذين أصيبوا بخيبة أمل. فبمجرد وصولهم إلى سوريا، يكتشف الكثيرون أن الدولة الإسلامية تنفق وقتا أكبر في محاربة الجماعات المتمردة الأخرى بدل محاربة النظام. وكان حوالي 300 مقاتل ممن كانوا يرغبون في العودة إلى ديارهم سلموا أنفسهم للقوات السورية فتم القبض عليهم، يقول إقبال.

يلقي الناشطان اللوم على حكومة النهضة لأنها لم تقم بشيء يذكر لوقف سياحة الجهاد. فقد كان الحزب الإسلامي المعتدل يعتقد أن بإمكانه السيطرة على المتطرفين ودفعهم لمراجعة أفكارهم، لكنهم ومن دون قصد زادوهم قوة، حيث بسط أئمتهم السيطرة على أكثر من 1.100 مسجد، كان يديرها النظام العلماني في السابق.

حتى في ثمانينيات القرن الماضي، انضم التونسيون للجهاد في أفغانستان. فالتونسي أبو عياط، على سبيل المثال، كان أحد المرافقين لأسامة بن لادن قبل أن يلقى عليه القبض ويرحل سنة 2003، ليطلق سراحه بعد الثورة ويؤسس أنصار الشريعة. في 2012، هاجمت الجماعة السفارة الأميركية في تونس قبل أن تغتال سياسيين معارضين في 2013. بعد ذلك فقط أعلنت الحكومة التونسية الجماعة منظمة إرهابية. في ذلك الوقت، كانت الجماعة قد أرسلت مئات، إن لم نقل آلاف التونسيين إلى سوريا.

في مارس 2012، حظرت الحكومة التونسيين الذين تقل أعمارهم عن 35 من السفر إلى تركيا وسوريا وكثف المسؤولون الأمنيون من إجراءات مكافحة المتطرفين. أما حاليا، فعدد أقل بكثير يستطيع السفر إلى سوريا، ما مكن المسؤولين من تركيز اهتمامهم على المتطرفين العائدين. حيت تم سجن من يشتبه في مشاركتهم في القتال. لكن من الصعب بما كان مراقبة كل الجهاديين. ماذا سيحدث إذن عندما يعود أمثال أبو جهاد؟

إنه الاسم الذي يشير إلى تونسي ثلاثيني، عضو ذائع الصيت في "الشرطة العسكرية" للدولة الإسلامية، يمكن مشاهدة شريط فيديو يظهر فيه وهو يعدم مجموعة من السجناء بإطلاق الرصاص على رؤوسهم.

مصر: الاحتجاج ضد الظلم

منذ الشهر الماضي و"مقاطعة سيناء" في عداد أرض "الخلافة". هناك، أعلنت معظم المجموعات الإرهابية المتطرفة في مصر ولاءها للدولة الإسلامية: أنصار بيت المقدس". بالنسبة للدولة الإسلامية، شبه جزيرة سيناء مهمة إن على المستوى الرمزي أو الاستراتيجي. فمصر هي الدولة العربية الأكبر من حيث الكثافة السكانية، فضلا عن أهمية مكانتها التاريخية. سيناء أيضا تقع على الحدود مع إسرائيل وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، مما يجعلها منصة انطلاق استراتيجية لهجمات إرهابية مفترضة على إسرائيل والقاهرة وعلى السياح الغربيين.

ظهرت جماعة أنصار بيت المقدس نتيجة الفراغ الذي خلفه انهيار نظام مبارك. منذ الانقلاب العسكري في يوليوز 2013، نفذت الجماعة عشرات الهجمات أسفرت عن مقتل المئات من ضباط الشرطة والجنود. وقد تفاوضت الجماعة لعدة أشهر لإنشاء تحالف محتمل مع الدولة الإسلامية بواسطة مبعوثين يتنقلون بين الجانبين. ويُعتقد أن يكون محمد حيدر زمار من بين قادة الدولة الإسلامية الذين تفاوضت معهم جماعة سيناء الإرهابية منذ بداية السنة الجارية.

ينتمي زمار، وهو مواطن ألماني من أصل سوري، إلى خلية هامبورغ لمحمد عطا. في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، اختطف زمار من قبل السي أي إي ونُقل إلى سوريا حيث جرى التحقيق معه بمشاركة الاستخبارات الألمانية. وفي أوائل 2014، أُطلق سراحه في عملية تبادل للأسرى قادتها الجماعة السورية المتمردة، أحرار الشام. "لكنه اختفى بعد أيام فقط" يصرح لجريدة شبيغل الألمانية أحد القادة الذين شاركوا في المفاوضات. وأضاف "لقد توجه مباشرة إلى الدولة الإسلامية بالرقة. ومن المرجح أنه خطط لذلك مسبقا". ويُعتقد أن يكون زمار قد قام بتحويل أموال لفائدة تنظيم سيناء ومن المحتمل أن يكون متواجدا في المنطقة، تقول مصادر مقربة منه. وإن صح هذا الاحتمال، فسيعتبر دليلا على أن الدولة الإسلامية تتحكم وتمول الجماعات المحلية بشكل مباشر.

الأوضاع في سيناء مثالية للدولة الإسلامية: المنطقة تعاني الفقر الشديد وينعدم فيها القانون إلى حد كبير، وهي محور لتجارة المخدرات والأسلحة وكذا البشر، وغالبية سكانها من البدو الذين يعارضون الحكومة المركزية في القاهرة. لكن الإسلاميين المعتدلين ومنتقدي النظام في جميع أنحاء مصر يشكلون أهداف الدولة الإسلامية، فهم مضطهدون بوحشية من قبل الجيش المصري وكثير منهم يقبع في السجون.

وقد يكونوا من بين المصريين المحبطين، مثل أحمد الدرعاوي، شرطي سابق في سن 36 وأب لطفلين، كان من مؤيدي الثورة المصرية. في 2012، ترشح للانتخابات بقناعة المؤمن بالديمقراطي والأمل في مستقبل أفضل.

لكن خيبة أمله من مسار الثورة وعودة النظام العسكري، مال به إلى التطرف وسافر إلى تركيا السنة الماضية قبل ان ينضم إلى جماعة سورية متمردة، أعلنت ولاءها للدولة الإسلامية. لم يمض وقت طويل حتى فجر نفسه في إحدى العمليات بالعراق – إنه انتحاري من قلب الربيع العربي.