عانت مدينة سرت الليبية،من ويلات الإرهاب بعد سقوطها في قبضة تنظيم "داعش" الارهابي الذي جعل منها أهم معقل له في ليبيا والمنطقة،حيث مارس فيها جرائمه البشعة التي مازالت عالقة في اذهان الليبيين.وعلى الرغم من الاستقرار النسبي الذي تشهده المدينة منذ تحريرها،الا أنها ما زالت تئن من مخلفات الحرب،والمخاوف المتواصلة من مخاطر مازالت قائمة.

فلا يزال سكان مدينة سرت الليبية يعيشون المعاناة من مرحلة احتلال داعش التي مرت عليهم وما خلفه هذا التنظيم الإرهابي من نتائج كارثية على حياتهم وخاصة بعد تدمير بيوتهم وعدم قدرتهم على العودة اليها مع استمرار سياسة التهميش التي اتبعتها حكومة الوفاق مع المدينة طيلة السنوات الثلاث الماضية.

ولا يزال سكان المدينة يعانون آلام النزوح خارج بلدتهم بعد تدمير بيوتهم جراء الحرب التي شهدتها سرت بين التنظيم وقوات البنيان المرصوص. وهدد عميد بلدية سرت مختار المعداني بإجراءات تصعيدية ضد حكومة الوفاق إذا لم تتخذ الخطوات المطلوبة في ما يتعلق بصرف تعويضات أصحاب المساكن التي دمرت جراء الحرب على داعش في 2016

واتهم المعداني الحكومة بالمماطلة في صرف التعويضات مشددا على أنه راجع السلطات ولم يجد "أي إجابات شافية أو أسبابا مقنعة للتأخير في ظل استمرار معاناة نحو ثلاثة آلاف أسرة".

وقال عميد البلدية إن المجلس الرئاسي وحكومته لم يقدما أي مبالغ مالية لتلك الأسر التي وصفها بـ”المنكوبة” رغم وعوده وزياراته المتكررة ، مشيرا إلى أن كل الإجراءات الفنية والإدارية المتعلقة بملف حصر المساكن المدمرة والمتضررة موجودة لدى المجلس الرئاسي ووزارة الإسكان وجهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق منذ شهور.

وتصاعدت في الآونة الأخيرة التحركات الاحتجاجية على الأوضاع الصعبة في المدينة،حيث نظمت مؤسسة التضامن  للاعمال الانسانية بسرت بالتعاون مع رابطة سكان المناطق المدمرة بسرت،الخميس الماضي، وقفة احتجاجية أمام المساكن المدمرة بحي الجيزة البحرية بطريق الكورنيش بسرت.

وشارك فى الوقفة عميد بلدية سرت وأعضاء المجلس البلدى للبلدية ورئيس وأعضاء المجلس الاجتماعى لقبائل سرت وعدد من المسؤوليين بقطاعات المواصلات والإعلام والبنية بسرت وعدد من العائلات مصحوبين باطفالهم.ورفع المشاركون فى الوقفة الاحتجاجية لافتات كتب عليها اين المجلس االرئاسى لحكومة الوفاق اين المجلس الاعلى  للدولة اين مجلس النواب اين المجلس البلدى سرت اين جهاز تنفيد مشروعات الاسكان والمرافق.

وهدد المشاركون عبر شعاراتهم بقفل الطرق الساحلي الرابط الغرب مع الشرق، وقفل خط الغاز بالكامل.وأكد عميد بلدية سرت، فى كلمة بالمناسبة أن المجلس البلدى سرت سلم جميع الاجراءات المتعلقة بملف الحصر والتعويضات  للمجلس الرئاسى للحكومة ووزارة الاسكان وجهاز تنفيذ مشروعات الاسكان والمرافق مند شهور عقب زيارة رئيس المجلس الرئاسى للمدينة أواخر العام الماضي.

وكانت اللجنة المكلّفة بحصر المساكن المدمرة في سرت قد أنهت عملها منذ  يناير 2018 . وأحصت اللجنة حينئذ أكثر من 1380 مسكنا مدمرا بشكل كلي، وأخرى غير صالحة للسكن.وأوضحت اللجنة التي تشكلت في أكتوبر 2017 خلال تقريرها النهائي، أن معظم المنازل المدمرة كليا تقع في حي المنارة، والجيزة البحرية، وحي الرباط، والمناطق السكنية الأولى، والثانية، والثالثة.

وأضافت اللجنة أن أصحاب المنازل المدمرة والمتضررة سيتم تسجيلهم في المنظومة المركزية للمرافق والإسكان، ومن ثم ستتم مخاطبة الجهات المختصة بالدولة للمطالبة بتعويضهم، وهو ما لم تنفذه حكومة الوفاق حتى اليوم.بحسب ما أكدت صحيفة "العرب" اللندنية.

ونقلت الصحيفة عن مصادر محلية في المدينة،قولها إن حكومة الوفاق تمتلك مشروعا لإعادة إعمار سرت لكنه لا يحلحل مشاكل المواطنين الحالية التي تحتاج إلى حلول سريعة، كما أن هذا المشروع يحتاج إلى ميزانيات كبيرة اعترفت الحكومة بعدم امتلاكها.وأشارت الصحيفة الى أنه إضافة إلى مشكلة السكن، تواجه المدينة أزمة شح المياه، حيث عقدت بلدية سرت الأحد اجتماعا طارئا لبحث المشكلة المتفاقمة منذ ثلاثة أسابيع.

وكانت بداية الوجود الداعشي في سرت في فبراير/شباط 2015،عندما استولى المتطرفون على المدينة الساحلية،مستغلين في ذلك حالة الفوضى السياسية والأمنية في ليبيا .وبعد أشهر معدودة من ذلك استولوا على نحو 290 كلم من ساحل البحر الأبيض المتوسط، بما فيه من حقول النفط والمصافي، وقاموا بنشر معسكرات تدريب في هذه المنطقة.

وفي مايو/أيار2016، شنت قوات "البنيان المرصوص" هجوما على سرت بهدف استعادتها مستعينة بالطيران الحربي الأمريكي الذي شن غاراته على مواقع التنظيم الإرهابي.ومنذ تحريرها وقعت المدينة تحت سيطرة ميليشيات من مدينة مصراتة القريبة منها بغرب البلاد، والمتحالفة مع ميليشيات أخرى في طرابلس.

وتتهم هذه المليشيات بارتكاب انتهاكات في حق السكان كان آخرها تعرض شاب في مدينة سرت،الأسبوع الماضي، لأقسى أنواع التعذيب حتى شارف على الموت وأصيب بفشل كلوي على يد عناصر تابعين كتيبة الأمن المركزي إحدى المجموعات المسلحة في المدينة.

وقال مصدر طبي بمستشفى إبن سيناء، إن شابا يدعى، جمال السايح أبوبكر، أدخل،الأربعاء 05 يونيو الجاري، إلى العناية الفائقة وأجريت له عملية غسيل كلوي جراء التعذيب الذي تعرض له من قبل عناصر إحدى الجهات الأمنية والذي كان ظاهرا على كافة أنحاء جسده.وقال أحد أقارب الضحية، إن ابن عمه اعتقل منذ أيام من قبل عناصر تابعين لكتيبة الأمن المركزي سرت، وتم اليوم إبلاغ عائلته بوجوده في مستشفى ابن سيناء وهو في حالة صحية سيئة جراء التعذيب الذي تعرض له.

وسارعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا،لمطالبة النائب العام ووزير الداخلية ووزير العدل وآمر المنطقة العسكرية الوسطى التابعة لحكومة الوفاق بالتدخل لوضع حد للانتهاكات وممارسات التعذيب الجسدي والنفسي بحق المواطنين الذين يتم احتجازهم في مدينة سرت.وطالب رئيس المنظمة أحمد حمزة في بيان تحديد المسؤولين عن هذه الجرائم والانتهاكات والممارسات اللانسانية وضمان تقديمهم للعدالة وضمان محاسبتهم وإنزال أشد العقوبات عليهم.

وقالت صحيفة "العرب" اللندنية الى أن هذا التململ الشعبي في سرت يأتي في ظل تلويح الجيش بفتح جبهة جديدة في سرت، تستهدف الضغط على ميليشيات مصراتة التي تقود زمام معركة التصدي له في طرابلس.مشيرة الى أن الجيش الوطني الليبي يقوم بحشد وحدات عسكرية على مشارف سرت، حيث يعتزم دخولها وسط توقعات بأن تشهد المدينة اشتباكات خلال الفترة القليلة المقبلة.

وكانت تقارير اعلامية أكدت في وقت سابق أن الجيش الوطني الليبي يستعد لدخول مدينة سرت،لفتح محور الساحل باتجاه طرابلس مرورا بمصراتة.ونقلت "العربية" في مايو الماضي عن مصادر قولها أن هناك مجموعة من الوحدات على مشارف المدينة.فيما أكد مدير المكتب الإعلامي للقيادة العامة للجيش الليبي، خليفة العبيدي عبر صفحته بموقع "فيسبوك" أن الجيش جاهز لمعركة سرت.

ويرى مراقبون أن الجيش الليبي لا ينظر إلى سرت على أنها معقل للإرهابيين فحسب، بل لأهميتها الاقتصادية أيضًا؛ حيث تطل المدينة على البحر المتوسط شمالا، من ثم تسمح السيطرة عليها بتضييق الخناق على الإرهابيين وتغلق أمامهم أهم أبواب ومنافذ التمويل والدعم، يضاف إلى ذلك قربها الجغرافي من الهلال النفطي، وهو ما يقلق الجيش الليبي من احتمالية تنفيذ هجمات مرتدة منطلقةً من المدينة على الهلال.

ويشن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي عملية عسكرية بهدف تحرير العاصمة الليبية من قبضة المليشيات المسلحة التي تسيطر عليها منذ سنوات.ويجمع العديد من المتابعين للشأن الليبي أن انهاء نفوذ المليشيات المسلحة يمثل خطوة في طريق انهاء الفوضى في المدن الليبية وبداية تحقيق الاستقرار والأمن في كامل ربوع البلاد.