تعتبر مدينة درنة الواقعة في الشرق الليبي،من أجمل المناطق السياحية في ليبيا بسبب المناظر الخلابة التي تتمتع بها وشلالات المياه التي تزينها، وكانت وجهة مفضلة للسائحين بسبب المراكز الترفيهية والسياحية التي تزخر بها.وقد لقبها أهاليها بـ"درة المتوسط"،دون أن يدور في أذهانهم أنها يمكن أن تتحول يوما إلى ملاذ محبّذ للإرهابيين ومركز لشن أخطر العمليات الإرهابية.

وشهدت المدينة منذ مايو/أيار الماضي،معركة عسكرية،تتالت فيها إنتصارات الجيش الوطني الليبي،وإنتهت بإعلان التحرير،الذي فتح الباب أمام عودة الحياة الطبيعية للسكان، في أعقاب طرد المجموعات الإرهابية ودك معاقلها في أغلب مناطق المدينة الساحلية الواقعة شرقي البلاد.

وفي 28 يونيو/حزيران الماضي، أعلن القائد العام للجيش الوطني الليبي تحرير مدينة درنة من الجماعات الإرهابية، ما خلّف أجواء البهجة والفرحة لدى أهالي المدينة.وتدريجيا، تعود الحياة الطبيعية إلى مدينة درنة، حيث نقلت وسائل إعلامية عودة الأسواق والمحال التجارية،فيما أطلق شباب مدينة درنة ،الإثنين الماضي،حملة نظافة في منطقة وسط البلاد بشارع الفتح والشوارع المتفرعة منه.

إرهاب يحتضر

رغم العنجهية المفرطة التي ظهرت بها قيادات التنظظيمات الارهابية وداعميهم بتوعد الجيش الليبي بالهزيمة في درنة،فإن عقدهم سرعان ما فرط،وسقطت معاقلهم سريعا تحت ضربات القوات المسلحة.تراجع هذه التنظيمات ودخولها في حالة إحتضار يجعلها تتجه نحو إعتماد تكتيكات جديدة بغية الإنتقام لهزائمها.

وفي تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"،أكد معاون آمر السرية الأولى الأبرق مشاة، صلاح بوطبنجات،"وجود عدد محدود من القناصين الذين يعتلون أسطح المباني في درنة ويختبؤون في مكان وسط المدنيين موضحا أن لديهم سلاح كاتم للصوت يستخدمونه أحيانا في قتل المدنيين".وأشار بوطبنجات إلى أن "بعض المواطنين قتلوا بسبب معارضتهم لوجود قناصة فوق منازلهم موضحا انه لا يعرف بدقة أعداد المدنيين الذين قضوا على يد القناصين".

على صعيد آخر،تحاول العناصر الإرهابية إزهاق المزيد من الأرواح معتمدة على سلاح المتفجرات.وكان الناطق باسم المجلس البلدي درنة عبد الكريم صبره،أكد منذ أيام أن قوات الجيش تمكنت من التعامل مع سيارة مفخخة بطريق الكورنيش  بقرب جزيرة الميناء درنة.وقال صبره في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية إن الفرق المختصة قامت بتفجير السيارة عن بعد.

وتنتشر العبوات الناسفة والمتفجرات في المناطق التي كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، مهددة حياة المواطنين، وقد سبق أن حذرت القيادة العامة للجيش الليبي من خطورة الألغام والمتفجرات،التي تمثل سلاحًا للتنظيمات الارهابية أمام تراجعها في الميدان وفقدانها أبرز معاقلها،وذلك بغية حصد أرواح الأبرياء في محاولة يائسة لبث البلبلة والانتقام لهزائمها.

وكانت وزارة الصحة في الحكومة الموقتة،قد أطلقت في وقت سابق حملة للوقاية من مخلفات الحرب بالمدينة تحت شعار "تأمين عودة آمنة للنازحين". وقال مدير المكتب الإعلامي بوزارة الصحة عزالدين الطرابلسي لـ بوابة افريقيا بأن هذا الحملة  تهدف لتوعية المواطن من أضرار مخلفات الحرب،وذلك عن طريق الملصقات،إضافة إلى إلقاء محاضرات بالخصوص.

عودة حكومية

أعلنت الحكومة الليبية المؤقتة،مباركتها تحرير مدينة درنة من الإرهابيين، شاكرة القيادة العامة للجيش الليبي وجنودها على ما يقدمونه في الحفاظ على أمن ليبيا واستقرارها.وسارع المسؤولون للتوجه نحو درنة المحررة،حيث قام وزير التعليم بالحكومة الليبية المؤقتة الدكتور فوزي عبدالرحيم بومريز، بزيارة إلى المدينة على رأس وفد رفيع،في 30 يونيو 2018، لتفقد المنطقة التعليمية بدرنة والمناطق المحيطة بها.

وفي 3 يوليو/تموز الجاري،ترأس وزير الداخلية بالحكومة الليبية المؤقتة المستشار إبراهيم بوشناف وفد حكومى خلال زيارة وجولة تفقدية إلى مدينة درنة للإطلاع على أوضاعها وتقييم الأضرار الناجمة عن الحرب مع الجماعات الإرهابية التي كانت متحصنة فى المدينة.حيث أكد على "أهمية إحلال القانون داخل هذه المدينة، بعد أن عادت إلى أحضان الوطن من قبضة الجماعات الإرهابية وضرورة فرض الأمن والمجاهرة به داخل المدينة، ومنع أي خروقات أو تجاوزات تحدث خلال الفترة المقبلة".

والإثنين الماضي،قام وكيل وزارة الموصلات والنقل البحري بالحكومة المؤقتة رفقة رئيس مجلس إدارة الهيئة العامه للمواصلات، ورئيس مصلحة الموانئ والنقل البحرى بزيارة الى ميناء درنه البحري.وجاءت هذه الزيارة من قبل المسؤولين بقطاع المواصلات والنقل البحري بعد تفعيل الميناء وتسليمه للجهات المختصة ليكون جاهزا للعمل.

ويتواصل العمل علي إعادة المقرات الحكومية،وكان مدير المكتب الإعلامي لجهاز الخبرة القضائية والبحوث طلال العوكلي،قال في تصريح خاص لمراسل "بوابة أفريقيا الإخبارية"،في 6 يوليو الجاري، إن مدير إدارة العمليات والأمن القضائي النقيب ربيع الشريف، باشر في استلام جميع المقرات التابعة  لوزارة العدل والمؤسسات التابعة لجهاز الشرطة القضائية داخل مدينة درنة بناءً على تعليمات رئيس جهاز الشرطة القضائية عقيد محمد الجهاني.

مساعدات للمدينة

فتحت سيطرة الجيش الليبي علي مدينة درنة،باب وصول المساعدات بعد سنوات من المصاعب في ظل سيطرة الإرهابيين علي المدينة.وبادر الجيش الوطني الليبي في 13 يونيو/حزيران الماضي، بإرسال شاحنات إغاثية من السلع التموينية والمواد الغذائية، وتوزيعها على أهالي درنة.فيما  أجرت لجنة الأزمة الوزارية، المنبثقة عن الحكومة المؤقتة، زيارة في 12 يونيو/حزيران الماضي، إلى نازحي مدينة درنة في منطقتي سوسة وقرنادة، لتفقد وتوفير احتياجاتهم، لحين عودتهم إلى المدينة.

وبدورها أعلنت جمعية الهلال الأحمر الليبي أنها قامت خلال الفترة من 10 إلى 23 يونيو الماضي بتوزيع مساعدات إنسانية متنوعة على أهالي درنة.   وقالت الجمعية عبر صفحتها بموقع "فيسبوك" أنها وزعت مراكز إيواء على 119 أسرة (597) فرد كما أخلت 764 شخص وأعطت مياه شرب تقدر ب 5268 لتر للمواطنين بالإضافة إلى توزيع 24000 لتر من المياه المخصصة للاستخدام العادي.

فيما استأنف موظفو صندوق الضمان الاجتماعى، فرع درنة، عملهم تدريجيا بعد أن أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية ، تحرير المدينة من الجماعات الإرهابية والمتطرفة.وقال موظفو الصندوق فى تصريحات صحفية إن مباشرة أعمالهم جاءت بعد تأمين مقر الصندوق، مؤكدين أنهم سيعملون من أجل الإسراع في تحويل معاشات المتقاعدين خلال الأيام القريبة القادمة، وإيداعها في المصارف.

سنوات الظلام

سقطت مدينة درنة منذ سنوات في فخ التنظيمات الارهابية التى إستغلت حالتي الفراغ السياسي والأمني لتجعل من المدينة ،التي كانت تعتبر وجهة سياحية هامة في ليبيا،مركزا رئيسيا لتجميع وتدريب العشرات من الإرهابيين الذين شكلوا تهديدا أمنيا في ليبيا والمنطقة بصفة عامة.

وعانت المدينة طبلة سنوات من تغلغل التنظيمات الارهابية،حيث خضعت لتنظيم "داعش" الارهابي الذي سيطرعليها في عام 2015 بشكل كامل.لتتحول عقب ذلك الى ساحة حرب بين التنظيمات الارهابية،انتهت بسيطرة مجلس "شورى مجاهدي درنة" المرتبط بتنظيم القاعدة،الذى جعل مركزا لشن هجماته ضد قوات الجيش الليبي واستهدافه من خلال عمليات ارهابية،،علاوة على هجمات طالت دول الجوار أبرزها هجوم المنيا في مصر في مايو الماضي الذي استهدف، حافلة تقل مسيحيين وخلف عديد القتلى والجرحى.

ولم يستجب المسلحون إلى طلبات سكان وأهالى المدينة بإخلائها بين عامى 2012 و2013.وفى أبريل 2017، أطلق سكان ليبيا نداء دوليا مطالبين بمساعدتهم للتخلص من التنظيمات الإرهابية في المدينة والتى يقودها مجلس شورى مجاهدى درنة، وجاء في البيان الذي نشرته وسائل إعلام ليبية أن "شباب وحرائر مدينة درنة يستغيثون بالعالم لإنقاذ المدينة من القتل والاغتيالات والتفجيرات والفتنة بين قبائلها.

وظلت مدينة درنة خلال السنوات الماضية، ورقة مهمة في أيدي المتطرفين الذين جعلوا منها مركزا مهما لشن العمليات الإرهابية داخل وخارج ليبيا.ويسهم تحرير المدينة،في تجنيب ليبيا المزيد من الهجمات الارهابية،اضافة الى تجنيب دول الجوار وخاصة مصر هجمات ممثالة، لا سيما وأن تلك المدينة تعد ملاذا لخلايا إرهابية عابرة للحدود من مصر وتونس والسودان.وكان الناطق باسم قائد القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية العميد أحمد المسماري، أكد أن العمليات في مدينة درنة لا تستهدف تأمين ليبيا فقط بل دول الجوار والمنطقة الإقليمية بالكامل، مشيراً إلى أن نجاح العمليات في درنة سيفقد التنظيمات الإرهابية موقعاً استراتيجياً مهماً.