ساهمت حالة الفوضى التي شهدتها ليبيا منذ أحداث 2011، في انتشار فصائل عسكرية ومليشيات إفريقية داخل الأراضي الليبية عامة، مستغلين تفاقم التوترات الأمنية،  واستمرار الانقسامات ما بين صفوف الليبيين.ونالت المنطقة الجنوبية النصيب الأكبر من الأوضاع المتردية،  بعدما ترسخت أقدام قوات وعناصر أجنبية تقاتل من أجل السيطرة على أهم النقاط الاستراتيجية ومنافذ التهريب بها؛ إذ أن الصراع بجنوب ليبيا لم يعد مقتصرًا على الليبيين فحسب،  ولكن تداخلت فيه فصائل أجنبية،  وأصبحت هناك حالة من تشابك التحالفات.

ويتعرض الجنوب الليبي منذ سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي عام 2011،  إلى هجمات من قبل مجموعات أجنبية خارجة عن القانون،  أبرزها المجموعات التشادية المسلحة التي استغلت الفراغ الأمني والسياسي لتكرار هجماتها واستهدافها المنشآت العامة والخاصة في محاولة منها لبث الرعب لدى سكان هذه المناطق ليسهل في ما بعد السيطرة عليها.

وحاولت المجموعات التشادية توسيع أنشطتها وبخاصة تلك المتعلقة بتجارة البشر مستغلة المساحات الجغرافية الواسعة للتحرك،  إضافة إلى قرب الحدود الليبية من بعض البلدان الأفريقية التي تشهد موجة نزوح متكرر نحو الجنوب الليبي الغني بالموارد المنجمية والنفطية. فاختيار الجماعات المسلحة التشادية للجنوب الليبي لم يكن اعتباطياً،  بل لدوافع إستراتيجية يبقى أهمها النفط. فالجنوب يوفر نصف مليون برميل يومياً أي بمقدار نصف إنتاج ليبيا من النفط الخام.

واستغلت مجموعات من المتمردين التشاديين والسودانيين على غرار ما فعل أيضا تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق أخرى،  الفوضى والانقسامات لإقامة قواعد خلفية لها في الجنوب الليبي القريب من دولها،  تنطلق منها لتنفيذ عمليات تهريب وأنشطة مختلفة.وبحسب تقرير لخبراء في الأمم المتحدة نشر في أكتوبر 2018،  تسعى هذه المجموعات إلى "تعزيز وجودها في ليبيا لأهداف تخدم مصالحها".وتستفيد هذه المجموعات من حدود غير مضبوطة ومن دعم مجموعات وقبائل تعيش في المناطق الحدودية بين الدول الثلاث.

وتعتبر مدينة "مرزق" من أقدم مدن الجنوب الليبي وأعرقها،  يعود تاريخها إلى عهد الفراعنة المصريين،  وقد أقيمت حولها الكثير من الحضارات التي بقيت آثارها شاهدة عليها حتى وقتنا هذا.وتقع "مرزق" في أقصى جنوب ليبيا على خط العرض 25 وخط الطول 13،  وتعتمد اقتصاديا على الزراعة وتشتهر بالتمور والأعمال اليدوية من النخيل،  ويبلغ عدد سكانها حوالي 12 ألف نسمة.

وبالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي المميز،  هي مدينة تاريخية تضم قلعة "مرزق" التي بنيت عام 1310 ميلادية،  أثناء تأسيس المدينة لتكون عاصمة لدولة فزان قديما.وساهم في بقاء المدينة إلى هذا اليوم أنها تحتل موقعا جغرافيا مهما جدا جعلها موطن التقاء القوافل التجارية القادمة من أفريقيا حتى سواحل البحر المتوسط،  وكذلك نقطة وصل بين الغرب والشرق في شمال أفريقيا،  كما ازدهرت الحضارة في مرزق بسبب كثرة مياهها الجوفية التي توجد في أرضها منذ آلاف السنين.

ومنذ اندلاع الأزمة الليبية في العام 2011، عانت مدينة مرزق شأنها شأن بقية مدن الجنوب الليبي، من غياب الأمن والتهميش وانعدام الخدمات الأساسية،  وهي العوامل التي خلقت تربة خصبة لنمو وانتشار الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية والجماعات الأجنبية المسلحة في الجنوب الليبي،  لتتفاقم معاناة وأوجاع سكان المدينة التاريخية.


** ميلشيات المعارضة التشادية والتحالف مع الارهاب


وبرزت ميليشيات المعارضة التشادية، كإحدى أكثر الجماعات المسلحة حضورا في مناطق الجنوب الليبي، حيث باتت تشكل خطرًا حقيقيًا،  لا سيما في ظلّ استغلال عناصر عصابات تهريب البشر للوضع في تنشيط وتوسيع شبكات تحركاتهم،  علاوة على الارتباط المصلحي لهذه المجموعات،  مع التنظيمات الإرهابية التي تسعى منذ سنوات إلى إقامة "إمارة إسلامية" في المنطقة،  وفق مراقبين.

ودخلت العصابات التشادية في تحالفات عديدة مع الميليشيات المتسارعة في الغرب والجنوب الليبي،  وكذلك مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية ضد قوات الجيش والشرطة لقاء بقائها داخل الحدود والمدن الجنوبية التي اتخذت منها قواعد انطلاق لتنفيذ عملياتها ضد الجيش في الجنوب من جهة وضد قوات الجمهورية التشادية من جهة أخرى.

وسبق أن اعترفت المعارضة التشادية بوجود قوات لها تقاتل في جنوب ليبيا،  ضمن قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي" الإرهابي.وكذلك مع ميليشيات الليبي "إبراهيم جضران" المتحالف أساسا مع تنظيم "القاعدة" والتابع لها سابقا،  كما لها تحالفات مع مليشيات طرابلس وخاصة ميليشيات جماعة الإخوان.

ونجح الجيش الليبي منتصف العام 2017 في انتزاع عدة مواقع من قوات محسوبة على الجماعات الإسلامية في الجنوب،  من بينها القوة الثالثة وما يعرف بـ"سرايا الدفاع عن بنغازي" التي تستخدم المقاتلين التشاديين في هجماتها ضد الجيش.ومن بين تلك المواقع ثلاث قواعد عسكرية: الجفرة وتمنهنت وبراك الشاطئ. وقطعت سيطرة الجيش على تلك القواعد الدعم الذي كانت تتلقاه تلك الجماعات من قوات موالية في الغرب وأيضا من أطراف خارجية.

لكن العصابات الشادية ظلت تشكل خطرا كبيرا مع تواصل هجماتها التي تستهدف قوات الجيش والمدنيين.ففي شهر ديسمبر 2018،  شن مسلحون من المعارضة التشادية هجوما على معسكر للجيش الليبي جنوبي البلاد،  مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى،  حسب ما ذكرت مصادر ميدانية. ويقول مراقبون إن المجموعات التشادية المعارضة تسعى لتحويل المنطقة في جنوب البلاد،  نقطة انطلاق لهجماتها في الداخل التشادي.


** الجنوب ساحة معركة كبرى:


ودفع تواصل التردي الأمني في الجنوب الجيش الليبي الى اطلاق عملية عسكرية في 15 كانون الثاني/ يناير الماضي، لتطهير مناطق الجنوب من إرهابيي تنظيمي "داعش" و"القاعدة"،  إلى جانب العصابات التشادية.وتمكنت القوات المسلحة الليبية من السيطرة على أبرز مدن الجنوب على غرار سبها ومرزق وتراغن كما بسط سيطرته على أهم المواقع الحيوية في المنطقة وأمن الحقول النفطية.

وفي 21 فبراير 2019، أعلنت قوات الجيش الليبي، فرض سيطرتها بالكامل على مدينة مرزق ضمن عمليات تطهير الجنوب.بعد أسابيع من الحصار والتفاوض والاشتباك،  مع المجموعات المسلحة المناوئة للجيش،  والتي كانت تتحصن داخل المدينة.وأكدت شعبة الإعلام الحربي، حينها أن قوات الجيش صادرت مجموعة من الآليات والأسلحة من العصابات التشادية،  كما أسرت العديد منهم، مؤكدة في الوقت ذاته استمرارها فى مطاردة فلول المرتزقة والإرهابيين.

وأمام تراجعها الميداني لجأت العصابات التشادية والمليشيات المتحالفة معها الى سلاح الاغتيالات واستهداف المدنيين، ففي 21 فبراير، اغتال مسلحون فارون،  تابعون لمرتزقة المعارضة التشادية، مدير أمن مديرية مرزق،  عميد إبراهيم محمد كري،  داخل منزله.وذلك على خلفية تعميم وجهه عبر اللاسلكي لقوات الأمن بالالتحام مع القوات المسلحة وعدم التعرض لها أثناء دخولها إلى مرزق، بحسب تقارير إعلامية.

وفي مارس 2019 داهم مسلحون منزل بحي سكرة في مدينة مرزق الليبية،  بحثًا عن رب العائلة الموالي للجيش الوطني الليبي،  وقتلوا بدم بارد الطفلين: عبد الله علي عبد الله صالح،  ويبلغ من العمر 4 سنوات بطلقة في العين،  وابن عمه وائل عبدالله رجب صالح ،  ويبلغ من العمر 14 سنة،  بطلقة في الرأس أمام والدتيهما.

وقالت تقارير إعلامية أن المجموعة المسلحة اقتحمت منزل المواطن "علي عبد الله صالح" الذي يعمل في القوة المساندة لقوات الجيش الوطني،  وأطلقت الرصاص على الطفلين بعد أنْ علمت بغياب رب العائلة عن المنزل في مهمة عمل.ولقيت الحادثة البشعة استنكارا واسعا من قبل أهالي المدينة الذين أدانوا هذا العمل الإرهابي والجريمة البشعة التي راح ضحيتها أطفال أبرياء.

وعقب عمليات التأمين التي أطلقها الجيش الليبي، شهدت مدينة مرزق هدوءا حذرا سرعان ما تبدد، مع اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، بعد أن أطلق الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عملية "طوفان الكرامة" بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة واستعادة مؤسسات الدولة.


** معركة العاصمة وجبهة مرزق الجنوبية: 

ومع بسط الجيش الليبي سيطرته على عدد من المناطق المتاخمة للعاصمة، عادت العصابات التشادية والمليشيات المتحالفة معها للتحرك في الجنوب.وهي الخطوة التي فسرها البعض بالارتباط بين قوات الوفاق وتلك المجموعات الأجنبية الخارجة عن القانون. ففي تصريحات إعلامية مختلفة قال النائب في البرلمان الليبي علي السعيدي، إن حكومة الوفاق تدعم تلك المجموعات ضمن خطة لتشتيت جهود الجيش وتخفيف الضغط على طرابلس. وعلّق السعيدي أن من يقوم بعمليات الترهيب في مرزق هم أشخاص على علاقة بحكومة الوفاق أعلنوا مساندتهم لها في طرابلس،  من بينهم "حسن موسى" وهو متمرّد مرتبط بالعصابات التشادية ظهر في مقطع مساندا حكومة الوفاق.

وشهدت مدينة مرزق خلال الأيام الماضية أحداثا دامية نفذتها العصابات التشادية ومجموعات متطرفة وأسفرت مواجهات عنيفة منذ مطلع أغسطس/آب الجاري في المدينة، عن مقتل ما لا يقل عن 90 مدنيا،  وإصابة أكثر من 200 شخص،  بحسب بيانات نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط.

ودفعت هذه الأوضاع الصعبة التي تعيشها مرزق مجلس النواب الليبي القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية بالتصدي لمن وصفهم بـ"العصابات المارقة" في المدينة.وقال المجلس،  في بيان له،  إنه "يدين بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي تتعرض له مدينة مرزق وتشارك فيه عدد من التنظيمات الإرهابية وعصابات المرتزقة من المعارضة التشادية الذي راح ضحيته عدد من الشهداء والجرحى".وطالب المجلس القوات المسلحة الليبية بالضرب بيد من حديد لمن تسول له نفسه المساس بأمن ليبيا وشعبها،  داعيا الحكومة الموقتة إلى تقديم الدعم الكامل بشكل عاجل لأهالي المدينة التي تشهد توترا أمنيا منذ أسابيع.

وربط مراقبون محاولة زعزعة الاستقرار في الجنوب الليبي بالمعارك الدائرة في العاصمة، حيث تسعى التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة والعصابات الأجنبية المتحالفة مع حكومة الوفاق، وأبرزها "قوات حماية الجنوب"،  وهي مليشيا قوامها الرئيسي مقاتلون من تشاد ودول أفريقية أخرى مثل نيجيريا، تقاتل تحت إمرة حسن موسى التباوي، الى تشتيت الجيش الليبي وتخفيف الضغط على المليشيات المتحالفة معها في طرابلس.

وارتكبت "مليشيات حماية الجنوب" عددا من الجرائم المسلحة في مدينة "مرزق" و"سبها" و"غدوة" وغيرها من المدن منذ إعلان الجيش الليبي إطلاق عملية "طوفان الكرامة" لتحرير العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان الماضي من المليشيات كنوع من تخفيف الضغط على المليشيات المتحالفة معها بعد اشتداد ضربات الجيش الليبي.


** حكومة السراج في مرمى الاتهامات: 

وتصاعدت الاتهامات لحكومة السراج بالتحالف مع العصابات التشادية، حيث اتهم النائب الليبي طلال ميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي، حكومة الوفاق بالضلوع في الجرائم التي ترتكبها العصابات التشادية في مدينة مرزق، قائلا إن "المليشيات التشادية"،  التي أحرقت المنازل في مدينة مرزق تتلقى تمويلات مباشرة من "حكومة السراج"،  حسب قوله.

ونقلت وكالة "سبوتنيك"، الروسية، عن ميهوب قوله :"لدينا معلومات مثبتة على تلقي تلك المجموعات الإرهابية تمويلات من حكومة السراج والمصرف المركزي،  حيث تأتي أموال النفط إلى المصرف المركزي،  ويتم تمويل هذه المليشيات عن طريق أسامة جويلي".وتابع الميهوب: "هذا المجلس (حكومة الوفاق) أصبح مجلسا إرهابيا وليس مجلسا للوفاق،  وأنه لا يمثل ليبيا،  خاصة أن المجلس غير دستوري وافتقد شرعيته من كل الاتجاهات،  ويرعى الإرهاب،  كما أنه يمثل خطورة على ليبيا والمنطقة بشكل عام".

وشدد على أن "الجيش الليبي يتعامل بكل حرفية مع المرتزقة في جنوب الليبي،  وأنه سيرد بقوة وحسم،  كما انه سيحاكم السراج على الجرائم التي ارتكبها بدعمه للمليشيات الإرهابية القادمة من خارج ليبيا".وطالبت الدفاع والأمن القومي المجتمع الدولي وبعث الأمم المتحدة والجامعة العربية باتخاذ كافة الإجراءات إزاء عمليات تمويل الإرهاب في ليبيا،  واتخاذ مواقف ضد الشخصيات التي تمول الجماعات الإرهابية لما تمثله من خطورة على السلم والأمن الدوليين.

ومن جهته، أكد مجلس مشايخ ترهونة على متابعته بحرص وقلق شديدين ما يتعرض له أهالي مرزق من إبادة وقتل وتهجير من قبل المرتزقة التشاديين والخارجين عن القانون بدعم من ما وصفها بـ"حكومة الصخيرات" والمشروع القطري الأردوغاني.وحمل المجلس في بيان المجتمع الدولي الداعم لحكومة الوفاق مسؤولية ما يتعرض له الأهالي في مرزق،  مطالباً القيادة العامة للقوات المسلحة بضرورة القيام بمهامها الوطنية والتاريخية المتعلقة بحماية أهالي الجنوب والسيطرة الكاملة على حدود البلاد.

ونوّه المجلس إلى أنه باعتباره الراعي الرسمي للقاء الوطني العام للقبائل والمدن الليبية المزمع عقده خلال الفترة القادمة،  فإنه سيلاحق شعبياً وقانونياً كل من كان وراء الهجوم على مدينة مرزق من أفراد وجهات محلية ودولية.مشيرا الى أن ما يتعرض له أهالي مرزق هو مخطط جبان مرتبط بتقدمات الجيش في المنطقة الغربية،  مشدداً على وضع كل التدابير اللازمة والإمكانات المتاحة تحت تصرف أهالي مرزق من عرب وتبو ليبيون.


** مرزق مدينة منكوبة: 

وكان المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة،  أشار في بيان له، الأحد 18 أغسطس 2019،  إلى أن ما صنعته العصابات المرتزقة التشادية،  من العمل على تهجير أهالي مدينة "مرزق" وحرق منازلهم،  هو محاولة تطهير عرقي مدعوم من حكومة الوفاق الغير شرعية.وتابع البيان قوله،  "إن قوات الجيش الليبي،  بقيادة المشير "خليفة حفتر"،  تعتبر مدينة مرزق،  مدينة منكوبة تعرضت للتهجير وحرق بيوت مواطنيها من قبل العصابات التشادية و قوة تحرير الجنوب،  كما شدد على ضرورة ووجوب القضاء على هذه العصابات واستهدافها أينما وجدت.

وتزايدت مؤشرات تحالف حكومة الوفاق مع العصابات التشادية بداية الشهر الجاري، حين حاولت مجموعة من المعارضة التشادية الدخول إلى مدينة مرزق وحاصرتها وبدأت في قصفها بالأسلحة الثقيلة إلا أن القوات المسلحة في المدينة وبمساندة الأهالي صدت الهجوم ووقفت في وجه هذه القوة المهاجمة.

وشنت طائرات سلاح الجو الليبي غارات جوية استهدفت تمركزات المعارضة التشادية في محيط مرزق وتمكنت من قتل عدد كبير منهم وفر الآخرون أمام ضربات سلاح الجو.ليخرج المكتب الرئاسي لحكومة الوفاق مدينا الغارات الجوية معتبرًا أنها استهدفت المدنيين واصفًا إياها بالمجزرة،  فيما خرجت أصوات أخرى ادعت أن الغارة استهدفت أحد الأعراس في المدينة وتسبب في سقوط مدنيين.

وأكد الناطق باسم الجيش أحمد المسماري، في مؤتمر صحفي أن مرزق تعرضت لهجوم بقيادة حسن موسى كاش من 3 محاور   باستخدام كافة أنواع الأسلحة ما أدى لحدوث مجزرة بحق المدنيين.وأشار المسماري إلى أن كاش الذي نفذ الهجوم مدعوم من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج الذي دفع له قبل 4 أشهر مبلغ 50 مليون دينار باسم قوة دفاع الجنوب وذلك لتشتيت الجيش لافتا إلى أنه  يسيطر على مناجم التنقيب غير الشرعي على الذهب بالحدود الليبية التشادية النيجيرية ويقود العداء ضد كل الجنوب الليبي لتحقيق أهداف إخوانية تصرف عليها قطر وتركيا موضحا أنه يحاول تهجير كافة المواطنين من مرزق وقام بتجنيد مرتزقة للقيام بعمليات إجرامية.

وتنضاف هذه التطورات الى أخرى سابقة لتؤكد تحالف حكومة الوفاق مع العصابات التشادية، ففي أبريل الماضي،  تبنت حكومة السراج الهجوم على قاعدة تمنهنت الذي شنته عناصر إرهابية ومليشيات المعارضة التشادية المتحالفة مع إبراهيم الجضران.وأظهر مقطع فيديو حينها،  مسلحين من المعارضة التشادية،  وهم يشاركون في الهجوم، بحسب ما أكدت "سكاي نيوز" عربية.

واعتبر مراقبون حينها تبني حكومة الوفاق للهجوم على قاعدة تمنهنت، اعترافا واضحا منها على التحالف مع العصابات التشادية والجماعات المسلحة في الجنوب.ودفع ذلك عضو مجلس النواب سعيد امغيب، لوصف حكومة الوفاق،  بأنها "حكومة الإرهاب".

وقال امغيب في تصريح لبوابة افريقيا الاخبارية، "تمنهنت تسقط آخر ورقة توت عن حكومة الإرهاب حكومة العميل السراج،  بعد هجوم مليشيات المرتزقة التشادية ومن انضم إليهم من الارهابيين أتباع المجرم الجضران وبقايا الهاربين من بنغازي على قاعدة تمنهنت،  وتصريحهم أنهم يقاتلون بأوامر من وصفوه بالقائد الأعلى (السراج)،  بهذا تكون الصورة قد اكتملت وبهذا عرف الليبيون خصوصاً اهل الجنوب الشرقي والغربي أن الذي يدعم ويسلح قطاع الطرق هو السراج"،  بحسب وصفه.

وتحاول حكومة الوفاق ومن ورائها المليشيات المتطرفة في العاصمة التأثير على الجنوب الليبي الحلقة الأمنية الأضعف في جغرافية ليبيا المطلة على 6 حدود دولية،  مستغلة في ذلك طبيعته الجيوغرافية والديموغرافية،  إضافة إلى الانتشار الواسع للمليشيات والتنظيمات المتطرفة ومهربي البشر والوقود والسلاح.حيث تسعى لتشتيت الجيش الليبي وادخاله في مواجهات بعيدا عن طرابلس لتخفيف الضغط على المليشيات خاصة بعد أن كثف الجيش الليبي ضرباته مؤخرا.

وأدانت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية المؤقتة،  ما وصفته بصمت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حول هجوم العصابات الإجرامية التي تدعمها حكومة الوفاق المدعومة دوليًا، على مدينة مرزق.وأشارت خارجية المؤقتة   في بيان لها، الاثنين 26 أغسطس 2019،  إلى أن حكومة الوفاق استعانت بعصابات عابرة للحدود  للهجوم على المدينة المسالمة والآمنة.

وبينّ البيان أن ما تشهده مرزق هذه الأيام من قتل عنصري وعرقي وتشريد للأهالي وتقتيل للنساء والأطفال والشيوخ هو عار على جبين المجتمع الدولي الذي لم يقم بأي دور إنساني لإنقاذ المشردين والمهجرين والمحاصرين من نساء مرزق.وأكدت الخارجية في ختام بيانها أنها لن تترك هؤلاء المجرمين دون محاسبة وتقديمهم للعدالة،  محملة المسؤولية للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لعدم إدانتهم الصريحة لهذا العمل الجبان.

ويمكن القول بأن الأزمات التي تعيشها مرزق، هي جزء من الأزمات التي يعيشها الجنوب الليبي منذ سنوات والتي ألقت بكل ثقلها على سكانه، الذين تتصاعد حالة السخط والغضب، في صفوفهم مع استمرار تهميش مطالبهم وتواصل غياب السلطة المركزية.ويخشى المتابعون للشأن الليبي، أن تتجه المنطقة نحو مزيد من الفوضى والخروج عن القانون مع تفشي التهريب وازدياد الهجرة الإفريقية وتنامي نفوذ العصابات الأجنبية والجماعات المتطرفة.

وفي ظل الأزمة التي مزقتها،  تحولت ليبيا إلى ساحة مفتوحة أمام نشاط عصابات الإجرام،  والتنظيمات المسلحة التي أسهمت أنشطتها في تعميق الانقسام وإذكاء الصراعات بين القبائل،  وزيادة الفوضى الأمنية،  في وقت لاتزال حدود فيه ليبيا غير مضبوطة إلى حد كبير،  كما يشكّل تأمين الأطراف أحد أكبر التحدّيات التي تواجهها البلاد.وعلى الرغم من أن الجيش الليبي يعلن في أكثر من مرة سيطرته على الجنوب لكنه بقي دائما مجالا للاختراقات الخارجيّة والخروج عن القانون، في ظل تشتت جهود الجيش بين عدة جبهات.ويرى مراقبون أن تحقيق الاستقرار في منطقة الجنوب يبقى رهين انهاء الانقسامات بين الفرقاء وارساء سلطة موحدة في البلاد.