قرر وزراء خارجية الدول الاعضاء في الإتحاد الاوروبي في إجتماعهم يوم الإثنين الماضي 22 يونيو 2015 ،البدء في تنفيذ عمليّة عسكريّة في البحر المتوسط قبالة السّواحل الليبية لـ"مواجهة مهربي المهاجرين غير القانونيين".

ووفق تقارير إعلامية غربية فإنّ الخطة العسكريّة التي أقرها الإتحاد الأوروبي ستنفذ على ثلاث مراحل:

 - المرحلة الاولى وتشمل خطة جمع المعلومات الاستخباراتية عن مواقع قوارب المهربين وكيفية عملها على السواحل الليبية وفي المياه الدولية.

- المرحلة الثانية وتشمل تدمير المراكب التي يستخدمها المهربون واعتقالهم في المياه الدولية.

- المرحلة الثالثة وهي التي تذهب فيه الخطة لحد توسيع هذه العمليات لتتجاوز المياه الدولية إلى العمل في المياه الإقليمية الليبية وربما داخل الأراضي الليبية.

وفي سياق هذه العملية التي اطلق عليها الإتحاد الاوروبي إسم "يونافور- ميد" والتي سيقودها  الأميرال هنريكو كولندينا ،تحركّت قطع بحريّة أوروبية وحاملات طائرات داخل المياه الإقليميّة الدّولية قبالة السّواحل الإيطاليّة لبدء عملية الرّصد والمراقبة من خلال دوريات بحرية وجوية.

إلى ذلك ذكرت وسائل إعلام غربية بانّ إيطاليا حركت حاملة الطائرات الإيطالية “كافور” التي اقتربت كثيرا من سواحل مدينة مصراتة الليبية التي ستكون ضمن العتاد العسكري الذي سخّره الإتحاد الاوروبي لتنفيذ هذه العمليّة التي لم يكشف عن حجم تكاليفها ،في وقت تحدّث فيه مصادر إعلام عن الاتفاق بأن تقوم كل دولة مشاركة بالتحمل بتكاليف مشاركتها في العمليّة.

الـ"يونافور- ميد" تثير المخاوف والشكوك:

وحول الموقف الرسمي الليبي من هذه العمليّة التي وصفها  وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني بأنها خطوة أولى في طريق حل مشكلة الهجرة غير الشرعية ،جددت الحكومة الليبية المؤقتة المعترف بها دوليا رفضها لأي عملية داخل المياه الإقليمية دون التنسيق المسبق معها، ويشمل ذلك دخول أي قطع بحرية أو استهداف أي سفينة إلى هذه المياه.

واكّد قائد سلاح الجو الليبي اللواء ركن صقر الجروشي أول أمس ،الثلاثاء ،أن الطائرات الليبية ستهاجم أي قطع بحرية تقترب من السواحل الليبية دون إذن مسبق من الحكومة الشرعية في طبرق.

وفي ذات سياق ردود الافعال قال الكرملين إنه غير واثق من شرعية العملية العسكرية ضد السفن التي تحمل المهاجرين عبر المتوسط.

وأوضح دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي أن مسألة شرعية الإجراءات المعلنة لا تزال قائمة، مضيفا "لا تزال أمامنا مسألة معرفة إلى أي مدى يمكن أن تتطابق هذه الإجراءات مع مبادئ القانون الدولي... وعلينا دراسة مثل هذا القرار من جهة الشرعية" وفق تعبيره.

وفي السياق ذاته أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا ، رفضها القاطع لأي عملية عسكرية ضد المهاجرين غير الشرعيين ،لافتا أن هذة العملية العسكرية التي يعتزم الاتحاد الأوروبي القيام بها بمثابة ضرب بعرض الحائط للمبادى العالمية لحقوق الانسان وتتنافى مع القيم الأخلاقية و الإنسانية وما تنادى به أوروبا لحماية حقوق الانسان.

وطالبت اللجنة في بيان لها مفوضية الاتحاد الأوروبي يالتعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية ومكافحة التجارة بالبشر، بالتنسيق والموافقه الأممية وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان و لمبادئ احترام الاراده الليبية في التعامل مع ملف الهجرة.

هل يُخفي عنوان "مكافحة الهجرة" أهدافا أخرى ؟

في تصريح لها ضمن تقرير حول الموضوع نشرته صحيفة "العرب" اللندنية الصادرة امس الخميس ،قالت بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية بتونس، إن هذه التطورات العسكرية والاستخباراتية، كانت مُتوقعة بالنظر إلى انفلات الأوضاع في ليبيا، وسعي القوى العظمى إلى الدفاع عن مصالحها، خاصة أن تنظيم داعش أصبح الآن يُسيطر على أكثر من 200 كيلومتر من السواحل الليبية.

وفي المقابل اعتبرت قعلول أن عنوان العملية الأوروبية المُعلن عنها، أي “يونافور- ميد”، "مُضلل ويُخفي أجندات متعددة، لأن مواجهة الهجرة غير الشرعية لا تستدعي حشد مثل هذه الأساطيل الحربية" وفق تعبيرها

وأعربت المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية بتونس في هذا السياق عن خشيتها من أن يكون عنوان محاربة الهجرة غير الشرعية، يخفي خطة عسكرية للتدخل المباشر في ليبيا، أو السطو على حوض البحر الأبيض المتوسط في إطار الصراع على مراكز النفوذ الذي تحتدم مفاعيله منذ مدة.

واضافت صحيفة "العرب" في تقريرها بانّ ما اسمته بـ"حالة الفزع" بدت واضحة لدى الحكومة الليبية المعترف بها دوليا برئاسة عبدالله الثني التي لا تُخفي هي الأخرى خشيتها من أن تكون عملية “يونافور- ميد” مُجرد غطاء لتغير موازين القوى في ليبيا بما يُضفي شرعية على الجماعات المُتطرفة والميليشيات المُسلحة لجهة إدماجها في المشهد السياسي الذي تسعى المجموعة الدولية إلى إعادة تشكيله بما يخدم مصالح القوى المؤثرة.

واضافت الصحيفة بان مراقبين ربطوا هذا التحذير بتزايد الشكوك حول الهدف الرئيسي المخفي من هذه العملية، التي جاء الإعلان عنها متزامنا مع بدء المبعوث الأممي إلى ليبيا برناندينو ليون في إجراء مشاورات مع مسؤولي بعض الميليشيات المتطرفة في مدينة مصراتة.

وتابعت الصحيفة اللندنية بان تلك المشاورات التي يُنتظر أن تشمل قادة بعض الميليشيات المُتطرفة الأخرى في العاصمة طرابلس، وبقية المناطق الليبية، قد أثارت حفيظة واستياء الحكومة الليبية المعترف بها دوليا التي تتخوف من أن تكون تلك المشاورات مُقدّمة لفرض الميليشيات المسلحة المتطرفة كجزء من المعادلة السياسية الراهنة .

وتعاني ليبيا منذ أكثر من عام من صراع سياسي وعسكري حاد ،بين الجيش الليبي التابع للحكومة المؤقتة والمنبثقة عن مجلس النواب المتتخب في مدينة طبرق شرق البلاد والمعترف به دوليًا ،وبين ميلشيات "فجر ليبيا" المدعومة من المؤتمر الوطني المنتهية ولايته ،وما يسمى بـ"حكومة الإنقاذ" في طرابلس والتي لا تحظى باي اعتراف دولي.

صراع أثر على الحالة الأمنية في البلاد ،وعمّق حالة الإنقسام والفراغ الامني ،وماهو ما استغلته عصابات الهجرة وتهريب البشر حتى تحولت الشواطئ الليبية الى "مضخة" للمهاجرين نحو شمال المتوسّط ،كما ساهمت حالة الإنقسام في البلاد الى توسع تنظيم داعش الذي بات يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي الليبية.