وسط أنقاض منزل بحي "الحاج يوسف"، شرقي العاصمة السودانية الخرطوم، جرفته السيول والأمطار التي ضربت البلاد مؤخراً، كان الطفل مجاهد بشير (10 أعوام)، ممسكاً بقطعة خبز بيده اليمنى، يهش الذباب والحشرات التي تكاثرت يوما تلو آخر، بيده اليسرى، في مشهد يتماهى مع تحذيرات خبراء من كارثة صحية محتملة.

وضربت الخرطوم واجزاء واسعة من البلاد ثاني أيام عيد الفطر، أمطارا غزيرة، تجددت مساء أمس الأحد، واستمرت هطولها ساعات أعقبها سيول دمرت 6 آلاف منزل، بحسب إحصائيات رسمية، خلفت 21 قتيلا في الأحياء الشعبية التي تقع على الجانبين الشرقي والغربي للعاصمة الخرطوم، وأغلبها مشيد من الطين والقش والأخشاب.وازدادت تحذيرات الخبراء من وقوع كارثة صحية بسبب تكاثر الذباب والبعوض والحشرات وانهيار عدد كبير من المراحيض جراء السيول والأمطار.

وفي حديث لوكالة الأناضول، أشار خبير الصحة البيئية (تعنى بجميع العناصر البيئية التي تؤثر على صحة الإنسان)، أبو ذر محمد عبد الله، إلى نفوق عشرات الحيوانات، بجانب انهيار المراحيض، واختلاط مياه الصرف بمياه الأمطار والسيول، ما يفاقم الوضع الصحي.

وفي حي "صالحة" غرب العاصمة ، أحد أكثر الأحياء تضررا، كان الحاج "جابر" ممسكاً بطرف جثة "حمار" طافية في المياه وهو يتساءل في حديثه مع مراسل الأناضول "انظر ماذا ستفعل بنا هذه الجيفة المتعفنة؟"لكن مكمن الخطر بالنسبة لابنه "أحمد"، كان أن "ذات المجرى الذي جاء بجيفة الحمار حمل إليهم قبل ساعات جثة شاب في العقد الثالث من العمر".

وتابع الحاج جابر (70 عاما)، الذي يتمتع بصحة جيدة وهو جالس على جذع شجرة موضوعة فوق تل عال نسبيا، يواجه منزله الذي انهار كليا، ورائحة "البراز" تزكم الأنوف جراء انهيار المراحيض، ونفوق القطط والفئران: "أنا ﻻ اخاف من الموت بعد كل هذا العمر...".صمت جابر لبرهة كانت قاسية عليه، قبل أن يستطرد وهو يشير إلى صبية كانوا يلعبون بقطع من الطين كانت حتى وقت قريب لبنات من المنزل المتداعي "ما أخافه هو أن يموت أحفادي بالوباء".

وقال خبير الصحة البيئية، "عبد الله" إن عدم تجفيف المياه الراكدة (المستنقعات)، داخل الأحياء، من شأنه أن يخلق حاضنة (بيئة) مثالية لكثير من الحشرات والبعوض الناقلة لأمراض "الإسهال المائي، والتايفويد، والملاريا".وأشار الخبير السوداني، إلى أن هذه الأمراض معدية، ويمكن أن تنتشر على نطاق واسع.. لذا يجب رشها (الحشرات) سريعا، لمنع تكاثرها بكميات كبيرة، وحدوث كارثة بيئية وصحية".

ومضى قائلاً: "على الحكومة الإسراع بتوفير كميات كبيرة من الأمصال واللقاحات المضادة للأوبئة تحسبا لأي طارئ محتمل".لكن رئيس نقابة الاطباء بمستشفى الخرطوم، محمد عبد الرازق، قال إن "الوضع لايزال تحت السيطرة، ولم تسجل حالات إصابة بإسهال مائي (من النوع الحاد) حتى الآن".غير أنه لم يستبعد ظهور إصابات بحالات ملاريا خلال الأيام المقبلة بسبب ازدياد البعوض، خاصة وأن 50 % من حجم الوفيات بسبب الملاريا في العالم تحدث في السودان، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وبشأن المخاوف من حدوث كارثة بيئية، أضاف عبد الرازق: "لا أستبعد حدوث كارثة بيئية في حال استمرار هطول الأمطار بذات المستوى، وتراكم المياه داخل الأحياء دون شفطها ورشها".في السياق نفسه، أوضح مقرر غرفة طوارئ "الخريف" بولاية الخرطوم، مالك بشير، أن وزارة الصحة بدأت عمليات الرش لمنع تدهور الصحة البيئية بسبب تراكم مياه الأمطار والسيول.

وأشار "بشير" في تصريح صحفي إلى شروع أجهزة الولاية في تصريف المياه من الشوارع، فيما تستمر عمليات تجفيف الساحات داخل الاحياء من المياه.وأوضح أن فرق الطوارئ الصحية، تمكنت من الوصول إلى المناطق المتضررة، وفتح 28 عيادة طوارئ بكامل طواقمها، إضافة إلى بدء عمليات تكرير مياه الشرب كإجراء احترازي في المناطق التي تأثرت فيها شبكات الإمداد المائي جراء السيول.

لكن محمد صالح الذي يسكن حي "صالحة" غربي الخرطوم اتهم الحكومة "باللامبالاة" طبقا لوصفه، وقال في حديث لوكالة الأناضول: "حتى بعد وقوع الكارثة، هم لا يريدون إنقاذ ما يمكن إنقاذه فالفرق الصحية التي يتحدثون عنها لا وجود لها إلا في وسائل الإعلام".وبحسب عدد من المواطنين الذين استطلع آراءهم مراسلو الأناضول في عدد من الأحياء المتضررة فإن السبب: "لم يكن هطول الأمطار بغزارة بل سوء شبكة الصرف الصحي أو انعدامها كليا في بعض الأحياء".

وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت السبت الماضي، أن أوضاع البلاد الراهنة بسبب موجة السيول والفيضانات الحالية، لا تستدعي توجه إعلان للعالم بأن السودان منطقة كوارث، وأشارت إلى إمكانية تجاوز الأزمة بالإمكانيات والموارد الوطنية المتاحة.وكانت البلاد قد شهدت العام الماضي، وبخاصة الخرطوم أمطارا قياسية، وسيولا تسببت في انهيار كلي وجزئي لنحو 100 ألف منزل، ومصرع أكثر من 40 شخصا طبقا لإحصائيات رسمية، وسط تحذيرات من خبراء عن تغييرات مناخية.

auteur: Sistem
éditeur: İman Muhammed