صدر كتاب جديد للأستاذ محمد الناجي، وهو الباحث المتعود على أسلوب جديد ومنهجية في مختلف كتاباته، سواء منها الأكاديمية أو الصحفية. غير أن الأمر يتجاوز هذه المرة ما اعتدناه منه، إذ يتعلق بالإبداع على مستوى الصنف ونوع الكتابة، فهي المرة الأولى التي يخرج فيها الباحث من مجال البحث العلمي الرصين، ليقترح نصا أدبيا يمكن وضعه في خانة الرواية التاريخية.

وقد أتى في التقديم الذي خصته به الباحثة لطيفة البوحسيني:

كتاب يطرح أسئلة مقلقة ويدعو القارئ لعدم الاستكانة والكسل الفكري

""ابن النبي" هو عنوان نص الرواية الذي كتبه بأسلوب جميل يجعل القارئ مأخوذا بالمتعة التي يشعر بها منذ الصفحات الأولى، فهو من نوعية الروايات التي تشدك لدرجة تشعر بالحسرة وأنت تقرأ الصفحات الأخيرة التي تقربك من النهاية.

والجدير بالانتباه أن الأمر لا يتعلق بالأسلوب فقط ، بل يتجاوزه إلى المضمون وعمق القصة التي تحكيها هذه الرواية، وذلك بالنظر للقضية المثيرة التي تتناولها، إنها قصة تدخل في حقل المحظور دينيا والتي لفها الصمت منذ قرون خلت. لقد جعل التخوف الذي لف عددا من الإشكاليات المرتبطة بالكتاب المقدس تسقط في حبال الصمت، مما أثر بشكل كبير على الفكر النقدي الذي ظل في حالة شلل عطلت أية إمكانية للتقدم في فك بعض الألغاز. من هنا تأتي جرأة الأستاذ محمد الناجي الذي يقترح في روايته تناول إحدى هذه الإشكاليات، ألا وهي مسألة التبني في الإسلام التي يعود إليها من خلال قصة زيد ابن حارثة.

إن الخطوط العريضة لهذه القصة معروفة لدى الجميع، بحيث يتعلق الأمر بعبد تبناه النبي بعد أن قام بتحريره، وهو زيد الذي تزوج فيما بعد زينب بنت عم النبي. غير أنه وحسب ما تمت روايته فيما بعد، فقد وقع النبي في عشق زينب، فنزلت الآية القرآنية التي رفعت الحرج وسمحت للنبي بالزواج منها بعد أن طلقها زيد. انطلاقا من هذا الواقعة، حدث تغيير في قضية التبني الذي تحول إلى الكفالة والذي لازال يرخي بظلاله ولازالت آثاره وعواقبه السلبية مطروحة إلى يومنا هذا بالنسبة للأسر التي ترغب في التبني. غير أن المثير، هو أنه وبالرغم من المشاكل التي يطرحها التبني، فلا أحد يجرؤ على تناول الإشكال مادامت المسألة تحيل إلى الآية القرآنية، وظل الفقهاء على مر السنين يلوذون بالصمت متجنبين الخوض فيها.

محمد الناجي يطرح الموضوع بطريقة مختلفة ويتصدى للإشكال بشجاعة ترفض الانزواء في الخطاب الديني وذلك من خلال تناوله للصراعات التي كانت ترفض الموقع المتميز لزيد، إذ المسألة تحيل أساسا إلى صراع المصالح ولا علاقة لها بالرسالة السماوية. إنها رواية جديدة تلك التي يقترحها علينا اليوم محمد الناجي في كتابه "ابن النبي".

"ابن النبي" كتاب يتسم بالشجاعة في تناول قضية حساسة، يتناولها الكاتب بذكاء وأسلوب جميل يستحق القراءة من طرف كل من له رغبة في أن يكون متصالحا مع ثقافته وتراثه الديني. وهو الكتاب الذي لا يمكن إلا الاعتزاز بكونه إنتاج باحث ومثقف ينتمي إلى عمق الثقافة الإسلامية وليس غريبا عنها.