في آخر دراسة لها حول الوضع في تونس بعنوان "الحدود التونسية: بين الجهاد والتهريب" بيّنت مجموع الأزمات الدّوليّة تأثير ظاهرة التهريب و ضعف السّيطرة و الرقابة على الحدود مع كل من ليبيا و الجزائر على الوضع الأمني في تونس ,حيث أصبحت هذه الحدود بعد انتفاضة يناير 2011 و احداث ليبيا منفدًا لدخول السّلاح و المخدّرات و معبرًأ لدخول و خروج العناصر الخطيرة ,كما أوصت المنظمة بضرورة ان يكون التوافق و الإرادة السياسية و الخيار الإجتماعي و التنموي في المناطق الحدوديّة الفقيرة و المهمّشة اقتصاديّا و التي تعتمد بشكل رئيسي على التهريب و التجارة الموازية من الخيارات الأساسيّة مع الخيار الامني في الحد من ظاهرة التهريب و الحد من خطورتها على الأمن الوطني التونسي ,و في ما يلي نص الملخص التنفيذي للدراسة و التوصيات :

الملخص التنفيذي والتوصيات

ترزح تونس تحت وطأة أزمات سياسية متكررة بات من الواضح أنها تضرب بجذورها في تدهور الوضع الأمني. على الرغم من أن الهجمات الجهادية لا تزال منخفضة التواتر، إلا أنها تزداد عدداً بشكل ينذر بالخطر، ما يسرّع بانتشار الشائعات، ويضعف الدولة ويؤدي إلى مزيد من الاستقطاب في المشهد السياسي. الحكومة الائتلافية، التي تهيمن عليها حركة النهضة الإسلامية، والمعارضة العلمانية تتبادلان الاتهامات، وتسيّسان قضايا الأمن الوطني بدلاً من معالجتها. في هذه الأثناء تتسع الفجوة بين تونس على الحدود ـ سهلة الاختراق، والتي تحتشد فيها الجماعات المسلحة، والتي باتت بؤرة للجهاد والتهريب ـ وتونس العاصمة والساحل التي تنتابها المخاوف من هشاشة المناطق الداخلية التي تخشاها أكثر مما تفهمها. إضافة إلى الانخراط في الجهود الضرورية لتسوية الأزمة السياسية الراهنة والملحّة، ينبغي على اللاعبين من سائر أجزاء الطيف الوطني أن يتخذوا إجراءات ليست أمنية فقط بل اجتماعية واقتصادية أيضاً للحد من قابلية حدود البلاد للاختراق.

إن الفراغ الأمني الذي أعقب انتفاضة 2010-2011 ضد نظام بن علي ـ إضافة إلى الفوضى التي أنتجتها الحرب في ليبيا ـ تفسر إلى حد كبير الارتفاع المثير للقلق في وتيرة عمليات التهريب عبر الحدود. رغم أن التهريب كان منذ وقت طويل المصدر الوحيد للدخل لأعداد كبيرة من سكان المناطق الحدودية، فإن الاتجار بسلع خطيرة ومربحة أصبح يشكّل مصدراً لمخاوف عميقة. باتت المخدرات الخطيرة إضافة إلى كميات صغيرة نسبياً (حتى الآن) من الأسلحة والمتفجرات تدخل البلاد وبشكل منتظم من ليبيا. على نحو مماثل، فإن النصف الشمالي من الحدود التونسية ـ الجزائرية بات منطقة تشهد عمليات تهريب متزايدة للحشيش والأسلحة الخفيفة. هذه الأنشطة تزيد من قدرة الجهاديين على التعطيل وإثارة القلاقل وترفع من حدة الفساد في أوساط السلطات الحدودية.

لا ينبغي المبالغة في هذه التطورات ولا تسييسها. تجدر الإشارة على نحو خاص، وبما يتناقض مع ما يعتقده كثيرون، إلى أن المعدات العسكرية القادمة من ليبيا لم تتدفق بذاك الشكل الهائل على البلاد. لكن في الوقت ذاته لا ينبغي التقليل من أهمية هذا الخطر. لا شك بأن الحرب في ليبيا كان لها تداعيات أمنية وأن المجموعات المسلحة في المناطق الحدودية والتي شنت هجمات ضد أعوان الحرس الوطني، والجيش والشرطة، أصبحت تشكل تهديداً أمنياً كبيراً فاقم منه عودة المقاتلين التونسيين من سورية. وفي نفس السياق، فإن تبعات الانتفاضة التونسية والحرب الليبية دفعت إلى إعادة تنظيم كارتيلات التهريب (التجار على الحدود مع الجزائر، والقبائل على الحدود مع ليبيا)، مما يضعف سيطرة الدولة ويمهد الطريق لأنماط أكثر خطورة بكثير من التهريب.

يضاف إلى هذا الخليط حقيقة أن الأنشطة الإجرامية والتطرف الإسلامي باتا يمتزجان في ضواحي المدن الكبرى وفي القرى النائية الفقيرة. بمرور الوقت، فإن نشوء ما يُسمى العصابات الإسلاموية يمكن أن يسهم في ظهور مجموعات تجمع بين الجهاد والجريمة المنظمة داخل شبكات التهريب العاملة على الحدود ـ أو الأسوأ من ذلك، إلى التعاون بين الكارتيلات والجهاديين.

من الواضح أن معالجة مشاكل الحدود يتطلب تعزيز الإجراءات الأمنية، إلاّ أن هذه الإجراءات لن تكون كافية بحد ذاتها. حتى مع استعمال أكثر آليات السيطرة على الحدود تقدماً من الناحية التقنية، فإن سكان هذه المناطق ـ الذين ينظّمون أنفسهم في شبكات والذين يعتَبرون من أفقر سكان البلاد ـ سيظلون قادرين على المساعدة على عبور السلع والأشخاص عبر الحدود أو منع ذلك. كلما تنامى شعورهم بالإحباط الاقتصادي والاجتماعي، كلما تضاءلت رغبتهم بحماية سلامة أراضي البلاد مقابل التسامح النسبي إزاء أنشطتهم في مجال التهريب.

وهكذا فإن تهريب الأسلحة والمخدرات، إضافة إلى تحرك المقاتلين الجهاديين، بات رهينة للمفاوضات غير الرسمية بين أمراء الاقتصاد غير المنظم وممثلي الدولة. منذ سقوط نظام بن علي، بات التوصل إلى مثل هذه التفاهمات أكثر صعوبة. وقد تمثلت النتيجة في إضعاف فعالية الإجراءات الأمنية وندرة توافر المعلومات الاستخبارية المستقاة من العناصر البشرية التي تلعب دوراً حاسماً في مواجهة التهديدات الإرهابية أو الجهادية. في ظل مناخ محلي وإقليمي متقلب، فإن استعادة الثقة بين الأحزاب السياسية والدولة وسكان المناطق الحدودية يوازي في أهميته تعزيز السيطرة العسكرية في أكثر المناطق عرضة للاختراق.

على المدى البعيد، فإن حداً أدنى من الإجماع بين القوى السياسية حول مستقبل البلاد هو وحده الكفيل باستعمال مقاربة ناجعة حقاً لمعالجة قضية الحدود. وفي هذا المجال، وعند كتابة هذا التقرير، تبدو نهاية الأزمة السياسية بعيدة؛ حيث أن النقاشات المتعلقة بتشكيل حكومة جديدة؛ والانتهاء من وضع دستور جديد وقانون انتخاب جديد؛ وتعيين هيئة انتخابية جديدة لا تزال بين أخذ ورد. ودون تسوية هذه القضايا، من المرجح أن ترتفع حدة الاستقطاب وأن يسوء الوضع الأمني، وأن يتهم كل طرف الطرف الآخر باستغلال الإرهاب لغايات سياسية. وهكذا فإن تجاوز أزمة الثقة بين الائتلاف الحاكم والمعارضة يعد محورياً للخروج من هذه الحلقة المفرغة.

إلا أن المأزق السياسي الراهن لا ينبغي أن يستبعد تحقيق بعض التقدم الفوري على الجبهة الأمنية. العمل معاً لتعزيز عمليات السيطرة على الحدود، وتحسين العلاقات بين السلطات المركزية وسكان المناطق الحدودية إضافة إلى تحسين العلاقات بين دول المغرب العربي: هذه كلها مهام يمكن إنجازها  فقط بعد تسوية الصراعات السياسية الكامنة تحتها لكن، وفي هذه الأثناء، لا تستطيع الجهات الفاعلة في تونس تجاهلها. 

التوصيات

للتوصل إلى إجماع سياسي على القضايا الأمنية

إلى الأحزاب السياسية الرئيسية، وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي وممثلي سكان المناطق المحاذية للحدود مع الجزائر وليبيا (أصحاب المصلحة في قطاعي الأعمال والمجتمع المدني، وزعماء القبائل):

1.  إنشاء مجموعات عمل يكون هدفها التوصل إلى مقاربة إجماعية وحيادية سياسياً لعملية ضبط الحدود والأمن العام وتقديم نتائج عملها إلى السلطات الجهوية والوطنية.

للإسهام في منع تجدد العنف الجهادي من خلال الإجراءات الأمنية وتحسين العلاقات مع سكان المناطق الحدودية

إلى الحكومة التونسية:

2.  تكثيف عمليات التفتيش على الحدود الجنوبية الشرقية، خصوصاً عند معبري راس جدير وذهيبة ـ وازن.

3.  زيادة عدد الدوريات المختلطة (الجمارك، والشرطة، والحرس الوطني، والمخابرات، والجيش) بقيادة القوات المسلحة التونسية وتكثيف التكوين والتدريب المشترك بين الجيش والحرس الوطني.

4.  متابعة الجهود لإنشاء جهاز مخابرات وطني ودمج أجهزة المخابرات ووحدات مكافحة الإرهاب فيه.

5.  تطوير برامج إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للمقاتلين التونسيين العائدين من الجبهة السورية.

إلى الحكومات الجزائرية، والتونسية والليبية:

6.  تعزيز التعاون الأمني، خصوصاً بإضافة معابر حدودية مشتركة ودوريات مشتركة وتشجيع تبادل المعلومات.

إلى السلطات المركزية، والجهوية والمحلية إضافة إلى ممثلي سكان المناطق الحدودية (أصحاب المصلحة من قطاعي الأعمال والمجتمع المدني، وزعماء القبائل): 

7.  مناقشة الأدوات العملية لتعزيز الآليات المحلية للسيطرة على الحدود، خصوصاً من خلال الاستخبارات البشرية.

8.  مناقشة إمكانية إنشاء مناطق تجارة حرة في المناطق الحدودية.

إلى وزارة التجارة والحرف اليدوية التونسية ونظيرتيها في الجزائر وليبيا:

9.  إجراء دراسات جدوى حول إنشاء مناطق حرة في المناطق الحدودية.

إلى الشركاء الغربيين الرئيسيين لتونس (فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي):

10.  تركيز التعاون الاقتصادي، والاستثمارات والمساعدات التنموية على حدود البلاد والمناطق الداخلية.

11.  تشجيع إصلاح القطاع الأمني سياسياً، ومالياً وتقنياً، خصوصاً من خلال إنشاء قوات أمن محترفة وتجنب تسييس إدارة هذه القوات.

12.  تشجيع وتيسير التعاون الأمني المغاربي، خصوصاً من خلال تعزيز تبادل المعلومات فيما يتعلق بليبيا مع الحكومة التونسية، خصوصاً في سياق بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية.