لو تطلب من مواطن ليبي هذه الأيام أن يعبر عن موقف يشرف ليبيا وشعبها، وأي خطوة قادر على فعلها في علاقة بما يحصل في الأراضي المحتلة، ستكون الإجابة بكل تأكيد، التعامل الحازم والضغط الاقتصادي على القوى الغربية التي تدعم الجرائم التي يرتكبها الاحتلال، وهذا ما عبر عنه مجلس النواب الليبي دون قفازات ولا دبلوماسية كاذبة.

لكن وفي جانب آخر، ومع إصدار مجلس النواب الليبي بيان شديد اللهجة للتنديد بالجرائم الصهيونية في فلسطين ومطالبته بإيقاف تصدير النفط للدول التي أعلنت دعمها لكيان الاحتلال، خرجت أصوات تحاول التقليل من الموقف بزعم عدم فاعليته وتقدم حججا أصبحت مألوفة من معسكر متخاذل وغير آبه لما يحصل لإخوته، وهي الأصوات التي تكون عادة متضررة من مثل هذه الإجراءات، أو من مجموعات تتبنى ليبرالية مزيفة تحاول التقليل من قيمة كل شيء فيه شجاعة موقف.

هذه الأصوات، التي لم تعد ذات قيمة شعبيا في فضائها العربي، بالقدر الذي تستند فيه إلى حقيقة الواقع والأرقام بالقدر الذي تعطي حججا فيها تقزيم مبالغ فيها، وربما يفرح به العدو الإسرائيلي نفسه، ويركب على موجة الاستهزاء التي تقودها أطراف ليبية، ويحاول أن يظهر للعالم أن حروب مقاطعته الاقتصادية مآلها الفشل ولا تأثير لها، وهو بالفعل يقول ذلك في كل فرصة تتاح له، لأن معركة الدعاية بالنسبة إليه لا تقل قيمة عن معركة السلاح، ويسعى بكل نفوذه أن يربحها، ربما حتى عبر تلك الأصوات التي نتحدث عنها وإن بشكل غير مباشر.

لكن في كل موقف مهما كانت رمزيته وتأثيره، رسالة تزعج المعني بها، بأنه منبوذ أولا، وبأن معركة الاقتصاد لو توحدت الـأصوات لها تأثير كبير عليه وخاصة على داعميه، الذين لم يعد خافيا على أحد أنهم يساندون دون حياء عملية الإبادة الجماعية، من قتل لأطفال غزة وتهديم بناها التحتية ومستشفياتها ومدارسها. ويفترض بالأصوات القافزة على الجرح العربي أن تبقي على صمتها أفضل من تعطي رأيا يكاد يشبه رأي قادة الاحتلال.

وليعلم هؤلاء أن الموقف العربي تاريخيا عندما كان في حال أفضل، غالبا ما استعمل خلال صراعات الكواليس الدولية، ورقة قطع تصدير النفط تلميحا وتصريحا، وكان ذلك يسبب حالة إرباك كبيرة غربيا، باعتبار أن ذلك يعتبر شكلا ضاغطا يمكن أن يفرض عليهم تنازلات لا ينوون تقديمها خارج ورقة الضغط.

خلاصة القول أن مجلس النواب الليبي برأ نفسه أمام الليبيين أولا وأمام الفلسطينيين ثانيا وأمام العرب والمسلمين ثالثا، وأصدر بيانا يعبر عن الوجدان الحقيقي لكل مواطن عربي، ومهما كانت تأثيراته فقد خرج من خلال على الأقل بشرف الموقف.