نشرت مجلة "كانديان دايمنشن" تقريرًا تحدثت فيه عن إرث الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وماذا قدم القذافي إلى وطنه، كيف أصبحت ليبيا بعد الإطاحة به في عام 2011.

وقالت المجلة الكندية إنه في 20 أكتوبر 2011 وسط احتجاجات تدعمها حكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي -ثورة مسلحة دفعت البلاد إلى حرب أهلية-تم القبض على الزعيم الليبي معمر القذافي وقتل بوحشية على أيدي المتمردين.

وبالرغم من كونها واحدة من أكثر الدول ازدهارًا في القارة الأفريقية بفضل حقولها النفطية الواسعة، بعد سقوط القذافي تم تقسيم الدولة الواقعة شمال إفريقيا بين الحكومات المتنافسة في الشرق والغرب وبين جماعات مسلحة متعددة تتنافس على حصص السلطة والسيطرة على البلاد وثروتها.

وحكم القذافي لمدة 42 سنة مما دفع ليبيا إلى تقدم كبير في المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تم الاعتراف بها والاعجاب بها من قبل العديد من الدول الأفريقية والعربية في ذلك الوقت. على الرغم من حكومته المثيرة للجدل كان القذافي يمثل شخصية مهمة للنضالات المناهضة للإمبريالية لموقفه بشكل رئيسي ضد الولايات المتحدة والسياسات المنفذة من واشنطن بشأن الشرق الأوسط.

ولهذا السبب أصبحت حياته وموته أحداثاً محورية في التاريخ الليبي، وهي مفتاح فهم الوضع الحالي.

ليبيا قبل القذافي

بعد الحرب العالمية الثانية وضعت ليبيا تحت سيطرة فرنسا وبريطانيا، وقامت الدولتان بربطها بمستعمراتهما في الجزائر وتونس.

ومع ذلك فضلت بريطانيا ظهور نظام ملكي تسيطر عليه المملكة العربية السعودية وأيدته الأمم المتحدة تحت قيادة سلالة السنوسي التي حكمت البلاد منذ "استقلالها" في عام 1951 متمثلة في الملك إدريس الأول الذي أبقى ليبيا في ظل الظلامية الكاملة أثناء تعزيز المصالح الاقتصادية والعسكرية البريطانية.

وعندما تم اكتشاف احتياطيات النفط في عام 1959 لم يترجم استغلال الثروة إلى فوائد للشعب. ووفقًا للمحلل السياسي تييري ميسان خلال الحكم الملكي في ليبيا كانت الأمة غارقة في التخلف في التعليم والصحة والسكن والضمان الاجتماعي من بين أمور أخرى.

ووفقًا لما ذكره ميسان فإن معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة المنخفضة كانت مروعة، حيث لم يتمكن سوى 250 ألف شخص من أصل أربعة ملايين من القراءة والكتابة.

ولكن في عام 1969 تم الإطاحة بسلالة السنوسي من قبل مجموعة من الضباط بقيادة العقيد معمر القذافي الذي أعلن الاستقلال الحقيقي وأزاح القوات الأجنبية المهيمنة عن البلاد.

وكانت إحدى سياسات القذافي الفورية هي تقاسم الفوائد والثروة لجميع الليبيين.


ليبيا في ظل حكم القذافي

ومنذ تولى القذافي السلطة كان النفط هو المورد الرئيسي في أيدي زعيم الجمهورية العربية الليبية المعلن عنها حديثًا. ويمثل انتصار ثورة 1969 نقلة نوعية مما دفع الحكومة الجديدة إلى استخدام دخلها النفطي لتعزيز تدابير إعادة التوزيع بين السكان مما ولد نموذجًا جديدًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد.

وفقًا للمحللين كان من بين تدابير "السيادة الاقتصادية" التي قادت سياسات القذافي تأميم العديد من شركات النفط الغربية مثل بريتيش بتروليوم وإنشاء المؤسسة الوطنية لنفط الليبي، والتي تميزت بتكوين يميل أكثر إلى النموذج الاشتراكي.

وخلال فترة حكم القذافي تم إطلاق برامج اجتماعية طموحة في مجالات التعليم والصحة والإسكان والأشغال العامة والإعانات للكهرباء والمواد الغذائية الأساسية. وأدت هذه السياسات إلى تحسن كبير في الظروف المعيشية لليبيين من كونها واحدة من أفقر البلدان في أفريقيا في عام 1969 إلى كونها رائدة القارة في مؤشر التنمية البشرية في عام 2011.

وفي الواقع اعتبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2010 ليبيا دولة ذات تنمية عالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويعني هذا الوضع المترجم معدل معرفة القراءة والكتابة 88.4 في المائة، ومتوسط العمر المتوقع 74.5 سنة، والمساواة بين الجنسين، من بين العديد من المؤشرات الإيجابية الأخرى.

وعلى المستوى الوطني كان القذافي قادرًا على التعامل مع معضلتين أساسيتين من سمات المجتمع الليبي من ناحية صعوبة ممارسة السيطرة على القبائل، ومن ناحية أخرى تجزئة المجتمع إلى قبائل متنوعة وأحيانًا متعارضة.

وكان القذافي لديه القدرة على تجميع هذه المناطق مع القليل من الاتصال مع بعضها البعض. وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 140 قبيلة في الأراضي الليبية لكل منها تقاليد وأصول مختلفة.

وعلى المستوى الدولي ينبغي تسليط الضوء على الوحدة العربية بالمواجهة المفتوحة أمام الولايات المتحدة بسبب المعارضة التي مارسها القذافي على تأثير هذا البلد، والوصول إلى علاقات أوثق مع الدول العربية الأخرى لتنفيذ سياسات مشتركة لرفض سياسات واشنطن على الشرق الأوسط وأفريقيا.

وعمل الزعيم الليبي على تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة مثل مصر والمغرب وسوريا وتونس وتشاد وغيرها، بالإضافة إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع دول مثل فرنسا وروسيا. ويرتبط القذافي أيضًا ببلدان أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا وكوبا مما أدى به إلى تنمية شبكة واسعة من الاتصالات وتأثير غير مريح على أوروبا والولايات المتحدة.

وبحلول وقت مقتله كان لدى ليبيا أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد ومتوسط العمر المتوقع في القارة. وكان عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر أقل من عددهم في هولندا.

الإطاحة بالقذافي 

وصلت احتجاجات المواطنين التي بدأت في تونس في ديسمبر 2010 -الربيع العربي-بعد شهر واحد إلى ليبيا المجاورة وإن كان بطريقة مختلفة، حيث لم يتم تكرار المظاهرات الجماهيرية والشعبية التي ميزت تونس ومصر. في المقابل في بنغازي حيث ركزت الحركة المناهضة للقذافي سادت الجماعات المتطرفة المشهد.

ويوافق بعض المحللين السياسيين على أنه في ليبيا لم تكن هناك حركة جماهيرية على المستوى الوطني مثل الدول الأخرى، ولم يكن هناك دعم شعبي للإطاحة بحكومة القذافي.

ومع ذلك فإن الانتفاضات في بنغازي كانت كافية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي للتدخل نيابة عن مسؤولية الحماية (القرار 1973) وشنت حملة قصف بين مارس وأكتوبر 2011 والتي كان لها تأثير حاسم على اغتيال القذافي.

ووفقاً لـ ميسان فإن تدخل الناتو في الشؤون الداخلية لليبيا والإطاحة بالقذافي لم يكن نتيجة نزاع بين الليبيين بل لاستراتيجية إقليمية طويلة الأمد لزعزعة استقرار المجموعة بأكملها في الشرق الأوسط.

وبعد مرور تسع سنوات على وفاته نما السكان في عاصمة البلاد التي مزقتها الفوضى أصبحوا يفتقدون القائد القذافي في ظل فترة طويلة مع تصاعد الإحباط في الحياة اليومية.

وقالت فايزة الناس وهي صيدلية تبلغ من العمر 42 عامًا لوكالة فرانس برس في 2015 "أنا أكره أن أقول ذلك، لكن حياتنا كانت أفضل في ظل النظام السابق" في إشارة إلى حكم القذافي. وهي تصريحات ومشاعر مشتركة بين العديد من الليبيين، بمن فيهم أولئك الذين عارضو القذافي في مرحلة ما.

إن ليبيا المستقرة اقتصاديًا واجتماعيًا في عهد القذافي مقابل بلد مجزأ بدون حكومة دمرتها الهجمات والتفجيرات والاشتباكات المستمرة هي نتيجة لغزو الناتو في عام 2011. وهو استنتاج أسفه الكثيرون لدعمهم اياه ولكن بعد عقد تقريبًا.