أدرك إخوان تونس أخيرا أن الغطاء الأجنبي الذي كانوا يحاولون التستّر به ، قد رُفع عنهم تماما ، وأن هناك تفهما دوليا واضحا للحركة التصحيحية التي أقرها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي

فقد أكدت مجموعة الدول السبع « التزامها المستمر بالشراكة مع تونس التي تقوم بتطوير الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة قصد الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب التونسي حول تحقيق مستوى معيشي أفضل بالإضافة إلى إرساء حوكمة تتّسمُ بالنزاهة والفعالية والشفافية »

وفي بيان غير مسبوق ، حث سفراء الدول السبع ( فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، كندا والولايات المتحدة الأمريكية)  على سرعة العودة إلى نظام دستوري يضطلع فيه برلمان منتخبٌ بدور بارز، مؤكدين على الحاجة الماسّة لتعيين رئيس حكومة جديد حتّى يتسنّى تشكيل حكومة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس على الصعيد الاقتصادي والصحي وهو ما من شأنه أن يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المُقترَحة.

ودعا سفراء مجموعة الدول السبع بتونس إلى الالتزام العام باحترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لجميع التونسيين وباحترام سيادة القانون، معتبرين أنّه كلّما أسرع رئيس الجمهورية قيس سعيد في تحديد توجّه واضح بشأن سبل المضي قدمًا بشكل يستجيب لاحتياجات الشعب التونسي ، كلما تمكنت تونس من التركيز بشكل أسرع على معالجة التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تواجه البلاد.

ويرى المراقبون أن بيان مجموعة السبع تميز بالدعوة الى العودة الى نظام دستوري ولكن دون تحديد هويته ،وما إذا كان يعتمد الدستور الحالي أو دستورا جديدا ، والى إيجاد برلمان منتخب دون الحديث عن رفع التعليق عن البرلمان الحالي الخاضع لسيطرة الإخوان ، مع تشديد على مواصلة الشراكة مع تونس ، وهو ما أحبط محاولات حركة النهضة وحلفائها توصيف التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد في 25 يوليو بأنها انقلاب على الشرعية والدستور.

ويضيف المراقبون أن حملات العلاقات العامة مدفوعة الثمن التي نظمها إخوان تونس في الدول الغربية لم تحقق لهم أية مكاسب سياسية ، ولم تفلح في ترويج صورة خاطئة عن التدابير الرئاسية ، وذلك لأسباب عدة ، أبرزها أن المجتمع الدولي كان يتابع عن قرب ما وصلت الى تونس من مخاطر حقيقية تستهدف الدولة والمجتمع والسلم الأهلي بسبب فساد منظومة الحكم التي قادتها حركة النهضة وتسترها على الإرهاب والفساد ونهب المال العام والعبث بمقدرات البلاد ، ومخططاتها لتقسيم المجتمع والتغلغل في مفاصل الدول الى حد إصابتها بالشلل والعجز عن القيام بدورها الوظيفي

واعتبر الباحث في القانون الدستوري رابح الخرائفي أن بيان سفراء الدول السبع بتونس يمثّل تأييدا لحركة 25 يوليو وشهادة وفاة النظامين السياسي والدستوري التونسيين.

وأوضح أن البيان لم يحث على العودة إلى النظام الدستوري الحالي، وإنما إلى نظام دستوري جديد يحقق مطالب الشعب التونسي ، وتحدث عن العودة إلى مجلس منتخب وليس البرلمان المنتخب الحالي وهو ما يعني اعلان وفاة هذا البرلمان.

ورأى الوزير الأسبق والخبير القانوني الصادق شعبان أن «البيان واضح جدا ،ويمكن قراءته من منظور المسائل الجدلية الحاصلة لدى التونسيين ، حيث يتضح ان هذه الدول على علم بتفاصيل ما يجري وتعرف ما هو مطلوب » وأضاف أن  «مجموعة السبع موافقة على التدابير الاستثنائية التي بادر بها قيس سعيد وتعتبرها استجابة لمطالب الشعب ، واعتماد الفصل 80 لا قدح فيه ،وترى ان كلما أسرع قيس سعيد في الخروج من الحالة الاستثنائية كلما كان أفضل لحياة التونسيين ومستواهم المعيشي ، وتعتبر أن  الإصلاحات السياسية ضرورية و تشمل اساسا الدستور و النظام الانتخابي ، و تشدد على  ارساء  حوكمة جديدة  تتسم بالنزاهة و الفعالية و الشفافية ، و تشير بهذه العبارات  إلى ضرورة القطع مع الفساد الذي يخل بالنزاهة و الشفافية  و إلى وضع نظام سياسي فعال اي يمكّن من القرار السريع الناجع و يقطع مع حالة اللادولة التي عشناها في السنوات العشر الماضية »

وتابع شعبان  أن مجموعة السبع تحث على الاسراع بتعيين رئيس حكومة حتى يتسنى اختيار حكومة مقتدرة على مجابهة التحديات الاقتصادية والصحية ، اي حكومة كفاءات لا ولاءات حزبية او غيرها ،وترى ان وجود الحكومة الجديدة يساعد على إيجاد مناخ لحوار يشرك الجميع حول الإصلاحات السياسية القادمة ، وهي لا تشير إلى الاستفتاء صراحة باعتبار ذلك مرتبط بالظروف الداخلية ، وإنما يفهم من السياق العام ومن إشارات في أكثر من موقع من البيان ان كل ما يحصل هو استجابة لرغبات الشعب، لذلك الأفضل أن يتم استفتاء الشعب في كبار التوجهات ،

وقبل نشر البيان ، قام سفير فرنسا بتونس أندريه باران بنقل تفاصيله الى عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجيّة والهجرة والتونسيين بالخارج، خلال لقاء تم أول أمس الإثنين ، «تناول مرحلة تصحيح المسار السياسي إثر الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهوريّة بمساندة شعبيّة واسعة واستنادا على الفصل 80 من الدستور والتي اقتضاها الوضع العام في البلاد » وفق بيان الخارجية التونسية

وأكّد السفير الفرنسي تفهّم بلاده للقرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو الماضي معربا عن تطلّع فرنسا إلى أن تتجاوز تونس هذه المرحلة بما يدعم تجربتها الديمقراطيّة ويستجيب لطموحات شعبها، مشددا على وقوف فرنسا إلى جانب تونس لمواجهة كافة التحديّات الاقتصادية والصحيّة تماهيا مع ما عبرّ عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال الاتّصال الهاتفي الأخير الذي أجراه مع سعيّد.

وفي الأثناء ، بين وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس ان اللقاء الذي الرئيس سعيد السبت الماضي بوفد من الكونغرس الأمريكي يعد السادس منذ 25 يوليو 2021،  مؤكدا أنه لا يوجد أي تعسف على استقلالية وسيادة القرار التونسي ، وأضاف أن "الوفد الأمريكي تبرّأ من حركة النهضة، ولم يعبر عن مساندته لأي طرف سياسي وهو أمر جديد تم توضيحه للرئيس، كما أنه لم يضع شروطا لمواصلة المساندة المالية لتونس."

ويشعر إخوان تونس وحلفاؤهم بأنهم خسروا جميع رهاناتهم على التدخلات الأجنبية لفائدة مشروعهم، وتبين لهم أنهم باتوا ورقة خاسرة في مسارات العلاقات الدولية للبلاد ، وأنهم غير معزولين عن السياق العام لهزيمة مشروع الإسلام السياسي في المنطقة.