يثير موضوع المثقف المغاربي في ظل توجهات التنمية الوطنية تساؤلات ترصد واقعه وتستشرف دوره المحوري في مرحلة العمل الوطنية من حيث مستوى التغيير أو التطوير الحاصل في طبيعة هذا الدور، وموقعه في خطط وتوجهات التنمية الوطنية في صبغتها الجديدة في ظل مؤشرات وطنية عدة تؤصل لفتح منابر الحوار وخطاب إعلامي يعطي بعداً كبيراً لحرية الفكر وإبداء الرأي وتحول في مسيرة رسالة الإعلام المحلي محاولة منه في رصد واقع الإنسان المغاربي المعايش بكل شفافية ووضوح...

وهي في حد ذاتها فرص في نقل المثقف المغاربي من مرحلة التمكين إلى التمكن، ومن مرحلة المتابعة عن بعد إلى المعايشة المعمقة، التي تمكنه من القيام بدور محوري مؤثر في صياغة مرحلة التحول، يستدعي التعامل معها امتلاكه الأدوات الفاعلة والمهارات المجيدة والثقافة الواعية والقراءة المتزنة والتحليل المعمق والرصد الدقيق المتوازن لواقعه العملي ليتكيف مع متطلباته ويتفاعل مع سرعة التغيير الحاصل به، والاندماج الذي يعزز في ظله مسؤوليته في نقل الحوار الثقافي الفكري إلى واقع الشراكة المعززة بالتجارب والمترجمة للخبرات والمؤصلة لنماذج عمل واقعية تسترشد بها المؤسسات وتستنير بها ثقافة المجتمع لمزيد من الوعي الاجتماعي...

وبالتالي، كيف يفهم المثقف المغاربي طبيعة المرحلة القادمة وماذا أعد لها، وكيف يتعامل مع هذا الكم القادم من المعارف أو التجاذبات والأفكار الأخرى التي تبث بين فترة وأخرى من خلال شبكات الانترنت ووسائط التواصل الاجتماعي وتجد لها في المجتمع من الترويج والدعاية والإعلان والمتلقين والانتشار... وهل يحظى المثقف المغاربي بوجود المؤسسات التي تحتضن الفكر الاستراتيجي وتعزز الثقافة المهنية لديه، وما يرتبط بذلك من التحول الذي يفترض أن تشهده المؤسسات الحالية التي تحاول أن تشارك المثقف في رعاية بعض إبداعاته وأفكاره ونتاجه الأدبي والفكري والإعلامي سواء في إطار عملها وشمولية أدائها وأسلوبها في التعاطي مع متطلبات المثقف ذاته وقدرتها على الدخول بالمثقف المغاربي في خضم ذلك التحول بل وإطلاقه للحراك الفكري والثقافي والوعي الاجتماعي الذي ينبغي أن يولده في التعاطي مع قضايا المجتمع...

ثم إن ما تعيشه المرحلة من تداخلات في الخطاب الفكري ونزوع نحو تبني بعض المداخل يضع المثقف المغاربي أمام تقييم قدرته على بناء أرضيات للمعالجة تشترك في بلوغ الأهداف الإنسانية والمصالح الوطنية العليا مما يعني الحاجة إلى تداركه لخطاب المرحلة وبلوغه مرحلة الخطاب التجديدي القائم على الدمج بين الأصالة والمعاصرة والعالمية والهوية الوطنية، والتوافقية والحيادية والموضوعية.

إن ما سبق طرحه من تساؤلات تضعنا أمام واقع جديد ينبغي أن يتضح فيه موقع المثقف المغاربي ومسؤولياته في تناول قضايا التنمية الوطنية بكافة مدخلاتها ومعطياتها، في ظل المتاح فعلياً له في سبيل إبداء رأيه ومشاركته في الإسهام في قراءة جديدة لقضايا مجتمعه، مشاركاً مبادراً بأفكاره القيمة ورؤاه النقدية المدعمة بالدليل والشواهد والوقائع ومقدما المقترحات والبدائل العملية الإجرائية التي يمكن أن تقدم الحلول في سبيل معالجة التحديات... فالمسألة في بدايتها ترجع إلى المثقف نفسه وفهمه لطبيعة دوره، وقناعته بما يحمله من رؤى وأفكار ومبادئ وتوجهات وما يرسمه في فكره من سياسات وأطر عمل يسهم بها جنباً إلى جنب مع المختصين، ومستوى التثاقف الموجود بين المثقف والمجتمع بفئاته ومؤسساته وشرائحه المختلفة، وبين المثقف ومجتمع المعرفة، ومجال الثقة التي تمنحها المؤسسات في الثقافة الفكرية المغايرة أو ثقافة النقد والتحليل واستخلاص المؤشرات التي يسلط عليها المثقف الضوء عند تناوله لواقع عمل المؤسسات... إذ ذلك مرهون بمستوى الرقي في الفكر والعمق في المعالجة والحضور الذهني الذي سيجعل من أطروحاته مجالا خصباً للمناقشة والحوار والإثراء والمداولة ورفد المؤسسات بالخبرات والتجارب والتطبيقات ونماذج العمل...

فهل سيكون المثقف المغاربي جوهر التغيير النوعي المنشود؟ وهل سيعمل بفاعلية على الاستفادة مما أتيح له من حضور وطني ومشاركات في الفعاليات الرسمية الوطنية والدولية؟ أم سيظل دوره خارج السرب مغرداً في الأوراق وصفحات الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي...؟
كاتب صحافي من المغرب.