نقلت صحيفة “العرب” اللندنية عن مصادر مقربة من الحكومة الجزائرية والإخوان المسلمين في ليبيا أنه تم عقد اجتماع خلال الأسبوعين الماضيين في العاصمة الجزائرية بحضور محمد شعيب نائب رئيس البرلمان المنتخب في طبرق ووفد من الإخوان المسلمين في ليبيا وبرعاية الجزائر التي تسعى إلى جمع بعض فرقاء الأزمة الليبية وإقناعهم بتبني مبادرتها كحل.
وقالت المصادر إن المبادرة الجزائرية تريد أن تجمع على طاولة المفاوضات مختلف الأحزاب والمجموعات بما في ذلك الميليشيات التي تسيطر على العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي، ولا تعترف بالمؤسسات الشرعية، لافتة إلى أن القيادة الجزائرية تراهن على المجموعات المتشددة للتسويق لمبادرتها خاصة بعد أن قوبلت هذه المبادرة ببرود من قيادات بالجيش الليبي ومن اللواء خليفة حفتر قائد عملية الكرامة ضد الميليشيات الإسلامية.

وفي سياق الرهان على المجموعات المتشددة، كشفت المصادر السابقة عن أن وفد الإخوان المسلمين الليبيين قد عقد لقاءات مع شخصيات جزائرية بارزة من بينها وزير الخارجية رمطان لعمامرة، ومدير المخابرات الجنرال توفيق، فضلا عن لقائه بالسفير الأميركي في الجزائر.

واعتبر مراقبون أن المبادرة الجزائرية لم تراع التطورات الإقليمية ولا مصالح الدول المحيطة بليبيا، ففيما تحتفي القيادة الجزائرية بضيوفها من الإسلاميين المتشددين وتبحث عن تثبيت أقدامهم في ليبيا، نجد أن الوضع الإقليمي يسير في اتجاه معاكس تماما بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 في مصر التي أطاحت بحكم الإخوان، وكذلك بعد هزيمة إخوان تونس في الانتخابات التشريعية الأخيرة (26 أكتوبر الماضي).

ولفت المراقبون إلى أن الجزائر تريد المراهنة على ورقة الإسلاميين لتنضم بذلك إلى التحالف الذي يضم قطر وتركيا، وهو تحالف يتهمه كثيرون بالتسبب في الفوضى في ليبيا، فضلا عن أنه بات محاصرا ومكشوفا.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زار الجزائر منذ ثلاثة أسابيع والتقى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وكان الوضع في ليبيا أحد أهم الملفات التي تم تناولها، فضلا عن الوضع في تونس وخاصة بعد هزيمة الإسلاميين هناك في الانتخابات.
وتقول السلطات الجزائرية إنها لا تمانع في إدارة شؤون المنطقة من طرف الإسلاميين إذا كانوا من “المعتدلين”، وهذا ما يفسر استقبال الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أكثر من مرة وبحفاوة تثير التساؤلات لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية التابعة للإخوان المسلمين.

وتحاول الجزائر أن تبدو على الحياد في الملف الليبي بالقول إنها لم تستدع مجموعات إرهابية، وإنما مجموعات سياسية وعسكرية من مختلف الأطراف، وتقول إنها تريد إيجاد هوامش بين التنظيمات الجهادية وبين الثوار، لكي يتم عزل الإرهاب المسلح، واستقطاب المتشددين ذوي الأجندة السياسية الداخلية.

وتساءل المراقبون كيف يمكن للجزائر أن تقسم إسلاميي ليبيا إلى معتدلين وإرهابيين وكلاهما يحكم مدينتي طرابلس وبنغازي بالحديد والنار، ودون أي شرعية خاصة بعد انتخاب برلمان بطريقة ديمقراطية وحيازته على الاعتراف الدولي.

وارتكبت الميليشيات الإسلامية في طرابلس جرائم كثيرة ضد المدنيين في سبيل فرض وجودها على العاصمة من خلال قتل محتجين وحرق وهدم مئات المنازل التي رفض أهلها أوامر بوقف الاحتجاجات ضد سيطرة “فجر ليبيا” الإخوانية، فضلا عن فرض نمط اجتماعي مغلق على مدينة عرفت بتحررها.

وبالتوازي مع فتحها قنوات التواصل مع قيادات إسلامية ليبية بارزة سبق أن زارت الجزائر، فإن السلطات الجزائرية رفضت أي تحرك دولي للتدخل العسكري في ليبيا لوقف جرائم المجموعات الإرهابية، فضلا عن المساعدة في تسليم الحكم للمؤسسات الشرعية التي اختارها الشعب الليبي في انتخابات حرة ونزيهة.

وتقول أوساط دبلوماسية جزائرية إن ما يعيق “المبادرة” هو وقوف السلطات المصرية مع اللواء حفتر الذي يرفض أي حوار مع الميليشيات ما لم تلق سلاحها، وهو ما سبق أن صرح به وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي قال إن بلاده تتوجس من الدور المصري في الأزمة الليبية، رغم أن مصر طالما أعلنت حيادها.

ومن المنتظر أن يتضح الموقف الجزائري من الأزمة الليبية خلال ندوة النفط والغاز في شمال أفريقيا المزمع عقدها من 7 إلى 9 ديسمبر الجاري، بالنظر إلى هوية الوفد الليبي المشارك إن كان من الميليشيات المسيطرة على طرابلس أم من البرلمان الشرعي والحكومة المنبثقة عنه ومقرهما في طبرق شرقا.

وحذّر المراقبون من أن الجزائر تلعب بالنار، فهي تريد أن تستقطب إسلاميي المنطقة لقطع الطريق أمام الاحتجاجات الشعبية التي بدأت دائرتها تتسع في مناطق مختلفة وطالت حتى قوات الشرطة والأمن حارسة النظام، لافتين إلى أن الإسلاميين كثيرا ما انتهوا إلى عض اليد التي أكرمتهم

( العرب الدولية )