يحاول الاتحاد الأفريقي أن يدخل على خط المبادرات الرامية إلى حل الأزمة السياسية الليبية والعسكرية، ولا سيما بعدما أعلنت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الليبية قرارها القاضي باعتبار مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق أقصى الشرق الليبي غير دستوري، وهو ما أعاد العملية السياسية في ليبيا إلى مربعها الأول.

ويمتلك الاتحاد الأفريقي حساباته الخاصة. من جهة لا تستطيع دوله إعلان تأييد الحرب على الإرهاب بموجب تحرك عسكري، إذ إن هذا التأييد قد يستخدم ضد دول الاتحاد التي تُعاني من أزمات داخلية وهشاشة أوضاعها السياسية. وتخشى بالتالي أن يتحول تأييدها لقرار إلى سلاح في يد الذين يريدون الانقلاب على أنظمة دول الاتحاد.

كذلك يُعاني الاتحاد الأفريقي من تذبذب مواقفه إبان ثورة فبراير/شباط 2011، إذ إن أغلب دوله كانت مرتبطة بمصالح مع نظام العقيد الراحل معمر القذافي. وهو ما جعل الاتحاد في نظر بعض أطراف الأزمة السياسية الليبية طرفاً مشكوكاً في حياديته ونواياه تجاه حل الأزمة الراهنة.

يُضاف إلى ذلك، أن أغلب دول الاتحاد الأفريقي تدور في فلك النفوذ الغربي التقليدي. وبعضها مصالحه مرتبطة بفرنسا، ولا سيما الدول المجاورة لليبيا من جهة الجنوب مثل تشاد والنيجر. ولسان حال هذه الدول هو المنطق الفرنسي نفسه الذي يرى أن مصالحه تتركز في الجنوب، ولذا يركز خطابه فيما يتعلق بالإرهاب على مناطق جنوب ليبيا.

في المقابل، ترتبط بعض الدول الأفريقية الأخرى بالمصالح والخطاب السياسي الأميركي أو الإنكليزي. وهو ما يشكك في قدرة الاتحاد الأفريقي أولاً على فرض أي مخرجات حوار تتفق عليها أطراف الأزمة الليبية، وثانياً في مدى تماسكه حول رؤية مشتركة تعبّر عن مصالحه الجيوسياسية، وليس عن مصالح دول كبرى تدور في فلكه.

وقد سربت وسائل إعلام عدة تصريحات تُفيد بأن مبعوث دول الاتحاد الأفريقي إلى ليبيا محمد دليتا، كان سيحمل معه، أمس الأربعاء، مبادرة إلى الاجتماع الوزاري حول ليبيا الذي كان سيعقد في مدريد، ويضم بالإضافة إلى دول جوار ليبيا كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا، قبل أن يجري تأجيل المؤتمر.

وتنطلق مبادرة الاتحاد الأفريقي من توجيه ضربة قاضية لطرفي الصراع السياسي، وهما المؤتمر الوطني العام، ومجلس النواب الليبي المنحل، وذلك بالبدء في انتخابات برلمانية تحت إشراف دولي. ويأمل مبعوث الاتحاد الأفريقي أن تلقى مبادرته قبولاً لدى وزراء الدول المجتمعين في مدريد.

لكن محللين يرون أن المبادرة على الرغم من ظاهرها العقلاني فهي إشكالية، ذلك أنها لم تأت بناء على حوار أو اتصال مع أطراف الأزمة السياسية والأمنية الليبية، بل تم تقديمها لدول اجتماع مدريد لفرضها من قبل الدول الكبرى في حال اقتنعت بها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا.

يُضاف إلى ذلك، أن طبيعة وهيكلية المبادرة لا تستند إلى دراسة لأصل وطبيعة المشكلة الليبية، فهي تستند إلى أساس أن الصراع قائم بين مؤسستين تشريعيتين تتنازعان الاختصاص، لذا استبعدتهما المبادرة من حلبة الصراع، داعية إلى إجراء انتخابات تشريعية تحت إشراف دولي، الأمر الذي يراه المتابعون مجافياً لطبيعة وحقيقة الأزمة الليبية، التي تقوم على روايتين. الأولى يتبناها مجلس النواب المنحل وأنصار عملية الكرامة، وتعتبر أنّ "المواجهة في ليبيا مع قوى ظلامية وإرهابية"، داعيةً "العالم إلى مساندتها في حربها بشرق وغرب ليبيا".

أما المؤتمر الوطني العام وقوات فجر ليبيا ومجلس شورى الثوار في بنغازي، فيقدمون رواية مغايرة، تقوم على أساس أن ثورة مضادة يتبناها حفتر ويشرعنها مجلس النواب في طبرق، مدعومة من قوى إقليمية، تحاول الردة على ثورة فبراير/شباط 2011.

وهذا هو جوهر وحقيقة الخلاف القائم حسب المراقبين، والذي يدور بين عنوانين رئيسيين "الحرب على الإرهاب" أو "الثورة المضادة". وهما بطبيعتهما ليس لهما علاقة بمسألة إجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية مبكرة، سواء أكانت تحت إشراف دولي أم محلي.

إلا أن المبعوث الأفريقي لليبيا محمد دليتا يرى، أن الأزمة الليبية الحالية زادت تعقيداً بسبب عدم اتفاق دول جوار ليبيا على طبيعة الحلول المبتغاة. ويقصد رئيس وزراء جيبوتي السابق دول جوار ليبيا الأكثر تأثيراً وتدخلاً في الشأن الليبي، وهما دولتا مصر والجزائر.

وتدعم مصر في شرق ليبيا وغربها قوات الجيش الوطني، وتحرص على أن يبقى مجلس النواب الليبي المنحل متصدراً للمشهد السياسي، تخوفاً من انعكاسات اعتباره غير دستوري على النظام المصري.

أما الجزائر فتحاول تبنّي حوار يشمل أطرافاً ليبية عدة في العاصمة الجزائر، ويقوم على أساس من عدم تنازع الشرعيات واعتبار جميع الأطراف متساوين على طاولة الحوار. وترفض الجزائر بشكل قاطع الرؤية المصرية القائمة على التدخل العسكري والبعد الأمني كبعد أحادي.

لذا يتوقع بعض الخبراء السياسيين الليبيين أن تمر مبادرة الاتحاد الأفريقي بسلام وترقد أيضاً بسلام، لأنها لا تملك العصا أو الجزرة، وليس لديها رؤى وتصورات واضحة عن طبيعة الأزمة، واختزلتها في صراع بين برلمانيين.