شاع مفهوم الحاكمية في الدول الإسلامية والعربية عقب ظهور حركات التحرر من الاستعمار، وقد مثل مبدأ "الحاكمية" أحد أبرز المصطلحات الدينية التي استخدمتها المذاهب والتيارات الدينية المتشددة،  في تأصيل موقفها من الحكم والحاكم،  ومؤسسات الدولة كافة، الذي أنتج بدوره مفهوماً آخر هو الجاهلية،  ومن هذين المصطلحين ترسخ العداء للدولة والمجتمع وحكم عليهما بالكفر والردّة إلى الجاهلية الأولى.

ويشير الكثير من الباحثين والمؤرخين الى أن مفهوم "الحاكمية" ليس مفهوماً أصولياً،   وإنما طرحه- أول ما طرحه- الخوارج؛ اعتراضا على واقعة التحكيم بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، إلا أن هناك رأى آخر،  يرى أن مصطلح الحاكمية مستحدث،  حيث استخدم لأول مرة على يد "أبو الأعلى المودودي"،  بحثًا عن استقلال الهند عن الإنجليز.


** "الحاكمية" في أدبيات الإخوان

لقد كان تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، بعد سنوات قليلة من هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1914– 1918،  وإلغاء الخلافة الإسلامية رسمياً، حيث ظهرت الجماعة في محاولة لسد الفراغ الناشئ عن غياب دولة الخلافة في العالم الإسلامي،  ومواجهة الأفكار القومية والاشتراكية والليبرالية التي تزامن انتشارها في العالم العربي والإسلامي مع سقوط الخلافة.

وبالرغم من تأكيد قادة "الإخوان المسلمين" على توخّي تنظيمهم للطرق السلميّة،  فإنّهم سرعان ما انبروا للقوة كوسيلة للتغيير وللتكفير كأداة لإقصاء المنافسين والخصوم وخاصة مع عبد الناصر الذي حاولوا اغتياله في حادثة المنشيّة سنة 1954.وكانت ردة فعل النظام حينها عبر إيقافات ومحاكمات   للمئات من قيادات التنظيم وكوادره وليدة المنهج الذي وضعه المرشد المؤسس حسن البنا وبنى عليه سيد قطب من بعده.

وبحسب خبراء فقد مهد كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" الطريق لترسيخ فكرة تكفير كل المجتمعات الإسلامية باعتبار أنها تعيش في جاهلية تتأسس على الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية.وامتدت أسباب تكفيره لتلك المجتمعات لتشمل عقائد الناس وتصوراتهم باعتبارها عقائد جاهلية تتنافى مع الإسلام الصحيح..

يقول قطب في كتابه: "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية،  تصورات الناس وعقائدهم،  عاداتهم وتقاليدهم،  موارد ثقافتهم،  فنونهم وآدابهم،  شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية،  ومراجع إسلامية،  وفلسفة إسلامية،  وتفكيرا إسلاميا،  هو كذلك من صنع الجاهلية. لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا،  ولا يتضح في عقولنا،  ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة".

ومثل مطلب الوصول للحكم وإقامة "الدولة الإسلامية"، ركنا أساسيا في أفكار جماعة الإخوان المسلمين،  باعتباره الضمانة الوحيدة لتطبيق حكم الله القائم على الشريعة الإسلامية،  وكذلك لكونه نقطة الانطلاق نحو استعادة الخلافة الإسلامية التي ستقود بدورها لسيطرة المسلمين على كل أرجاء المعمورة أو ما أسماه المرشد المؤسس،  حسن البنا،   "أستاذية العالم".واعتبر البنا مطلب الحكم ركنا من أركان الإسلام،  شأنه شأن الصلاة والصوم والحج.

وفي هذا السياق، يقول البنا في رسالة المؤتمر الخامس: "فالإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم على هدى الإسلام الحنيف كما فهموه،  وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة. وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه،  ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد،  وقديما قال الخليفة الثالث رضي الله عنه: 'إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".


** الأخوان" والعنف"

يشير الكثير من المفكرين الى أن كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب الصادر عام 1964م، المؤسس لظهور حركات جهادية مقاتلة ومنظومات فكرية متطرفة أواخر القرن العشرين في عدد من البلدان العربية والاسلامية على طريق إقامة دولة الخلافة.وقد كان لهذا الكتاب أكبر الأثر في نفوس قادة الحركات الإسلامية العنيفة بمختلف مسمياتها.

وسارت التنظيمات المتطرفة بدءا من سبعينيات القرن الماضي،  على نهج حسن البنا وسيد قطب،  في تبني مبدأ الحاكمية واستخدام العنف للتغيير،  ولمحاربة ما أطلقوا عليه القوانين والدساتير الوضعية التي تسير عليها المجتمعات الإسلامية، وانتقدوا النظم المدنية الحديثة لتداول السلطة كفكرة الديمقراطية والانتخابات،  واعتبروها مخالفة لمبدأ "الشورى" في الإسلام.

وفي كتابه "الإرهاب والليبرالية"،  تعرّض الكاتب الأمريكي "بول بيرمان"،  إلى تأثيرات المنظر الإخواني في الأصولية الإسلامية،  بداية من أثره على ما سُمي بـ"الصحوة الإسلامية"،  في سبعينيات القرن الماضي؛ حيث أثر على عقول الكثير من الشباب الذين تداولوا أقواله جيلًا بعد جيلٍ،  بدءًا من تنظيم الفنية العسكرية (مجموعة حاولت الاستيلاء على السلطة في مصر بالقوة عام 1974)،   مرورًا بأفكار تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد المصريين،  وانتهاءً بأجيال تنظيم القاعدة المختلفة، و"داعش".

وانبثق تنظيم "القاعدة" من رحم جماعة الإخوان،  حيث نشأ على يد "عبد الله عزام"،  أحد القيادات التاريخية للإخوان،  حيث التحق بكتائب تعرف بـ"المجاهدين" التي شكلها الإخوان عام 1967،  وتطورت أفكارهم للعنف والقتل على يد "أسامة بن لادن" والذي بدأ حياته كعضو في تنظيم الإخوان،  وأطلق عليهم "الحركة الجهادية"،  لإخراج ما أطلق عليهم "القوات الكافرة من جزيرة العرب وإسقاط الأنظمة المتواطئة معها".

إتكأ تنظيم "القاعدة"،  على ما تركه "قطب" من أدبيات تقوم على العداء للغرب وقتاله،  وعمل على تحويلها من الإطار النظري إلى التطبيق على أرض الواقع حيث أعلن التنظيم مسؤوليته عن عديد من التفجيرات والاعتداءات التي استهدفت مصالح أمريكية وغربية،  وابرزها تدمير البارجة الأمريكية ( كول ) في ميناء عدن عام 2000 وتفجيرات 11 سبتمبر 2001م الإرهابية في واشنطن ونيويورك،  وتدمير ناقلة النفط الفرنسية (ليمبرج) في ميناء الضبة النفطي بمدينة المكلا عام 2002.

يقول أيمن الظواهري،   زعيم "القاعدة" وعقلها المدبر،   بكتابه: "فرسان تحت راية النبي": "لقد أكد سيد قطب مدى أهمية قضية التوحيد في الإسلام،  وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد أو حول لمن يكون الحكم والسلطان،  لمنهج الله ولشرعه أم للمناهج الأرضية والمبادئ المادية". وهو يتحدث عن الحاكمية هنا.

كذلك يُعتبر تنظيم داعش الإرهابي امتدادا طبيعيا لفكر الإخوان،  وقد تربت قيادات التنظيم على نهج الإخوان  داخل السجون وفي مدارسهم، وفي أكتوبر 2014،  اعترف القيادي الإخواني "يوسف القرضاوي"،  في مقطع فيديو تناقلته وسائل الإعلام،  بأن أبوبكر البغدادي،  زعيم "داعش"،  كان عضوًا بجماعة الإخوان،  إذ قال:"هذا الشاب كان من الإخوان في أول أمره،  إلا أنه كان يميل إلى القيادة،  وأغراه هؤلاء بعد عدة سنوات،  وكان مسجونًا وانضم إلى هؤلاء".

وفي نوفمبر 2014،   أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية،  في لقاء لها مع الداعشي البريطاني "كبير أحمد" قبل أن يفجر نفسه في هجوم انتحاري عند مصفاة بيجي،  شمال بغداد،   وقال الداعشي: "في السجن درست القرآن،  وعرفت ما يجري للمسلمين حول العالم،  والمفكرين الذين تأثرت بهم وأحبهم وهم سيد قطب،  وأنور العولقي،  وأسامة بن لادن،  وأيمن الظواهري،  وأنا أحبهم جميعًا وأحترمهم"،  بحسب تصريحاته.

وتبنى تنظيم "داعش" منهج الإخوان في استخدام العنف للتغيير وفرض منهج "الحاكمية" المغلوط على المجتمع، وهو ما تؤكده الرسالة الخاصة بالتنظيم والمنشورة في إحدى إصداراتهم "مجلة النذير"،  حيث تقول الرسالة :"سنتوجه بدعوتنا إلى المسئولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وهيئاته وأحزابه،  وسندعوهم إلى منهاجنا ونضع بين أيديهم برنامجنا وسنطالبهم بأن يسيروا عليه.. فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم،  وإن لجئوا إلى المواربة والمراوغة وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة،  فنشن حرب على كل زعيم أو رئيس أو حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق إلى استعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام،  سنعلنها خصومة لا سِلم فيها ولا هوادة معها حتى يفتح الله بيننا".

وبدوره أقر زعيم جبهة النصرة حالياً أبو محمد الجولاني،  بعد أن كان نائباً ومبعوثاً لأبي بكر البغدادي،  قبل الانشقاق عنه،  في حوار له عبر إحدى الفضائيات في يونيو 2015 بتدريسهم كتب: "جماعة الإخوان لطلابهم،  وخاصة فكر القيادي الراحل الإخواني سيد قطب لدعمه الجهاد وقتل الفئات الكافرة".وأضاف أنهم: "يرون أن جماعة الإخوان جماعة جهادية،  وأن جبهة النصرة منبثقة من فكر حسن البنا،  مؤسس الإخوان".

من هنا يمكن القول بأن التنظيمات الإرهابية كلها خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين. كـ "داعش" و"القاعدة" و فروع تلك الجماعات كـ"جبهة النصرة" و"أنصار الشريعة" و"التوحيد والجهاد" و"أنصار بيت المقدس" و"الجماعة الإسلامية" و"حركة التكفير والهجرة"؛ فما هي إلا مسميات لجماعة واحدة هي "الإخوان"؛ لأن أعضاء هذه التنظيمات المسلحة كانوا أعضاء بجماعة الإخوان قبل أن يشكلوا تنظيمات مسلحة.


** الاخوان" في ليبيا"

لم تكن ليبيا بعيدة عن مخططات جماعة "الاخوان"، حيث مثلت الجارة الغربية لمصر مجالا لنشاط الجماعة منذ نهاية الأربعينات، عندما لجأ 3 من إخوان مصر إلى إقليم برقة بعد تورطهم في اغتيال رئيس الوزراء المصري محمد فهمي النقراشي في 28 ديسمبر 1948،  وسعى هؤلاء لاحقاً إلى نشر فكر الإخوان في ليبيا، بعد أن الأمير إدريس في ذلك الوقت تسليمهم إلى السلطات المصرية.

وسرعان ما طبقت الجماعة أدبيات العنف في ليبيا حيث استفاق الليبيون في الخامس من أكتوبر 1954 على أول عملية اغتيال سياسي في المملكة الليبية عندما قام الشريف محي الدين السنوسي بإطلاق الرصاص على ناظر الخاصية الملكية إبراهيم الشلحي المقرب من الملك وصديقه الأقرب له فأرداه قتيلاً.وعلى الفور أصدر الملك إدريس أمراً ملكياً حظر بموجبه جماعة الإخوان المسلمين من ممارسة أي نشاط سياسي وأمر باتخاذ إجراءات لمراقبة ومحاصرة قياداتها وعناصرها الليبية لوجود علاقة بين القاتل وفرع الجماعة الإخوانية في ليبيا.

وتبين للنظام الملكي آنذاك أن للجماعة عقيدة فاسدة تهدف إلى التمكن من مفاصل الدولة الوليدة، فقرّر في العام 1952 إلغاء الأحزاب السياسية وحظر نشاطها،   ما ضيق الخناق على الجماعة ومنعها من التحرك تحت أي غطاء حزبي لكن الجماعة استمرت في نشاطها من خلال طباعة بعض الإصدارات وواصلت نشاطها التنظيمي "المصري – الليبي"، لتتحول ليبيا الى مركز اساسي لها بعد سقوطها في مصر.

ظلت الجماعة في عملها السري واضعة نصب أعينها الوصول الى السلطة حيث كانت تمارس عملها دون إصدار أي مواثيق أو بيانات أو محاضر اجتماعات فيما كانت تتم الاجتماعات بسرية تامة وتنشر فكرها فى المدارس والجامعات فيما تواصلت بالتزامن مع ذلك  المشاورات والاتصالات وفق العمل السري الذي اتخذته الجماعة.

وعقب إسقاط النظام الملكي وإعلان قيام الجمهورية الليبية تولى الملازم معمر القذافي زمام الحكم وأعلن عن تأسيس مجلس قيادة الثورة الذي اتخذ موقفاً عدائيًا جماعياً من الإخوان المسلمين واعتبرهم تنظيماً مستورداً ومتطرفاً وقلب لهم تخطيطاتهم رأسًا على عقب،   على الرغم من مشاركتهم في الوزارات المختلفة التي شُكلت حتى العام 1973 ولكن في العام نفسه ُقبض على قادة الإخوان وسرعان ما ظهروا تليفزيونيا وأعلنوا عن حل الجماعة.

واستمرت الحكومة الليبية في مراقبة جميع حركات الإسلام،  لضمان خلو الحياة الدينية من أي بعد سياسي،  من خلال مراقبة المساجد وانتشار ثقافة المراقبة الذاتية بشكل عام،   مع بقاء كل من رجال الدين وأتباعهم في حدود الخطوط الآمنة من الممارسات المقبولة. وتسارعت الأحداث وارتد الإخوان المسلمين إلى التنظيم السري مرة أخرى بينما كان نظرائهم فى مصر لا يتوقفون عن زعزعة أمن بلادهم وتنفيذ العمليات الإرهابية هنا وهناك.


** العنف طريق الى السلطة

كالعادة اتجهت جماعة الاخوان الى العنف في محاولة للوصول الى السلطة، وولدت من رحم الجماعة الحركات المتطرفة ،  التي كان من أوائلها جماعة تأسست بقيادة علي العشبي عام 1982 مع ثمانية من رفاقه،  ما لبثت أن فككتها الأجهزة الأمنية الليبية وقتلت عناصرها التسعة. وفي عام 1989 استطاع عوض الزواوي تشكيل جماعة أخرى أطلق عليها "حركة الجهاد"،  فاعتقل هو أيضاً وفي نفس العام شكل أحد أنصاره وهو محمد المهشهش الملقب بــ" أبو سياف" تنظيما يدعى" حركة الشهداء الاسلامية.

وعقب ذلك أعلنت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة عن تكوينها بعد أن عادت بعض القيادات الجهادية من المعارك ضمن ما سمي "الأفغان العرب"،  سنة 1995.وقد استغل أعضاء الجماعة الإرهابية جبهات القتال التي فتحت ضد السوفييت في أفغانستان لتطوير مهاراتهم القتالية وتلقن استراتيجيات عسكرية ذات نطاق واسع. وقامت الجماعة بعمليات مسلحة في مواقع مدنية وأمنية بليبيا في تسعينيات القرن العشرين بهدف إسقاط نظام العقيد معمر القذافي. إلا أن القوات المسلحة الليبية وأجهزة الأمن قضت عليهم،  واعتقلت مجموعة كبيرة منهم.

وأمام عجزهم المتواصل اتجهت جماعة "الاخوان" الى الخديعة لاخراج عناصرها من السجون فمنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 دخل عناصر الجماعة المسجونين في ليبيا في حوار مع الحكومة الليبية ترعاه مؤسسة القذافي للتنمية برئاسة سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي وبرعاية ثلاثة أجهزة أمنية ليبية هي الاستخبارات العسكرية والأمن الخارجي والأمن الداخلي. وفي العام 2009،  قام زعماء الجماعة بتقديم اعتذار للدولة الليبية،  الأمر الذي أدى إلى إطلاق سراحهم. واختار أعضاء الجماعة تأسيس إطار سياسي جديد وبديل،  سموه "الحركة الإسلامية الليبية للتغيير"،  وأعلنوا عنه في بيان تأسيسي يوم 15 فبراير/شباط 2011

مراجعات الجماعة الوهمية سرعان ما تلاشت مع اندلاع أحداث فبراير 2011، حيث سارع الاخوان الى التحالف مع الغرب بهدف اسقاط النظام الليبي وظهرت عناصرهم في المقدمة تحت غطاء طيران الناتو.وفي الأثناء،  كان العقيد الراحل،  مدركا تماما أن الهدف الرئيسي لتلك الجماعات هو السلطة السياسية والوصول إليها بقوة السلاح لفرض الهيمنة على نطاق واسع ومدة طويلة.

وبعد سقوط نظام معمر القذافي، شكلت جماعة الإخوان في 5 مارس 2012،   حزبًا سياسيًا باسم "العدالة والبناء"، فيما انقسمت الجماعة الليبية المقاتلة على نفسها،  إذ كون عبد الحكيم بلحاج حزب الوطن الذي لم يفز بأي مقعد في المؤتمر. وكونت مجموعة أخرى من الجماعة حزب الأمة الوسط،  بقيادة سامي الساعدي الذي حصل على مقعد واحد،  شغله عبد الوهاب القايد شقيق أبو يحيى الليبي. كونت الجماعات السلفية حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من دار الإفتاء،  قاده علي السباعي،  ولم يفز بأي تمثيل. فيما ارتبطت بعض مجموعات الجماعة المقاتلة بكتائب عدة في طرابلس وبنغازي.

وبالرغم من تسترهم خلف مسميات حزبية فان "الاخوان" لم يجدوا في ليبيا الحاضنة التي تمكنهم من السيطرة على البلاد.ومثلت خسارتهم في انتخابات 2014 ضربة قوية لأجنداتهم المشبوهة رغم الإمكانات المرصودة لهم إعلاميا وماليا وأمنيا، وهو  ما دفع بهم للتكشير مجددا عن أنيابهم والعودة الى سلاح العنف من خلال الحرب الأهلية المعلنة من قبل مليشيات "فجر ليبيا"،    والتي أدت إلى ترحيل البرلمان إلى مدينة طبرق في شرق البلاد.


** الخلافة: حلم يجمع "الاخوان" والجماعات الارهابية

تعتبر "الخلافة" نقطة مشتركة بين جماعة "الاخوان" والجماعات المتطرفة ومفهوم الخلافة -وفقًا لهم- هي دولة تحكمها الشريعة الإسلامية برئاسة خليفة يُعتقد أنه سليل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).وكان مؤسس جماعة الإخوان حسن البنّا،   رفض الدول القومية التي أُنشئت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية،  وبدلًا من ذلك،  دعا إلى القومية العربية وخلق خلافة إسلامية واحدة.

وتختلف جماعة "الاخوان" مع الجماعات الجهادية في طريقة الوصول الى الخلافة، حيث تعتمد الجماعة على الدعوة والتبشير ونشر أفكارها للتغلغل في المجتمع وكسب حاضنة شعبية واسعة تمكنها من الوصول الى السلطة كما حدث في  انتخابات مصر عام 2012، حين استفادت جماعة الإخوان المسلمين من تغلغلها في المجتع ونشاطاتها الاجتماعية طيلة عقود للفوز برئاسة مصر.

وفي المقابل تتجه الجماعات الجهادية الى العمل المسلح فتنظيم القاعدة دخل في حرب مفتوحة مع الغرب وأمريكا تحت عنوان حماية الأراضي الإسلامية من "الحملة الصليبية الجديدة التي تقودها أمريكا ضد الدول الإسلامية"، فيما اختصر تنظيم "داعش" الطريق عبر اعلانه في يونيو 2014 عن قيام "الخلافة" بعد سيطرته على أراضي سورية وعراقية مستغلا الأوضاع الأمنية التي شهدتها المنطقة.

لكن هذه الخلافات لا تنفي امكانية توحد "الاخوان" والتنظيمات الارهابية للوصول الى هدف الخلافة المشترك، وأظهرت وثيقة سرية مسربة ناقشتها صحيفة الشرق الأوسط في يناير 2016،  أن "داعش والقاعدة والإخوان" يناقشون تشكيل مجلس شورى مشترك في ليبيا؛ لأن المجموعات تريد إرسال رسالة معارضة مشتركة من الإسلاميين الليبيين إلى حكومة الوحدة الوطنية الليبية،  وأن أعضاء الإخوان في ليبيا تلقوا رواتب يومية؛ للانضمام إلى معسكرات التدريب التابعة لتنظيمي "داعش" و"القاعدة".

ويمكن للاخوان التحالف مع أي كان للوصول الى السلطة، فمؤخرا، قال الرئيس التركي،  رجب طيب أردوغان،  إن الأتراك اليوم موجودون بسوريا وليبيا في جغرافيتهم القديمة احتراما لإرث الأجداد العثمانيين،  واصفا بلاده بـ"وريث الإمبراطورية العثمانية".وأشار،  في كلمته أمام منتدى تي آرتي بإسطنبول (21-22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري) بحضور حشد إخواني،  إلى سعيه لإحياء ما وصفه بـ"المجد القديم للأتراك.

وتتحالف جماعة "الاخوان" في ليبيا مع نظام أردوغان الذي يبذل قصارى جهده بتقديم الدعم السياسي والعسكري واللوجستي للجماعة والمليشيات الموالية لها للبقاء في السلطة في طرابلس ومنع سقوطها.وخلال الأشهر الأخيرة،  قدمت أنقرة إلى مليشيات طرابلس أنواعا مختلفة من الأسلحة (الدبابات والطائرات بدون طيار) تديرها الأتراك، وذلك في المعركة ضد الجيش الوطني الليبي.

ومنذ العام 2011، سعت تركيا في اطار سياسة أردوغان التوسعية استغلال حالة الفوضى التي عصفت بعدة دول عربية لدعم الجماعات الموالية لها لتكون ذراعها للسيطرة على هذه الدول.وتحركت أنقرة لاعادة التموضع في الساحة الليبية بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد بهدف الحفاظ على مصالحها في السوق الليبية والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.ومثل تيار الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة "الاخوان" والمليشيات الموالية لها ذراع أنقرة التخريبية في ليبيا ووسيلتها لنهب ثروات البلاد وتدعيم مصالحها فيه.

ويؤكد العديد من المراقبين أن هدف الجماعات الإسلامية، هو الوصول إلي السلطة بأي طريقة لفرض فكر معين،   مستغلة شعارات دينية لسهولة استنباطها تبني مقولاتها لأنها مبهمة وغير واضحة ولا تحوي نظاما محددا يترك الباب مفتوحا أمام أهواء قياداتها الكبيرة. وهو ما عكسه التحالف بين الإخوان والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة ومجموعات مقاتلة إسلامية أخرى مع الناتو لإسقاط النظام الليبي، رغم أن شعارهم دائما هو محاربة المصالح الغربية.

ومثلما فشلوا في مصر يؤكد مراقبون أن "الاخوان" في ليبيا لن ينجحوا في فرض أدبياتهم وتمرير أجنداتهم، حيث باتت كل مخططاتهم مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه الجماع لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة.وشهدت المدن الليبية تحركات عديدة ضد جماعة الاخوان، ففي يناير الماضي، تظاهر عشرات الليبيين بميدان الجزائر،  وسط العاصمة الليبية طرابلس،  ضد ما وصفوه بسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل الدولة.ورفع المتظاهرون لافتات ترفض تغلغل "الإخوان" في مؤسسات الدولة،  إضافة إلى تحميلهم مسؤولية ما سمّوه بالفتنة والاقتتال في البلاد.وأشار المتجمهرون في شعاراتهم إلى بدء العد التنازلي لحكم "الإخوان" في البلاد.